Sadaonline

   طريقة للتَّكَيُّف مع القتل - الجزء الثالث



 د. علي ضاهر

 في مقالين سابقين تمّ الكلام عن الروابط التي يعمل الغرب على نسجها باستمرار مع إسرائيل حتى يبرر لنفسه ولشعوبه التعاطف معها والدفاع عنها. في هذه المقالة سيتمحور الكلام حول المظلومية والمحرقة والديمقراطية والحضارة وحب الحياة وهي أمور عمل الغرب على ربط إسرائيل بها وشدّها إليه حتى يقرّبها منه ومن شعوبه.

 1- قضت إسرائيل ومعها الغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عشرات السنين في النفخ في بوق المظلومية بهدف تأجيج شعور التعاطف مع اليهود ودولة إسرائيل التي ادّعى انه أقامها بهدف تخليص اليهود من العذابات والآلام التي لاحقتهم منذ السبي البابلي إلى المحرقة او الهولوكوست (الغرب يركز على الهولوكوست لاستدرار عطف شعوبه على اسرائيل بالرغم من ان المحرقة من عمل يديه!). لكن وللتخلص من ذنبه ألصقها بشخص هتلر، ومنع، لا بل حرّم، كل من تسوّل له نفسه التشكيك بها، ثم عمل على إدخال المحرقة كجزء من أنظمة التعليم في دوله حتى يضمن أجيالاً مؤيدة لإسرائيل ومتعاطفة معها ومع قضاياها، كما يقول الكاتب نورمان فنكلشتاين في كتابه "كيف صنع اليهود الهولوكوست". فبرأيه ان التركيز على الهولوكوست يهدف الى رفض الانتقادات الموجّهة ضدّ اليهود والإستمرارية في وصفهم بالضحية وذلك للحصول على الأرباح والفوائد والتي من أبرزها تبرير سياسة إسرائيل والحصول على التعاطف والدعم وابتزاز المال.

 هذا وقد تمّ العمل، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، على توظيف الهولوكوست جنبا الى جنب مع تهمة معاداة السامية من أجل أغراض خاصة تهدف لحشد تأييد الغرب ولإشعاره بذنبه ولدفعه للتكفيرعنه. فخطر الإبادة يعفي المرء من أي اعتبار أخلاقي يمكن أن يقيّد جهوده مهما كان نوعها حتى ولو وصلت الى إبادة شعب بكامله. فإسرائيل منذ بداياتها تعمل على مساواة الفلسطينيين بالنازيين والصراخ بأن المقاومة تعدّ لمحرقة جديدة بحقها. يمكن في هذا المجال، ملاحظة كيف كانت إسرائيل تركز على هول المحرقة لإبعاد الأوروبيين عن التعاطف مع الموتى من الجانب العربي وذلك بإصرارها على أن العرب هم النازيون الجدد وياسر عرفات هو هتلر الجديد، وهذا ما ركّز عليه مناحيم بيغن قبل حرب 1982 واجتياح لبنان. وهو ما يركز عليه نتنياهو وباقي قادة إسرائيل حاليا.

 2- قدّم الغرب إسرائيل للعالم على أنها واحة الديمقراطية ومرتع التقدم والعلم في منطقة تعجّ بالبرابرة المتخلّفين، وقضى عشرات السنين وهو يسوّق لها كحاملة لمشعل التمدن الحضاري وكمعقل للحريّة والكرامة والقانون والحقوق، وعمل على ربطها بالديمقراطية. كما وقام في نفس الوقت بإبعاد العرب والمسلمين عن الديمقراطية وساهم بتنصيب المتسلطين على الشعوب العربية ودعم حكمهم. وهكذا بدت إسرائيل الواحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الموجودة بين شعوب تهوى التسلط والقتل والإستعباد. وعمل الغرب أيضا على القول ان الاسرائيليين "بيشبهونا" (وهذه عبارة محبوبة من بعض القوى اللبنانية)، وان اليهود غربيون، يحبون الحرية والحياة ويلبسون ملابس مشابهة لملابسهم، بينما الآخرون هم من محبي الظلامية والموت، فيسفّه مفهوم الشهادة ويقول انهم "ما بيشبهونا"، مركزا على ملابس النساء القصيرة ولباس البحر بينما يظهر صورا لنساء بالبرقع ويقول لشعوبه انظروا الى نساء الشرق غير اليهوديات. وبهذه الطريقة يكون الغرب قد عمل على إبعاد شعوبه عن منطقة يتّهمها بالمتأخرة، تحب الديكتاتورية، رجالها يحبون الموت ونساؤها تابعات، خانعات. هو يقوم بكل هذا العمل سعيا لتعزيز روابطه باسرائيل ورفع درجات التعاطف معها سيما وإنها موجودة، كما يروج، في شرق اوسط تعيس، لا يشبهه، يهوى الموت، لا يحب الحياة ولا يستحقها او ممكن التعاطف معه.

لي صديق من الأكاديين المتضامنيين بشدة مع القضية الفلسطينية (الاكاديون فرنسيون من سكان منطقة أكاديا على الساحل الشرقي الكندي والتي أصبحت حاليا تسمى نوفا سكوشيا ونيوبرونزويك والتي تخلت عنها فرنسا سنة 1713م للبريطانيين الذين قاموا في عام 1754م بترحيل ألأهالي الأكاديين وإحراق منازلهم ومصادرة أراضيهم. والاكاديون يتضامنون مع الفلسطينيين بقوة كونهم قد تعرضوا لنفس المعاملة الإستعمارية التهجيرية). صديقي الشاعر أخبرني كيف ان إسرائيل قدّمت له زيارة مدفوعة الى إسرائيل، لكنه رفضها لعلمه ان الهدف منها التأثيرعلى مواقفه المتضامنة مع القضية الفلسطينية. فإسرائيل ومنذ تأسيسها تقوم بالتركيز على إغواء كل ناشط. هي "تنيشن" على أشخاص مؤثرين وتحاول إغراءهم بتقديم رحلات مدفوعة الى كيبوتساتها ليتعرفوا على "إنجازاتها" وسكانها ونشاطهم وتقدمهم وحبهم للحياة وطريقة معيشتهم المماثلة للغربيين، ثم بعد ذلك تعرّج بهم على مناطق الفلسطينيين، والتي عملت وما زالت تعمل على حرمان سكانها من كل سبل الحياة الكريمة. طبعا هي لا تقول انها تحرم الفلسطيني من كل شيئ حتى من مياه الأمطار والتي تعتبرها حسب قوانينها ملكا لها، بل تدّعي ان تخلّف الفلسطينين سببه تفكيرهم وثقافتهم.

 3- الغرب شطب كل مساهمة قدّمها العرب والمسلمون للحضارة العالمية في حين كان من الواجب إدخالهم كعنصر فعّال فيها، نظرا لما قدموه من مساهمة جليلة. لا بل، وزيادة في التّجني، أطلق الغرب على القرون الوسطى، وهي الفترة الذهبية للعلوم والثقافة العربية الإسلامية، ب"عصر الظلمات" و"تاريخ العالم المظلم"، وحصر الحضارة على ما قدّمه "الكتاب المقدس –بشقيه القديم والجديد – واليونان"، كما والغرب، عندما يتحدث عن الأخلاق، فهو يعني الأخلاق اليهودية المسيحية، وعندما يتكلم عن الثقافة فهو يعني الثقافة اليهودية المسيحية، وعندما يذكر القيم فهو يحصرها بالقيم اليهودية المسيحية، مما يعني انه يقصي مساهمات باقي الشعوب ولا سيما مساهمة العرب والمسلمين ويبعدهم عن الحضارة والأخلاق والقيم والثقافة. وعندما يتكلم عن تاريخ العلوم والثقافة فهو يقفز من اليونان إلى عصر النهضة دون المرور بالعصر الذهبي العربي الإسلامي، حين كان هو نائما في الظلمات.

 إن شطب مساهمة الحضارة العربية والإسلامية في النهضة والحضارة العالميتين يظهر بوضوح في كتب التاريخ وفي المقررات التي تدرس في المدارس والمؤسسات التعليمية التي لا تقدم سوى الحدّ الأدنى من المعلومات عن الإسلام والمسلمين والحضارة العربية الإسلامية. (أذكر يوم كنت اقدم محاضرات في إحدى جامعات كيبيك. فقد استغربت كيف كان يتمّ تقديم دورة مقرر واحد فقط عن الإسلام كل عامين. بينما تقدّم في كل دورة عدّة مقررات عن الديانات الأخرى ولا سيما عن الديانة اليهودية).

 4- إن خطاب ساسة إسرائيل يمثل زبدة مواقف الغرب من العرب والمسلمين ومن الفلسطينيين خصوصا. فهم حين يقدمون الفلسطينين على أنهم "حيوانات بشرية"، ينزعون بذلك عنهم كل علاقة لهم بالبشر ويجردونهم من الإنسانية والأخلاق والقيم ويحللون سفك دمائهم. وهذه طريقة يتبعها كل مُستعمِر في سعيه لمنع كل أنواع التعاطف مع المُستعمَر وللقضاء عليه لاحقا. بالإضافة الى نزع كل ما هو بشري عن الفلسطنيين، يقوم الغرب ومعه طفلته المدللة إسرائيل، باستخدام التكفير كأداة في استراتيجيتهم لشدّ عصب الشعوب وإبعادها عن قضية فلسطين المحقة. لذلك يتمّ تصوير المقاومة الفلسطينية على إنها منظّمة لا إنسانية، تكفيرية، إرهابية ترتكب أبشع أنواع الجرائم!

الكلمات الدالة