أقيمت في صالة نهاد حديد عند السادسة من عصر يوم الاحد في الخامس عشر من شهر حزيران الجاري ندوة ثقافية متميّزة مع الدكتور محمد إقبال حرب بحضور حشد من اهل الادب والثقافة قدّم لها الدكتور وليد حديد، مستعرضا سيرة الدكتور حرب الغنية، وعارضا لأبرز إنجازاته الأدبية والفكرية التي تركت بصمتها في الساحة الثقافية.
تقديم من الدكتور وليد حديد
في تقديمه للدكتور محمد إقبال حرب قال حديد" في زمنٍ يُحاصَر فيه المشرق العربي بالنار والدخان، وتذوب فيه حدود العقل والأمل، حين يتحول الإنسان إلى رقم، والوطن إلى ساحة مستباحة، ينبثق الدور الحقيقي للمثقف؛ لا كمحاضر من برجٍ عاجي، بل كشاهدٍ حي، يكتب بالحبر والوجع معًا.
إنه الدكتور محمد إقبال حرب – قاصّ وروائي وشاعر وفيلسوف وعالم اجتماع – لا تتفرق هذه الأبعاد في شخصه، بل تتداخل وتأتلف لتصنع مشروعًا إنسانيًا وفكريًا وأدبيًا فريدًا.
فهو حين يكتب، لا يبحث عن مجدٍ شخصي أو استعراضٍ لغوي، بل يضع قلمه في خدمة الحقيقة، والحقيقة عنده ليست مجرّد مفهومٍ نظري، بل تجربة تُعاش، ووجع يُكتب، وأسئلة تُطرح بجرأة في وجه السلطة، والظلم، والنفاق، والمسكوت عنه.
الجوائز الأدبية والتكريمية: حين يشهد التكريم على عمق المسار
لم تكن مسيرة الدكتور محمد إقبال حرب مجرّد رحلةٍ في دروب الفكر والحبر، بل حصدت اعترافًا وتقديرًا من مؤسساتٍ أدبية وثقافية مرموقة، لتؤكّد أن الكلمة الصادقة، حين تُكتب بضمير حي، تصل ولو بعد حين.
من أبرز الجوائز التي نالها:
جائزة أوسكار العرب للرواية – المرتبة الأولى (آذار/مارس 2025)
عن رواية فتحت جراح الواقع، وأعادت تعريف البطولة من منظور الهامش.
جائزة اتحاد الكتّاب اللبنانيين لأفضل مجموعة قصصية – المرتبة الأولى (شباط/فبراير 2025)
عن قصصٍ لا تروي حكايات، بل تكشف البنية الخفية للوجع العربي.
جائزة الإبداع الأدبي – مؤسسة ناجي نعمان – لبنان (2017)
عن مشروعٍ أدبي يتجاوز الشكل ليغوص في عمق الهوية والانتماء.
جائزة كبار المهنيين الصحيين في العالم – إنجلترا (2006)
تقديرًا لجهوده العلمية والإنسانية في حقل الرعاية الصحية والاجتماعية.
هذا التقدير ليس نهاية الطريق، بل شهادة على مسارٍ لا ينفك يتجدّد. فالدكتور محمد إقبال حرب لا يكتب بحثًا عن جائزة، بل عن جدارة الكلمة بأن تُقال... مهما كان الثمن.
دعونا نقرأ ملامح هذه الشخصية المركّبة في كتبه:
1. في رواية "موت شاعرة":
يتقدّم عالم الاجتماع والناقد الأخلاقي، ليحاكم القيم الزائفة باسم الشرف، ويدافع عن حرية التعبير، عبر شخصية شاعرة تُقتل بالصمت لا بالرصاص.
"ليس الألم أن تموت، بل أن تُمنع من الحياة وأنت تكتبها."
2. في ديوانه "عاشق النسيان":
يظهر الشاعر والفيلسوف؛ شاعرٌ يسائل الماضي، وفيلسوفٌ يحوّل الحنين إلى موقفٍ وجودي.
"أعشقها حين تغيب، كأنّ النسيان قصيدة لا تكتمل إلا بشيءٍ من الغياب."
3. في "هنا ترقد الغاوية":
يظهر الروائي والمفكر الاجتماعي، يكتب نصًا يصرخ من أعماق الحناجر المكبوتة.
"الغاوية ترقد، ولكن الذي أضلّها ما زال يرفع رايات الفضيلة على جثتها."
4. في "ولادة شاعر – The Birth of a Poet":
نقف أمام الفيلسوف والشاعر والمفكر، الذي يرى الولادة في اشتعال الوعي.
"وُلدت حين متّ عن يقيني."
5. في مجموعة "يعيش النظام":
يتجلّى الساخر السياسي ومفكّك السلطة، يكتب قصصًا قصيرة لاذعة.
"يعيش النظام... لكن فينا من مات منذ زمن ولم يُدفن بعد."
6. في "المغترب والوطن":
يطلّ المثقف العضوي والمغترب الواعي، في تأمّلٍ عميق للهوية والاغتراب.
"الوطن لا يُختصر في الجغرافيا... إنه يسكن في الحرف، في الذكرى، في القلق."
خاتمة: قلم لا يكتب... بل ينزف
هكذا، نرى في كل كتابٍ ملامح وجهٍ آخر من وجوه الدكتور محمد إقبال حرب:
هو الشاعر حين تتفجّر اللغة عاطفةً ودهوشة،
والروائي حين يسرد وجع المجتمع بحنكة وحبكة،
والقاص حين يقول الكثير بأقل عدد من الكلمات،
فيلسوف حين يسأل ولا يكتفي بالإجابات،
والناقد الاجتماعي حين يصرخ في وجه النفاق بصوت الوعي.
هذه ليست مؤلّفاتٍ عابرة، بل محطّات فكرية على درب التكوين العربي الجديد.
فمرحبًا بكم في حضرة الكلمة... وفي ضيافة القلم الذي لا يخاف أن ينزف حين يكتب".
جاءت الندوة لتسلّط الضوء على مسيرة كاتب مبدع ومفكر ملتزم، جمع بين الإبداع الأدبي والعمق الإنساني.
د. محمد إقبال حرب : عندما نهاجر، هل ترون أننا نحمل الوطن في قلوبنا؟
في بداية حديثه قال الدكتور حرب " بما أن أسلوب الكتابة هو شارة الكاتب المميزة لأعماله، أخبركم عنه بشفافية. أسلوبي في الكتابة متأصل في التجربة الداخلية العميقة، خصوصا لحظة الهيبناكوجيا، تلك اللحظة السحرية بين الوعي واللاوعي، مما يمنح كتاباتي عمقا نفسيا وفلسفيا، يحاكي زبدة الحياة. أراني لا أكتب لأقول، بل لأكتشف. أعمل على عدم تلقي أفكاري من الخارج، بقدر ما أستخرجها من الداخل. فأنا ولعُ بالأحلام والتحكم بها في أضغاثها وصفائها، أبتعد وأعود كالبندون الأزلي، لإتمام فصول رواية لم تغلق بعد. كما أعمل على استنباط المعنى الإنساني، لا الزخرفة الحديثة. فالحدث ليس نهاية، بل وسيلة للبحث وكشف الأغوار. تتوجه الكتابة الانفعالية السريعة إلى أصحاب العيون فقط، أما من يمتلك حدساً عميقاً وأبعاداً وبصيرة، تنتظر من يفجرها أو من يغذيها، يستحق ما يثير اهتمامه. كتاباتي غرف من بحر في مواضيعها، لكنها نحت في صخر، على وجه صحائف، أصدرها رواية أو مقالة أو قصة أو ومضة. إنها نتاج تأمل طويل، وإصغاء عميق لما يدور في ذاتي. وهذا ما يتسق مع اهتماماتي الإنسانية، في دهشة وجودية، تصف علاقتي بالحاضر والمستقبل، وأصناف الحياة، دونتها في إصدارات ومجالات عديدة. صدر لي خمس روايات: الحقيقة ، هنا ترقد الغاوية، الملعون المقدس، العرافة ذات المنقار الأسود، ووخز الماضي. وأربع مجموعات قصصية: موت شاعرة، يعيش النظام، العميان الجدد، والزنديق، أيضا، صدر لي كتاب ومضات أو نفحات فكرية، عنوانه برقعد، وكتاب الفكر عورة، وهو عبارة عن مقالات جريئة، أثارت جدلا كبيرة وديوان شعر بعنوان، عاشق النسيان، ترجمت منه مختارات إلى اللغتين الإيطالية والإنجليزية" .
وختم كلمته بالقول " خطرت ببالي ثلاثة أسئلة، وددت البوح بها، خاصة وأنا بين حضور رائد فكراً وثقافة. السؤال الأول، هل نكتب لنرضي رغبة القارئ بما يريده من مادة، أم نكتب ما نعتقد أنه بحاجة إليه من فكر؟ طبعاً، كلا الجوابين له إيجابياته وسلبياته. ثانياً، هل ترجمة الكتب إلى لغة أجنبية تعني العالمية ـ كما يشاع ـ، أم مجرد محاولة لطرح فكرنا على شريحة أوسع من القرّاء؟ علماً أن العالمية تعني التأثير في الفكر العالمي. ثالثاً، كمفكرون وكتاب، عندما نهاجر، هل ترون أننا نحمل الوطن في قلوبنا، أم ننتقل بأجسادنا فقط، فيما أرواحنا هناك؟ ما يعزز انفصامنا غير المرئي.
حضر الندوة نخبة من المثقفين وقياديي الحركة الثقافية في مونتريال، ممّا أضفى على اللقاء طابعًا فكريًا راقيًا.
وقد تلت المحاضرة جلسة نقاش عميقة وموسّعة، تناولت قضايا معقّدة يواجهها المواطن العربي والمغترب، من أسئلة الهوية، إلى تحديات الانتماء والاندماج، مرورًا بدور الثقافة في مواجهة الاغتراب وتعزيز الحضور العربي في المهجر.
*الصورة من الزميل عصام حداد
68 مشاهدة
16 يونيو, 2025
195 مشاهدة
16 يونيو, 2025
160 مشاهدة
15 يونيو, 2025