Sadaonline

زهران ممداني.. ِشهيدا!

يعتبر انتصار زهران ممداني وتسلمه الروتيني لوظيفته سبقا وخرقا لقواعد لعب الرجل الأبيض

  طلال طه - مونتريال

من الأفضل قراءة هذه المقالة معكوسة، حتى لا يصبح التلويح بشهادة الرجل مانشيت دعائي للترويج والتشجيع على قراءة المقال!

أما وقد أصبح استلام ممداني لعمدة مدينة نيويورك قريبا، في بداية العام الجديد، في اليوم الأول من شهر كانون ثاني 2026 تحديدا، بعد أداء القسم امام المدعية العامة لولاية نيويورك السيدة ليتيسيا جيمس، تحت إشراف بيرني ساندرز، السيناتور عن ولاية فيرمونت، وصديق وزميل زهران في التوجه الإشتراكي الديموقراطي..

إذن هي أيام قليلة تفصلنا عن الموعد التاريخي، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، نعم تاريخي، منذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ تأسيس مدينة نيويورك على المحيط الأطلسي، إذ عبره المهاجرون والكشافون والمغتصبون والمشعوذون والمهرطقون والمجرمون الى القارة الواعدة!

نتحدث عن موعد تاريخي بلحاظ مسألتين مهمتين هما:

قد تكون انتخابات عمدة نيويورك هي النصر الأول لحلف المتعاضدين مع غزة والمدافعين عن شعب فلسطين والداعمين لحقوقهم، وذلك منذ تاريخ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" كبداية متجددة لإحياء القضية الفلسطينية كما لم يحصل من قبل في الشارع الأمريكي والأوروبي وكافة مدن وأنحاء العالم التي توحدت حول سردية حقوق الشعب الفلسطيني, وكانت أن تمظهرت بكل أشكالها في انتخابات عمدة نيويورك التي فاز فيها زهران ممداني منفردا ضد الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي (حزبه المفترض أن يدعمه) واللوبي الصهيوني والرئيس ترامب وحوالي 30 بليونير وأغلب وسائل الاعلام التقليدية.. فاز ضد كل هؤلاء في عقر دار اللوبي الصهيوني ومؤسساته!..

المسألة الثانية هي في أن قيمة هذا الانتصار أنها تسجل في واحدة من أكبر مدن العالم، وأغناها، وأكثرها خضوعا للمؤثرات الصهيونية بكل أشكالها. فإن كانت إسرائيل هي الولاية الأمريكية الواحدة والخمسون، والقاعدة العسكرية الأمريكية الأكبر حول العالم، ففي المقابل تعتبر نيويورك قاعدة إسرائيلية في أمريكا، فهي بنكها المركزي وشركاتها العابرة للقارات ومرافئها على المحيط،  ومنبرها وأداوتها الإعلامية ووزارة حربها، وربما جامعاتها ومثقفيها وفنانيها والأكاديميين منهم.. كل ذلك تحت رعاية آيباك، اللوبي الصهيوني الأقوى في العالم!

بلحاظ هاتين المسألتين، يعتبر انتصار زهران ممداني في عقر دار الصهاينة، وتسلمه الروتيني لوظيفته سبقا وخرقا لقواعد لعب الرجل الأبيض ذي الهوية الصهيونية أو المسيحية الصهيونية، أو الاثنتان معا!

ما يفصلنا عن هذا الموعد عدة أيام، يتصدر فيما بينها موعد خاص يحكى فيه عن لقاء بين المجرم نتانياهو وحليفه المقرب الرئيس ترامب يقال في 29 كانون أول 2025 في فلوريدا!

قبل هذا التاريخ لا يمكن الحديث عن عملية اغتيال، أو أي شكل من الحوادث التي قد تصيب العمدة الجديد زهران ممداني، إلا في حالة واحدة، وهي الغاء الموعد أو تأجيله كما تشير بعض المعلومات من الرئيس والدائرة الضيقة حوله!

تأجيل الموعد على خلفية عدم التوافق حول عدة ملفات، وأهمها حول القوة "الدولية" لحفظ الأمن في غزة والاشراف على وقف اطلاق النار وإعادة الاعمار التي تطالب فيها أمريكا باشراك تركيا لاعتبارات ليس مجال ذكرها في هذه المقالة!

الغاء الموعد أو تأجيله يفتح شهية الأجهزة على التحرك لإجهاض أول تجربة في تكريس وصول حاكم شاب، مسلم، شيعي، مهاجر، أسمر، اشتراكي، شيوعي، من أصول هندية وافريقية، حديث عهد بالسياسة، قفز من خارج النادي السياسي التقليدي، قريب من الناس، يتحدث ويتبنى مشاكلهم ووجعهم وعجزهم عن اللحاق بقطار اليومي والمكرر من معاناتهم.. كل ذلك يجعل منه فريسة قيمة وهدفا "مشروعا" لدى الموساد المتهم بقتل شارلي كيرك، المسيحي المحافظ والأنكلوسكسوني الأبيض، المؤيد بقوة لترامب والداعم تقليديا للكيان كممثل للمسيحية الصهيونية وقيادتها الشابة!

إذ أن حدثا بحجم التحولات الواضحة التي بدت تظهر على لسان تشارلي ومواقفه الجريئة في نقد ومناقشة الإجرام الإسرائيلي في غزة وفلسطين ومساءلة الإدارة حول الدعم الأمريكي للكيان، حوله من شاب - قائد للكنيسة المسيحية الصهيونية في أمريكا الى ضحية.. ثم شهيدا!

ما قام به زهران أكبر وأضخم وأكثر تأثيرا في الحياة السياسية الأمريكية مما مثل وما كان يمكن أن يمثل ما قام به شارلي كيرك في تحوله وانتقاله من ضفة الى أخرى، وعليه يصبح زهران ممداني هدفا مغريا وقتيلا بالضرورة، وعنوانا وهدفا لمنظمة "أوقفوا معاداة السامية" (نتحدث عن هذه المنظمة الإرهابية المرعبة في مقالة لاحقة)!

*********

الدولة العميقة في أمريكا، من الجمهوريين والديموقراطينن ومن خلفهم وأمامهم ومعهم اللوبي الصهيوني لن يسمحوا لتجربة زهران ممداني أن تنجح وبالتالي تفتح شهيات الملونين وكل هاو من خارج النادي السياسي التقليدي الذي حكم أمريكا منذ آخر اتفاق خرقه الرجل الأبيض مع السكان الأصليين من الهنود الحمر!

إزاحة ممداني أو إفشال التجربة عبر تحريك القوى السياسية الكامنة داخل دوائر نيويورك الحكومية التقليدية، وخصوصا الحرس القديم الذي سوف يحاول أن يجهض هذه التجربة الفتية الواعدة!

محاولة القتل الثانية ستكون معنوية، إذا فشلت محاولة التصفية الجسدية، وذلك عبر إفشال ممداني في تحقيق أهدافه المعلنة في برنامجه الأنتخابي الذي نجح على أساسه، وفي مقدمته:

حضانة الأطفال المجانية لسكان نيويورك.

استعمال كافة وسائط النقل المشترك في مدينة نيويويرك من مترو وقطارات وباصات مجانا.

انشاء عدد كبير من المحلات التجارية الكبرى للمواد الغذائية بأسعار تشجيعية للفقراء وأصحاب الدخل المحدود.

إيقاف ارتفاع وزيادة الأيجارات السكنية في المدينة.

وغيرها من المشاريع "الشعبوية" التي وعد بها الجمهور بدلا من دفع المبالغ الهائلة من الضرائب الضخمة لمساعدة الكيان المجرم وتمويل حروبه المجرمة والقذرة في المنطقة وحول العالم!

*******

 عزيزي زهران، سمعتك بالأمس في إحدى مقابلاتك ترفض أن تخاطب الجمهور أو تتكلم معهم من وراء زجاج عازل ضد الرصاص!

أحيي فيك شجاعتك وجرأتك وشفافيتك في التصريح بذلك، وكأنك تستدرج القتلة وتسهل لهم مهمتهم.. وليس عهدنا بتشارلي كيرك ببعيد!

مع بداية العام الجديد، سوف تسجل غزة أول معادلة ربحية لها في استراتيجية الدم مقابل الرأي العام العالمي!

وها هي تسجل أولى انتصاراتها في عقر دار الصهيونية في نيويورك من خلال هذا الشاب الجريء والواضح والشفاف و وعبر شباب نيويويرك من الأمريكيين الأصليين ومن مختلف الأقليات التي وجدت في زهران اسقاط صادقا لسردية غزة أمام تمثال الحرية ومبنى الأمم المتحدة في مانهاتن!

لقد أصبحت انموذجا عزيزي زهران.. حيا أو شهيدا!

 *الصورة من موقع الحكومة الامريكية