د. هادي عيد ـ مونتريال
أضحت الهجرة أحد المواضيع الأساسية في الخطاب السياسي الغربي، إذ لا يخلو منها برنامج حزبي أو انتخابي أو نقاش بين سياسيين. في الماضي كانت الهجرة موضع مديح، تعتبر مصدر ثراء وتنوع وغنى مادي وثقافي للشعوب التي تستقبل المهاجرين. كان ذلك يوم كانت الأنظمة الرأسمالية في حالة صعود وتحتاج الى يد عاملة ليس فقط من أجل إدارة عجلة الانتاج، بل من أجل خفض الأجور عبر تشكيل اليد العاملة المهاجرة جيشا احتياطيا ينافس عمال البلد الأصليين.
تغيرت الأحوال اليوم بعد أن دخلت الرأسمالية في إحدى أخطر أزماتها الدورية إضافة التي التطور التقني الذي قلص كثيرا الحاجة الى اليد العاملة ، كما كان الأمر في السابق، وهو ما ترجم ارتفاعا في معدلات البطالة في المجتمعات الرأسمالية الغربية. أصبحت الهجرة والعمال المهاجرون في الخطاب الغربي اليميني، واليساري في كثير من الأحوال، سبب كل البلايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى. على هامش هذا الواقع الصعب الذي تعيشه المجتمعات الغربية تنشأ نظريات الخوف من " التحول الكبير"، ديمغرافيا، عرقيا، دينيا الخ... تحول يُقدّم على أنه تهديد وجودي للشعوب الغربية، لثقافاتها، لقيمها ولنمط حياتها. تهويل وتخويف لا ينفك الاعلام المأجور من ضخه وتضخيمه، تفاقمه مواقف كثير من المثقفين وفلاسفة اليمين.
أبرز نموذج عن الهستيريا التي تميز المواقف الغربية من الهجرة الآن هو خطاب ترامب العنصري والبذيء الذي وصف الصوماليين في أحد الاجتماعات بأنهم "قمامة"، فوقف نائبه رافعا قبضته ومصفقا. كما وصف سكان 54 بلدا أفريقيا بأنهم " قادمون من الجحيم ". يريد ترامب بطرده للمهاجرين وبقراره منع مواطني 19 بلدا من الهجرة الى الولايات المتحدة ان يمنح البيض تفوقا ديمغرافيا في العملية الانتخابية. كما يريد تفكيك بنية التعددية الثقافية للولايات المتحدة وبناء الأمة على أسس إثنية وثقافية، بيضاء طبعا.
جميع أحزاب اليمين الأوروبي في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تردد نفس خطاب ترامب العنصري. في سياسة الأمن القومي التي طرحتها إدارة ترامب مؤخرا يهاجم ترامب الحكام الأوروبيين بعنف متهما إياهم بالتخاذل والتراخي في محاربة الهجرة والمهاجرين الذين يحملهم وزر كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في أميركا والمجتمعات الغربية.
ما لا يفصح عنه ترامب وكل دعاة الحرب على الهجرة هو إذن الخوف من النتائج السياسية المحتملة للهجرة وخصوصا السياسات المؤيدة للكيان الصهيوني. المهاجرون بالنسبة لترامب في أوروبا هم من المسلمين والأفارقة عموما. هؤلاء ينظر إليهم كأعداء لإسرائيل وللسياسات الحكومية المؤيدة لها. وهذا صحيح الى حد كبير وهو ما يفسر تصدر فلاسفة مؤيدون لاسرائيل لهذه الحرب التي تشن على الهجرة. في فرنسا مثلا نرى ان زمور وفنكلكراوت وبرنار هنري ليفي في طليعة معارضي الهجرة باسم الدفاع عن الهوية الوطنية والقيم الغربية والديمقراطية.
في الولايات المتحدة المهاجرون الذين يخشاهم ترامب هم عموما من اللاتين الذين يرى انصار اسرائيل الأميركيون فيهم تهديدا جديا لمصالحهم. لذلك يتساءل اللوبي الصهيوني في أميركا حول ما إذا كان نقد إسرائيل سيبقى من المحرمات كما هو الآن، هل ستبقى حنفية المساعدات التي يرسلها الأميركيون لإسرائيل مفتوحة، هل سيحتفظ السياسيون المريجون لاسرائيل بمراكزهم الخ... ثم ما هو أثر كون الديانة الإسلامية الأكثر توسعا في الولايات المتحدة على انصار إسرائيل؟ هذه هي الأسباب الخفية التي تقف وراء هذا العداء المفرط للهجرة في الولايات المتحدة والغرب عموما. وهنا أيضا نجد المثقفين والفلاسفة االمؤيدون لاسرائيل من الأميركيين أمثال ديرشوويتز، هازوني، ناسبوم وغيرهم في طليعة الداعين لوقف الهجرة وشيطنة المهاجرين.
اللافت أن مقاربات الهجرة في الخطاب الغربي الرسمي والمعلن ومن ضمنه الخطاب الروسي هي في الغالب الأعم مقاربات ثقافوية تتجاهل السياق التاريخي لهذه الظاهرة.
لا أثر في هذه المقاربات للتدمير الممنهج الذي خلّفه الغرب الرأسمالي في اقتصادات البلدان التي استعمرها. لا أثر كذلك في هذا الخطاب لطبيعة الأنظمة التابعة والدول الفاشلة التي أقامها هذا الغرب في هذه البلدان ودورها القذر في هذه الهجرة أو قل التهجير. ولا أثر للصراعات التي أججها المستعمرون بين العناصر والمكونات الإثنية والدينية والعرقية خدمة لمصالحهم وهو ما انعكس فشلا على كل الأصعدة وجعل الحياة اشبه بالجحيم في هذه البلدان التي خضعت ولا تزال لهيمنتهم. هذه العوامل مجتمعة هي التي تدفع أبناء دول العالم الثالث الى الهجرة. وانا هنا أكرر أنى لا أعفي قطعا أنظمة هذه الدول من المسؤولية عن هذا المصير البائس الذي يدفع بسكان هذه الدول للمجازفة بحياتهم والتي نرى بشكل شبه يومي نتائجها الكارثية غرقى وموتى بالعشرات في عرض البحار...
يحمل ترامب المهاجرين وزر كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في أميركا والمجتمعات الغربية
الأخبار المتعلقة
43 مشاهدة
28 ديسمبر, 2025
21 مشاهدة
28 ديسمبر, 2025
143 مشاهدة
23 ديسمبر, 2025