وليم خربوطلي - مونتريال
في 9 أكتوبر 2025، قدّمت حكومة فرانسوا لوغو مشروع قانون دستوري يحمل عنوان:
“Loi constitutionnelle de 2025 sur le Québec”.
الهدف المعلن هو ضمان حماية الأمة الكيبكية، قيمها، حقوقها الجماعية، لغتها، وتراثها. لكنّ ردود الفعل أظهرت أن الكثيرين يرون أن المشروع يحتوي على العديد من الثغرات منهجياً، قانونياً، وديمقراطياً.
من أبرز الانتقادات أن المشروع وُضِع في الأساس دون مشاورات عامة واسعة أو مشاركة حقيقية من المجتمع المدني، من أحزاب معارضة، ومن شعوب الأمم الأولى.
يُنظر إلى أن عملية الصياغة جرت "في الخفاء" من قبل وزارة العدل أو الوزير المختص، ما يثير الشكوك حول نواياها وأن المشروع قد يستخدم لأغراض سياسية ضيقة.
المشروع قُدِّم قبل وقت قصير من الانتخابات المقبلة في خريف 2026، وحكومة يُقال أنها في نهاية فترة ولايتها الأصلية، ما يثير تساؤلات عن مدى شرعية اتخاذ مثل هذا التغيير الكبير والحساس في هذا التوقيت خاصة في ظل آخر استطلاعات الرأي، لو جرت الانتخابات في 5 تشرين اول 2025 لم يكن ليحصل الحزب الحاكم، التحالف لمستقبل كيبك – كاك، على أكثر من مقعد واحد في الجمعية الوطنية لكيبك. https://qc125.com/
بالتالي فالمعارضة تراه مشروعًا ومناورة لتعبئة الناخبين أو لتثبيت مرجعية سياسية بدل تحقيق تغيير مؤسسي دائم.
الواقع القانوني والدستوري
حدود التأثير ضمن النظام الفيدرالي
- حتى لو تم تبني دستور خاص بكِيبِك، لا يضمن ذلك تغييرًا جوهريًا في علاقات السلطة مع الحكومة الفيدرالية ما لم يحصل اعتراف وتغيير دستوري في الدستور الكندي. وهذا قد يُبقي الكثير من الصلاحيات التي ترغب الحكومة الكيبكية الحصول عليها، ضمن نفوذ الحكومة الفيدرالية.
- بعض المطالب المتعلقة بإلغاء دور الحاكم العام (Lieutenant-Governor) أو تغيير بعض الممثّلات الرسمية تُعدّ تغييرات دستورية مركزية لم تتم من قبل بطريقة أحادية ضمن النظام الكندي، وقد تُواجه عراقيل قانونية قوية.
خطر المسّ بحرية المعارضة والتوازن بين السلطات
- المشروع يقترح حظر استخدام الأموال العامة من طرف منظمات أو مؤسسات عامة لتمويل الطعون ضد قوانين يُعتبر أنها "تحمي الأمة الكيبكية". هذا قد يُقوّض قدرة منظمات المجتمع المدني، الجامعات، أو البلديات على ملاحقة الطعون القانونية، مما يثير مخاوف من تقييد المعارضة القانونية.
- كذلك، بعض المقترحات تتعلق بإلغاء قدرة المحاكم على رفع دستورية بعض القوانين من تلقاء نفسها مما يقلل من دور القضاء كمراقب مستقل.
الواقع السياسي بين الهوية والمجتمع
هل المشروع جامع أم مقسم؟
- مع أن الحكومة تقول إن الهدف هو “جمع” المجتمع الكيبكي حول قيم مشتركة، إلا أن المعارضين يرون أن المشروع قد يُزيد الانقسام، خصوصًا مع الأقليات اللغوية، المجتمعات الدينية، وشعوب الأمم الأولى إذا لم يُشركوا بشكل كافٍ في الصياغة.
- فكرة أن الدولة يجب أن تكون "علمانية" وفرضها ضمن الدستور قد يُفهم منها تقييد لحقوق المعتقد والتعدد الثقافي، إذا لم تُوضّح الضمانات القانونية الدقيقة.
الهوية بمفهومها الدستوري – حدود اللغة والقيم
- تعزيز اللغة الفرنسية والتراث الكيبكي أمر مهم جدا، لكن هناك من يخشى أن المشروع يذهب إلى حد التشريع على القيم الأخلاقية أو الثقافية و تحديد ما هو “القانوني” أو “الشرعي” ضمن الدولة حيث يعطيها دورا أشبه بشرطة الأخلاق مما قد يقلل من حرية التعبير أو الاختلاف الثقافي والتأثير السلبي على السلم العام.
مخاطر التنفيذ والتداعيات العملية
الإرباك القانوني والتداخل بين القوانين
- إذا تم تبني الدستور الكيبكي ضمن النظام الفيدرالي الحالي، قد تنشأ صراعات قانونية مع الدستور الكندي، البرلمان الفيدرالي، أو حتى مع أحكام المحكمة العليا التي تُفسّر الدساتير القائمة. الصراعات قد تكون بشأن صلاحيات، تمويل، سياسات الهجرة، حقوق الإنسان، إلخ.
- يغيب عن ذهن الكثير من الكيبكيين انه، طالما أن كيبك هي محافظة وليست دولة مستقلة، فكلمة دستور بالمعنى القانوني البحت لا يمكن ان تنتج مفاعيلها الكاملة. فبغض النظر عن تسمية هذا المشروع (دستور او شرعة حقوق الخ) فهو يظل مشروع قانون يمكن تعديله في أية لحظة في حال حصل على أغلبية 50 + 1 من أعضاء الجمعية الوطنية حتى ولو تم ذكر انه لا يمكن تعديله من دون أغلبية أكثر ارتفاعا.
المساءلة والتعديل
- يتطلب أي دستور أن تكون آليات التعديل واضحة، وكذلك الأطر التي تحكم من يمكنه تغييره وبأي أغلبية. إذا كانت هذه الآليات غير مهيكلة، فإن الدستور قد يصبح عرضة للتغييرات تتبع المصالح السياسية المؤقتة.
- كذلك، يجب أن تكون هناك هيئة دستورية مستقلة تحافظ على التوازن (القضاء، مؤسسات مستقلة)، أما إذا كانت التعيينات كلها سياسية فقد ينقلب دور الدستور إلى أداة للحكم الحزبي.
خلاصة
مشروع دستور كيبِك هو خطوة طموحة تحمل إمكانيات، خصوصاً فيما يخص تعزيز الهوية اللغوية والثقافية، وتأكيد بعض القيم مثل المساواة بين الجنسين والعلمانية. لكن، إذا بقيت العملية كما هي الآن، بصياغة مركزية، بدون تشاور واسع، وبتوقيت مثير للشكوك السياسي، فإنه قد يتحوّل إلى مشروع رمزي ومناورة سياسية أكثر منه عملي، وقد يُفاقم التوترات بين المجتمع، وربما يؤدي إلى صراعات قانونية داخلية وخارجية.
في النهاية، أعتقد أنه علينا كعرب على اختلاف اثنياتنا أن نكون معنيين أكثر في هكذا مبادرات التي من الممكن أن تؤثر على حيواتنا بطريقة مباشرة وجدية.
* محام، محكم ووسيط في الأمور المدنية، التجارية والعائلية
83 مشاهدة
13 أكتوبر, 2025
123 مشاهدة
12 أكتوبر, 2025
92 مشاهدة
12 أكتوبر, 2025