أشرف فؤاد عبد الجواد* - لافال
مع انتهاء الانتخابات البلدية في مقاطعة كيبيك وإعلان النتائج، تتضارب المشاعر بين احتفال وابتهاج بفوز المرشح المفضل، وبين حزن وربما إحباط بخسارة حزب أو مرشح ما. هذه المشاعر طبيعية تمامًا.
ما سنقف عنده في هذا المقال هو موقف بعض أفراد الجالية في كيبيك من المرشحين لمنصب عمدة مدينة مونتريال. ورغم أن النتائج أظهرت بالفعل فوز سورايا مارتينيز فيرادا، زعيمة حزب Ensemble Montréal، إلا أنه من المفيد مراجعة استراتيجية تقييم المرشحين واختيار الأنسب منهم.
في الأسابيع الأخيرة، برزت في أوساط الجالية المسلمة والعربية في مونتريال تساؤلات حول أفضل المرشحين وأحقهم بدعم الجالية. وكان من اللافت أن جزءًا كبيرًا من النقاش، والذي ربما اعتُبر المعيار الوحيد للتقييم بين المرشحين، كان الموقف من عريضة تدعو لجعل مونتريال مدينة خالية من التمييز ومناصِرةً للقضية الفلسطينية. فمن وقع العريضة تم تشجيع الجالية على التصويت له، ومن لم يوقع تم التحذير منه.
هذا النهج يغفل عدة عوامل موضوعية وأساسية في تقييم أهلية المسؤولين المنتخبين، مثل طبيعة المنصب، نطاق الصلاحيات، والخلفية العملية للمرشح، وقد وقع فيه بعض أفراد الجالية بشكل استراتيجي خاطئ. فالتركيز على توقيع العريضة أو عدمه كمعيار وحيد جعل من هذا الإجراء مقياسًا أحاديًا لتقييم المرشح، متجاهلين الأداء الفعلي، الخبرة، والانفتاح على الأقليات والجالية المحلية بل والموقف الحقيقي تجاه القضايا التي يدعو البيان للتوقيع عليها. فالامتناع عن التوقيع على إجراء معين لا يعني بالضرورة الوقوف ضد ما يحتويه أو ما يدعو إليه. فقد يكون للامتناع أسباب عديدة ربما في الصياغة أو الصائغ أو التوقيت أو لتوازن المفاسد والمنافع الانتخابية أو لعدم امتلاك الجرأة والشجاعة الكافية أو غيره من الأسباب.
وفي هذا الجانب، من الضروري التأكيد على تقدير المرشحين الشجعان الذين وقعوا على العريضة والإشادة بموقفهم المشرف ونتمنى لهم حظا موفقا فيما هو قادم. التحليل السياسي الواقعي يتطلب تقييم موضوعي لما يمكن للمرشح فعله ضمن حدود منصبه، وليس الاكتفاء بالمواقف والإجراءات الرمزية تجاه بعض القضايا.
في هذا السياق، فإن النظر للمواقف الفعلية لسورايا مارتينيز فيرادا والتي أبدتها خلال هذه الحملة وأيضا خلال عملها كنائبة فيدرالية لا يثبت أبدا أنها ضد ما كانت تدعو إليه العريضة سالفة الذكر. فقد أبدت التزامًا عمليًا بمناهضة الإسلاموفوبيا وحقوق الأقليات. في خطاب أرسلته خلال الحملة الانتخابية البلدية إلى المجلس الوطني لمسلمي كندا، أعربت سورايا مارتينيز فيرادا عن تضامنها العميق مع مسلمي مونتريال في مواجهة الإسلاموفوبيا والخطاب الإقصائي، مشددة على أن هذه الظواهر تهدد النسيج الاجتماعي للمدينة. وتعهدت، بصفتها مرشحة لرئاسة البلدية، بـإشراك المواطنين والمنظمات الإسلامية بشكل كامل في إيجاد الحلول، مؤكدة على أن التعاون والتفاهم المتبادل هما الأساس الذي تبنى عليه مونتريال كمدينة ترحيب وسلام وحرية. وتضمنت التزاماتها الرئيسية تعزيز مكافحة جرائم الكراهية عبر تخصيص موارد إضافية للشرطة والمراكز المجتمعية، إنشاء مساحات تشاور دائمة بين المدينة والمجتمعات الإسلامية لتعزيز التماسك الاجتماعي، والعمل المشترك مع القادة المسلمين لتطوير برامج تعليم وتوعية، بالإضافة إلى حمل صوت مونتريال لضمان بقائها نموذجًا للتنوع والاحترام.
إضافة إلى ذلك، كانت Martínez Ferrada قد أكدت على ضرورة تمثيل الأقليات في مواقع اتخاذ القرار وذلك في إطار عملها كنائبة فيدرالية تحت مظلة الحزب الليبرالي الكندي، معتبرة أن مشاركة جميع المكونات الاجتماعية تساهم في صنع سياسات أكثر عدالة وشمولية. هذه المواقف العملية توضح أن التزامها تجاه الأقليات ووقوفها ضد التمييز ليس شعارات رمزية مرتبطة بالعريضة، بل جزء من رؤيتها الإدارية والسياسية للمدينة.
من الجدير بالذكر أيضًا أن Martínez Ferrada من أبناء قانون 101، مما يعكس تربيتها في بيئة فرضت استخدام اللغة الفرنسية وتعليمها، وهو ما يعطيها خلفية قوية لفهم التحديات التعليمية والثقافية للمجتمع المحلي، بما في ذلك التفاعل مع الجاليات المتعددة في مونتريال. وقد أكدت على ذلك في خطاب فوزها بالأمس مؤكدة على سعيها لجعل مونتريال مدينة مرحبة بالجميع على اختلاف أصولهم ولغاتهم وتوجهاتهم وعبرت عن سعادتها بكونها أول مرشحة من أصول مهاجرة يتم انتخابها لمنصب عمدة أكبر مدينة فرانكفونية في أمريكا الشمالية.
خلفية Martínez Ferrada تمنحها مصداقية إضافية؛ فهي ابنة لاجئين سياسيين فروا من ديكتاتورية بينوشيه في تشيلي، ونشأت في أسرة مناضلة ضد الاستبداد، وهو ما يعكس فهمًا عميقًا للظلم والمعاناة، سواء تجاه المسلمين أو الفلسطينيين أو أي فئة تواجه التمييز.
على مستوى حزبها، فإن العديد من المرشحين في قائمة حزب Ensemble Montréal شملوا أفرادًا من خلفيات متنوعة، بما في ذلك بعض الأقليات وبما يشمل أفرادا من الجالية العربية والمسلمة. هذا يوضح الانفتاح على المجتمعات المختلفة، وهو عنصر عملي أهم من أي تركيز أحادي على قضية واحدة.
يحضرني في هذا السياق تجارب مشابهة مرت بها الجالية. المثال الذي أود التذكير به هو السياسي توماس مولكير وترشحه لزعامة حزب الديمقراطيين الجدد في عام 2012. مولكير واجه شكوكًا مشابهة من الجالية في بدايات ترشحه وتمت الدعوة لمناصرة مرشح آخر حتى لا يفوز توماس مولكير. وحدث أن فاز مولكير وتبين لاحقًا ليس فقط عدم صلابة هذه المخاوف بل وقربه المميز من الجالية والتزامه بقضايا الأقليات ودفاعه المستميت عن حقوقها حتى ولو على حساب شعبيته.
بعد فوز Martínez Ferrada، تقع على الجالية مسؤولية المشاركة النشطة لمراقبة تطبيق السياسات المحلية، والتأكد من حماية حقوق المسلمين والأقليات، ومواجهة أي شكل من أشكال التمييز. المشاركة الحقيقية تشمل التواصل مع مكاتب المسؤولين، حضور المشاورات المجتمعية، وتقديم المقترحات العملية، وهي أدوات أكثر تأثيرًا من مجرد التركيز على إجراء رمزي أو قضية واحدة.
باختصار، الاعتماد على موقف المرشحين من العريضة كمعيار وحيد لتقييمهم وإهمال باقي الجوانب، كان خطأً، غير مقصود بطبيعة الحال، وقع فيه بعض أفراد الجالية. النقد السياسي الواعي يجب أن يكون متعدد الأبعاد ومرتبطًا بالقدرات الفعلية ونطاق المسؤوليات، بعيدًا عن الأحكام أحادية البعد أو الانفعالات الرمزية.
*ناشط مجتمعي، مهتم بقضايا المشاركة والأسرة والتربية
                            
                                        
                                
                        
                        
227 مشاهدة
03 نوفمبر, 2025
65 مشاهدة
02 نوفمبر, 2025
245 مشاهدة
01 نوفمبر, 2025