Sadaonline

لما بتشتي بباريس بيحملوا الشماسي بكيبيك (1)

هل هذا المطر فعلاً من غيوم كيبيك؟ أم أننا نفتح الشماسي خوفًا من بللٍ لا وجود له؟

د. علي ضاهر ـ مونتريال

 

في عالم السياسة، لا تنفك العجائب تتوالى: رئيس أمريكي يريد إعادة رسم خرائط الكوكب موزعا الأراضي يمينا وشمالا، رئيسة وزراء نيوزيلندية تستقيل لأنها ولم تعد قادرة على العطاء، وزير ياباني يعتذر علنا لأنه تأخر ثلاث دقائق. كلها ظواهر تبدو كتمرين بسيط امام العرض الكبير الذي يجري في كيبيك، حيث تتجلى ظاهرة سياسية نادرة يمكن إطلاق عليها اسم "تساقط المطر التشريعي الفرنسي"! والتي تتلخص بما يلي: ما أن تبدأ السماء بتنقيط بنود القوانين في باريس حتى تسارع نخب كيبيك لفتح المظلات، لا لتفادي البلل، بل لالتقاط ما يتساقط هناك من بنود قوانين وإجراءات! وما ان تشعر باريس بلفحة تشريعية فتعطس القوانين حتى تصاب كبيك بقشعريرة فتسارع لارتداء معطفها الحقوقي، حتى لو كانت الشمس مشرقة!" مما يعني أن ساسة ونخب كيبيك يُفصلون هويتهم على المقاس الفرنسي، حتى لو جاءت ضيقة على مجتمع متعدد الثقافات. فبدل تفصيل ثوبها الخاص المحاك من انسجتها المجتمعية تفضل كيبيك استيراده جاهزا من باريس!

 

في فرنسا، يبدو أن العلمانية التي يتغنون بها، انقلبت إلى أداة للتغطية على فشل السياسات وكعصا للنيل من المسلمين ومن "تزايد أعدادهم"، أو حتى "قطع نسلهم" إن أمكن! فقد وجدت معظم الأحزاب في المسلمين حلا لمشاكلها ومشاكل المجتمع الفرنسي: ان كبا الاقتصاد؟ المسلمون. ان تراجع التعليم؟ المسلمون. ان تزايد العنف؟ المتهم جاهز: المسلمون الذين تحولوا إلى كبش فداء يُحمّل مسؤولية كل شيء من أزمة الهوية إلى أزمة المرور.

 

 فمعظم النخب الفرنسية، ولا سيما اليمينية أصبحت من أنصار نظرية "الاستبدال العظيم = le grand remplacement" التي تزعم بوجود تسلل زاحف الى فرنسا وأوروبا، يقوم به مهاجرون مسلمون عازمون على تدمير هوية البلاد الثقافية واستبدال سكانها المسيحيين البيض بغير الأوروبيين الملونين. تسلل عماده توليفة من المسلمين القادمين من دول الجنوب، دخلوا في غفوة من الرجل الأوروبي الأبيض وحطوا رحالهم هناك من خلال هجرات متوالية، ثم ما لبثوا ان شرعوا في التزايد بأعداد كبيرة وذلك تطبيقا للحديث "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلودَ، فإني مُكَاثِرٌ بكم الأنبياءَ يومَ القيامةِ".

 

في الماضي، عندما كان ميشيل ويلبيك الفرنسي اليميني وانصاره يروجون لنظرية الاحلال الكبير، التي اخترعها الكاتب الفرنسي رينيه كامو، كان الفرنسيون يسخرون منهم، اما اليوم فقد أصبحت النظرية مقبولة من اعداد كبيرة من الفرنسيين، لدرجة ان تقارير حكومية فرنسية قد صدرت مؤخرا مدعية ان جماعة الإخوان المسلمين تتسلل الى البلاد لزعزعة المجتمع ومنبهة الى ان المنظمة المعروفة باسم "اتحاد مسلمي فرنسا" تتغلغل في بنية الجمهورية لتغييرها من الداخل"، حسب ما ذكرت صحيفة "الفيغارو". ثم جاء وصف وزير الداخلية برونو ريتيلو للوضع ليصب الزيت على النار بقوله: "ان فرنسا تواجه "إسلاموية خفية تحاول التسلل إلى المؤسسات، هدفها النهائي إخضاع المجتمع بأكمله لأحكام الشريعة".

 

 امام هذه الأوضاع تحرك الفرنسيون لإقامة ورشات عمل وشرع بعضهم التفتيش عن أي حبة تجاوز يقوم بها مسلم فرنسي ليعملوا منها قبة! فتسارعت وتيرة البحث عن قوانين جديدة لفرضها وازدادت حمية التنقيب عن إجراءات حديثة لاتخاذها بحق المسلمين. لذا فمن الطبيعي ان نشهد حملة مماثلة في كيبيك، لكن مع فارق، ان كيبيك ليست بحاجة لتفكير مستقل، فالوصفات ستصل جاهزة من باريس، وما على ساستها ونخبها الا تطبيقها مع إدخال عليها بعض التعديلات الخفيفة وعلى جرعات وذلك لذر الرماد في العيون. كيف لا وكيبيك تعيش حالة من "الحنين المزمن" لأمها الفرنسية، حتى باتت تفتح الشماسي قبل أن يبدأ المطر هناك، فقط احتياطًا...

 

يكفي في هذا المجال مراجعة التصريحات، والنظر الى القوانين التي سُنّت مؤخرًا أو تلك التي تُطبخ، لندرك أن كيبيك لم تعد تصنع قراراتها، بل تستوردها من باريس، مغلفة بخطاب العلمانية والهوية المهددة، والمطعمة بخوف مصطنع من الآخر. وكأنهم يقولون: "إذا خافت فرنسا من الحجاب، فلنرتعب نحن ايضا!". هذا ضرب للهوية الكندية. فهم يسعون لانتزاع كيبيك من فضاء التعددية الواسع ووضعها في زاروب من زواريب مونتريال الضيقة حيث تنعكس فيه أحوال فرنسا القلقة ومشاكلها وهواجسها، دون أن يسألوا أنفسهم: هل هذا المطر فعلاً من غيوم كيبيك؟ أم أننا نفتح الشماسي خوفًا من بللٍ لا وجود له؟