أشرف فؤاد عبد الجواد - مونتريال
في قراءة نقدية حادة وجريئة، فكّك عالم الاجتماع والمؤرخ الكيبيكي البارز، جيرار بوشار، التوجهات الأخيرة لحكومة فرانسوا لوغو بشأن تشديد قوانين العلمانية. المقال الذي نشره بوشار في صحيفة "لو دوفوار"، لم يكن مجرد تحليل أكاديمي، بل صرخة ضمير من شخصية وطنية مرموقة، حذر فيها من أن سياسات الحكومة الحالية تضحي بالحقوق الأساسية من أجل "البوصلة الانتخابية".
قيود بلا مبرر.. "عقاب بلا جريمة"
استهل بوشار مقاله بالتساؤل عن الجدوى من تشديد القوانين: أين هي الدراسات التي تثبت أن حجاب المربية في الحضانة يضر بالأطفال؟ وأين الإحصائيات التي ترصد عدد النساء بوجوه مغطاة في المؤسسات؟ يرى بوشار أن الحكومة تفرض قيوداً مشددة دون أي دليل علمي، واصفاً الدين الإسلامي في نظر الحكومة وكأنه "بلاء كامن" يجب اتقاؤه، بينما الواقع لا يشهد أي مظاهر عنف أو كراهية تستدعي هذا الاستنفار التشريعي.
فضيحة جامعة لافال: "ازدواجية معايير" صارخة
توقف بوشار عند نقطة اعتبرها دليلا على انحياز الحكومة وتناقض توجهاتها. فبينما يشدد مشروع القانون الجديد الخناق على الجامعات عبر حظر الرموز الدينية ومنع تخصيص غرف للصلاة، نجد استثناءً يثير الذهول: الكنيسة الكاثوليكية الموجودة داخل حرم جامعة لافال ستبقى مفتوحة ولن يمسها القانون!
الحكومة بررت هذا الاستثناء بأن الكنيسة تمثل "بيئة حياتية" (Milieu de vie) تشبه السجون ودور المسنين. وهنا يضع بوشار إصبعه على الجرح متسائلاً بلهجة استنكارية: "لو كان هذا المكان عبارة عن مسجد صغير داخل الحرم الجامعي، هل كان سيحظى بنفس هذا التسامح؟"
التناقض في التمويل: أين المنطق؟
ولم تتوقف الانتقادات عند الجامعات، بل شملت المدارس الخاصة؛ حيث تعتزم الحكومة التشريع لهذه المدارس ولكن مع الاستمرار في تمويلها بمبلغ 160 مليون دولار سنوياً، رغم كونها مؤسسات دينية بالكامل. يتساءل بوشار: كيف نمنع رمزاً دينيًا بسيطًا في مكان ونمول مدرسة دينية كاملة في مكان آخر؟ أين المنطق في هذه "التسوية التاريخية" التي يتغنى بها الوزير دراينفيل؟
خطر "النموذج الفرنسي" والانكفاء
وجه بوشار تحذيراً شديد اللهجة من تكرار التجربة الفرنسية في كيبك. فالتضييق المستمر لم يؤدِ إلى الاندماج في فرنسا، بل خلق شعوراً بالإقصاء دفع الشباب نحو الانكفاء والراديكالية. ويخشى بوشار أن تؤدي سياسات لوغو "قصيرة النظر" إلى تدمير الانفتاح الذي يتمتع به تلاميذ كيبك اليوم تجاه التنوع، وتحويلهم إلى مجتمع منقسم بدلاً من مجتمع متلاحم.
"فوبيا الدين" والبوصلة الانتخابية
بصفته ملحداً يدافع عن الحقوق، أكد بوشار أن القضية ليست دفاعاً عن الدين، بل دفاعاً عن "دولة القانون". واتهم حكومة لوغو باستخدام "فوبيا الدين" والتحريض ضد الحجاب كأداة سياسية لكسب الأصوات في الانتخابات القادمة، محذراً من أن ثمن هذا الربح السياسي السريع سيكون "شرخاً اجتماعيًا" يصعب علاجه.
وختاما
يختم بوشار مقاله بالتذكير بأن "الطريقة التي تدار بها الأمور في كيبك" يجب أن تشمل حماية الحقوق والحريات للجميع. إن صرخة بوشار هي تذكير لنا جميعاً بأن معركة الحقوق ليست معركة الأقليات وحدها، بل هي معركة كل من يؤمن بأن القوانين والتشريعات يجب أن تكون أداة للعيش المشترك، لا أداة للإقصاء والتمييز.
* يمكن قراءة المقال الأصلي باللغة الفرنسية عبر هذا الرابط:
https://www.ledevoir.com/opinion/idees/941391/questions-laicite-legault
في قراءة نقدية حادة وجريئة، فكّك عالم الاجتماع والمؤرخ الكيبيكي البارز، جيرار بوشار، التوجهات الأخيرة لحكومة فرانسوا لوغو بشأن تشديد قوانين العلمانية. المقال الذي نشره بوشار في صحيفة "لو دوفوار"، لم يكن مجرد تحليل أكاديمي، بل صرخة ضمير من شخصية وطنية مرموقة، حذر فيها من أن سياسات الحكومة الحالية تضحي بالحقوق الأساسية من أجل "البوصلة الانتخابية".
قيود بلا مبرر.. "عقاب بلا جريمة"
استهل بوشار مقاله بالتساؤل عن الجدوى من تشديد القوانين: أين هي الدراسات التي تثبت أن حجاب المربية في الحضانة يضر بالأطفال؟ وأين الإحصائيات التي ترصد عدد النساء بوجوه مغطاة في المؤسسات؟ يرى بوشار أن الحكومة تفرض قيوداً مشددة دون أي دليل علمي، واصفاً الدين الإسلامي في نظر الحكومة وكأنه "بلاء كامن" يجب اتقاؤه، بينما الواقع لا يشهد أي مظاهر عنف أو كراهية تستدعي هذا الاستنفار التشريعي.
فضيحة جامعة لافال: "ازدواجية معايير" صارخة
توقف بوشار عند نقطة اعتبرها دليلا على انحياز الحكومة وتناقض توجهاتها. فبينما يشدد مشروع القانون الجديد الخناق على الجامعات عبر حظر الرموز الدينية ومنع تخصيص غرف للصلاة، نجد استثناءً يثير الذهول: الكنيسة الكاثوليكية الموجودة داخل حرم جامعة لافال ستبقى مفتوحة ولن يمسها القانون!
الحكومة بررت هذا الاستثناء بأن الكنيسة تمثل "بيئة حياتية" (Milieu de vie) تشبه السجون ودور المسنين. وهنا يضع بوشار إصبعه على الجرح متسائلاً بلهجة استنكارية: "لو كان هذا المكان عبارة عن مسجد صغير داخل الحرم الجامعي، هل كان سيحظى بنفس هذا التسامح؟"
التناقض في التمويل: أين المنطق؟
ولم تتوقف الانتقادات عند الجامعات، بل شملت المدارس الخاصة؛ حيث تعتزم الحكومة التشريع لهذه المدارس ولكن مع الاستمرار في تمويلها بمبلغ 160 مليون دولار سنوياً، رغم كونها مؤسسات دينية بالكامل. يتساءل بوشار: كيف نمنع رمزاً دينيًا بسيطًا في مكان ونمول مدرسة دينية كاملة في مكان آخر؟ أين المنطق في هذه "التسوية التاريخية" التي يتغنى بها الوزير دراينفيل؟
خطر "النموذج الفرنسي" والانكفاء
وجه بوشار تحذيراً شديد اللهجة من تكرار التجربة الفرنسية في كيبك. فالتضييق المستمر لم يؤدِ إلى الاندماج في فرنسا، بل خلق شعوراً بالإقصاء دفع الشباب نحو الانكفاء والراديكالية. ويخشى بوشار أن تؤدي سياسات لوغو "قصيرة النظر" إلى تدمير الانفتاح الذي يتمتع به تلاميذ كيبك اليوم تجاه التنوع، وتحويلهم إلى مجتمع منقسم بدلاً من مجتمع متلاحم.
"فوبيا الدين" والبوصلة الانتخابية
بصفته ملحداً يدافع عن الحقوق، أكد بوشار أن القضية ليست دفاعاً عن الدين، بل دفاعاً عن "دولة القانون". واتهم حكومة لوغو باستخدام "فوبيا الدين" والتحريض ضد الحجاب كأداة سياسية لكسب الأصوات في الانتخابات القادمة، محذراً من أن ثمن هذا الربح السياسي السريع سيكون "شرخاً اجتماعيًا" يصعب علاجه.
وختاما
يختم بوشار مقاله بالتذكير بأن "الطريقة التي تدار بها الأمور في كيبك" يجب أن تشمل حماية الحقوق والحريات للجميع. إن صرخة بوشار هي تذكير لنا جميعاً بأن معركة الحقوق ليست معركة الأقليات وحدها، بل هي معركة كل من يؤمن بأن القوانين والتشريعات يجب أن تكون أداة للعيش المشترك، لا أداة للإقصاء والتمييز.
* يمكن قراءة المقال الأصلي باللغة الفرنسية عبر هذا الرابط:
https://www.ledevoir.com/opinion/idees/941391/questions-laicite-legault
35 مشاهدة
17 ديسمبر, 2025
164 مشاهدة
28 نوفمبر, 2025
184 مشاهدة
02 نوفمبر, 2025