دارين حوماني ـ مونتريال
في الساعة 7:45 من مساء التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير 2017 أطلق الشاب ألكسندر بيسونات، الذي يتبنّى أفكار اليمين المتطرّف والمعادية للمهاجرين المسلمين، 48 رصاصة على مصلّين في "المسجد الكبير" (المركز الثقافي الإسلامي) في مدينة كيبيك، ما أسفر عن استشهاد 6 أشخاص وجُرح 17 شخصًا، والشهداء هم: أبو بكر الثابتي، خالد بلقاسمي، عبد الكريم حسان، عز الدين سفيان، مامادو باري، وإبراهيما باري. وكان من المصابين الأكثر تأثرًا الجريح أيمن الدربالي، الذي أُطلق عليه "الشهيد الحي"، بعد أن أصيب بسبع رصاصات حين اندفع نحو منفّذ الهجوم لمنعه من مواصلة إطلاق النار، فاخترقت رصاصة النخاع الشوكي، إضافة إلى رصاصة في ذراعه الأيمن.
مجزرة إرهابية تفاعلت معها وسائل الإعلام الكندية، ودانتها الحكومة الكندية وعدد من الدول الأوروبية، وخلقت فجوات عميقة ومخيفة في المجتمع الكندي، وقد حُكم على بيسونات بالسجن المؤبد مع إمكانية إطلاق السراح المشروط بعد 25 سنة سجن (العام 2042). لكن ذلك لم يمنع من أن يتكرّر هذا الفعل الذي يشير إلى رهاب الإسلاموفوبيا المتزايد في الارتفاع في كندا وفي معظم المجتمعات الأوروبية والأميركية، ففي 30-12-2022 دخل أحد الأشخاص إلى مسجد في مونتريال وقال إن النبي محمد رجل حرب وقاتل وأنّ المسيح سيأتي في نهاية العالم ويقتل المسلمين. كما قام مجهول في 1-7-2023 باستهداف المجمّع الإسلامي في مونتريال وحاول كسر زجاج المدخل الرئيسي للمجمّع. وفي 20-9 -2024 دخل رجل يحمل سكينًا إلى المركز الثقافي الإسلامي في شاتوغواي وجرح ثلاثة مصلين..
في الذكرى الثامنة لمأساة المسجد الكبير، تم تنظيم إحياء لهذه الذكرى على مدى ثلاثة أيام في 25 و 26 وتتواصل في 29 من الشهر الجاري في مقر المسجد في كيبيك.
وقد حاورت صدى أونلاين "الشهيد الحي" أيمن الدربالي الذي لا يزال يعاني من جراحاته، وهو الذي كان الأطباء قد توقعوا لزوجته أثناء وجوده في الغيبوبة أنه يجب عليها فصله عن أجهزة دعم الحياة لأنه من المحتمل أن يفقد ذاكرته - ولن يتمكن من التعرّف على أحبائه - وقد يُصاب أيضًا بالشلل من الرقبة إلى أسفل. لكن عندما استعاد وعيه، تذكّر كل شيء وتمكّن من تحريك ذراعيه.
جاء الدربالي، وهو من مواليد تونس، إلى كيبيك في عام 2001 للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال في جامعة لافال بكيبيك. وعمل كمستشار في مجال تكنولوجيا المعلومات مع منظمة أوكسفام- كيبيك في بوليفيا لبضع سنوات قبل أن يعود إلى مدينة كيبيك. وفي عام 2010، أسّس جمعية خيرية تقدّم المساعدات الإنسانية في المقام الأول في فلسطين، بما في ذلك دعم الأيتام الفلسطينيين في قطاع غزة.
في العام 2023 منحت الحاكم العام في كندا ماري سايمون ميداليات الشجاعة للدربالي وأربعة آخرين في هذا الهجوم المسلّح، لمحاولتهم إيقاف بيسونات عن الاستمرار في إطلاق الرصاص، وهذا الوسام مخصّص للكنديين الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذ كنديين آخرين.
هنا الحوار معه:
نعود إلى ذلك اليوم، كيف حدث ذلك بالضبط؟
مساء الأحد 29-1-2027 كنت في البيت في وقت العشاء كانت السابعة والنصف مساء. كنت مترددًا في الذهاب إلى المسجد بسبب تأخر الوقت، وقلت لن أتمكن من الصلاة مع المصلين، ولكني قررت أن أذهب. لما وصلت للمسجد، كانت الثامنة إلا 20 دقيقة، وكان الجميع قد أكملوا صلاتهم وبدأوا بالخروج، دخلت وبدأت أصلي وحدي في آخر المسجد، كان لا يزال بعض الأشخاص في المسجد وسمعنا إطلاق النار، كان رجع الصدى قويًا في المسجد، ما إن خرج هؤلاء الشباب لاستطلاع الأمر ومعرفة مصدر الصوت، حتى وجدوا شهيدين على الأرض، ثم رأيت الجميع مذهولين ويعودون لما رأوا أن الأمر فيه إطلاق نار على المصلين أنفسهم. كانوا حوالي 32 شخصًا وكانوا يحاولون الاحتماء بمحراب المسجد، وهو أقل من متر، مروا أمامي مسرعين، ثم دخل القاتل وبدأ بإطلاق النار، في تلك اللحظة كنت خلف العامود، وكنت بعيدًا عنه، ولكني قررت أن أتقدم نحوه وأمسكه، ولما تقدمت أطلق عليّ رصاصة في قدمي أولًا، ثم في بطني، ثم في العمود الفقري التي تسبّبت بالشلل ابتداء من أول فقرة في الظهر. بدأ يركّز عليّ لأني حاولت أن أوقفه، وأمنعه من الاستمرار بإطلاق الرصاص. هذا كله ظهر في تسجيلات كاميرا المسجد.
كنا مصابين بحالة ذهول، منهم من صار يصرخ، ومنهم من يكبّر، وكان هناك دخان بسبب عدد الرصاص الكبير الذي أطلقه، وكان هناك مصابون على الأرض إضافة إلى الذين استشهدوا.
كنت متأكدًا من موتي وبدأت بترداد الشهادتين.. سمعت أحدهم يتصل بالإسعاف، ولكني سمعت أحدهم يقول عني أنني لن أبقى حيًا حتى تصل الإسعاف. آخر شيء شعرت به قبل أن أفقد وعيي وأغمض عينيّ حين وصلت الشرطة.
إذن، كان هناك إطلاق نار كثيف، وتعمّد بيسونات قتل أكبر قدر من المصلّين..
جاء ومعه سلاحان، وقد رأينا ذلك عبر الكاميرا خلال التحقيق. كان معه AK -47 هو سلاح أميركي مشابه للكلاشينكوف، سلاح حرب فتاك، وكان فيه مخزنان للرصاص فيهما 60 رصاصة. من ألطاف الله أنه عندما وصل إلى المسجد أخرج هذا السلاح من معطفه، ولكنه حين أراد إطلاق النار على المصلين، لم تخرج الرصاصات، وكان أولاد العم باري ينظران إليه بدهشة عند خروجهما أمام باب المسجد، فحرّك وجهه بطريقة أنه يمزح معهما، ورمى السلاح على الأرض. ثم أخذ سلاح اليد، كان معه 50 رصاصة، 5 مخازن رصاص وكل مخزن فيه 10 رصاصات، وبدأ بإطلاق النار. لو أنه استعمل السلاحين كان سيُطلق 110 رصاصات. أطلق 48 رصاصة، وترك رصاصتين كي يستخدمهما خلال هربه، فإذا تعرّض أحد له سيطلق النار عليه.
عرفنا أنه ذهب باتجاه ما وفي الطريق اتصل بـ 911 وقال لهم بأنه هو الذي أطلق النار في المسجد، وبقي على الخط ساعة يشرح لهم ماذا فعل.
هل أظهرت التحقيقات أنه بتبليغه عن نفسه يشير إلى أنه مريض نفسيًا، أو أنه ندم على فعلته؟
كانت هناك محاولات لإظهار أن لديه خلل عقلي لتخفيف الحكم. كانت هناك ممرضة تعمل في السجن، هي تتابع السجناء من الناحية الصحية، وكانت تتابعه. وقد قدّمت شهادتها للمدّعي العام، وصرّحت بعد سنة من الهجوم الإرهابي أنه قال لها "أنا مللت من لعب الدور، دور الضحية، أنا كنت في وعيي وأتذكر كل شيء، وأنا كنت أتمنى لو أني قتلت عددًا أكبر من الذين قتلتهم".
هذا يدل على أنه لم يندم، كان يود أنه قتل أكثر، ليس عنده أي ندم. عندما استفاق من فعلته أعلن أنه مقتنع بما قام به.
ما مردّ هذه الكراهية، من أين ينبع التحريض على الإسلاموفوبيا؟
حسب رأيي، وحسب ما أظهرت الأبحاث والتحقيقات، قالوا إنه كان يتابع في مواقع ومجموعات دردشة ضد المسلمين وكان يتغذى من آراء أناس متطرفين. هذه المجموعات على مواقع التواصل، تجمع كل من لديه كراهية تجاه الإسلام. وتبيّن أن لديه صديق يكلمه عن المسلمين بشكل دائم بصفات سلبية. أدلى صديقه بحديث للصحافة وصرّح بذلك وأنهم يعيشون حالة من الإسلاموفوبيا ويركّزون على هذه الموضوعات.
كما أن أباه وأمه يتحملان المسؤولية. والداه لم يطلبا منا العفو حتى الآن، ولم يقولا: نحن نعتذر عما قام به ابننا، بل بالعكس قالا: نحن فخوران به، وبما قام به.
كانا يحاولان اختلاق قصص واهية عن وضعه النفسي في البداية كي يخرج من السجن بحكم البراءة، لكنهما كانا يكذبان. وقد حاولت قناة TVA اللعب على المشاعر، والتعاطف مع الجاني.
كيف هي حالتك الصحية اليوم، بعد ثماني سنوات على هذا الحادث المؤلم؟
الحقيقة دخلت المستشفى عدة مرات. ولديّ أوجاع كثيرة. عندي رصاصة لا تزال في وسط العمود الفقري، لم يستطع الأطباء سحبها. الرصاصة قطعت العمود الفقري ولا تزال مستقرة. أيضًا، عندما رآني الجاني أرفع يدي، عاد وأطلق النار عليها. يدي اليمين تقريبًا لا تتحرك.
هل حدث تعاطف أو تعويض خاص من قبل الحكومة كون الجريمة تأتي في سياق إرهابي؟
الدولة لم تقدم تعويضًا. أتقاضى راتبي الذي كنت أتقاضاه، مثل أي شخص تعرّض لحادث سيارة مثلًا، لا يوجد امتيازات مالية خاصة. لديّ حق في العلاج في البيت مثل أي شخص تعرّض لحادث أيضًا. أقصد لا يوجد امتياز أو معاملة خاصة بأننا ضحايا هجوم إرهابي. هناك أشخاص يظنون أننا أخذنا تعويضًا من الدولة، آخذ فقط بدل راتبي.
هل تشكّل العودة إلى المسجد نفسه خوفًا لديك؟
أنا دائمًا في المسجد، منذ أن خرجت من المستشفى أذهب إلى المسجد. المعالجة النفسية قالت لي كيف تستطيع أن تعود للمسجد، أجبتها هذا بيت الله، وأنا أعود إليه حتى لو أصبت فيه، ورغم الكوابيس التي كانت تأتيني حين كنت في المستشفى. كانت الحادثة تعود إليّ على شكل كوابيس، ولكني قلت سأواجه ذلك وأعود. أنا أصلي كل يوم جمعة في المسجد منذ شهر تموز/ يوليو 2017 أي بعد أول أسبوع من التأهيل، ذهبت مباشرة للمسجد.
هذا بيت من بيوت الله، وإذا كتب الله لي الحياة، أقول تعدّدت الأسباب والموت واحد. نحن نحاول أن نحافظ على حياتنا والباقي على الله.
هل فكرت في الذهاب إلى مقاطعة أخرى بسبب تزايد الإسلاموفوبيا في كيبيك؟
لا لم أفكر أن أبدّل إقامتي، ولا أشعر بالخوف، أعيش على بعد 3 كلم من المسجد، وبقيت في نفس الحي. بعض الأشخاص الذين كانوا في المسجد يوم الحادثة، تركوا المقاطعة كلها، ليس فقط مدينة كيبيك، ذهبوا إلى أوتاوا، ورغم أنهم ليسوا من الذين أصيبوا، لكنهم شعروا بالصدمة الكبيرة، وقرروا ترك مقاطعة كيبيك. وتوزّع العديد من أصدقائي في مدن مختلفة في أونتاريو.
هل تعتقد أن كيبيك لديها أعلى مستوى من الإسلاموفوبيا من باقي المقاطعات الكندية؟
أظن نعم، كيبيك فيها ارتفاع بنسبة الإسلاموفوبيا بسبب العقلية الفرنسية. الفرنسيون أكثر عداوة ضد المسلمين. حين نتابع المواقع والصحف الفرنسية دائمًا نرى رسومات كاريكاتير معادية للإسلام، ويكرّرونها، ويحاولون تصدير الإسلاموفوبيا، ولكن المقاطعات الأنكلوفونية أكثر تفتحًا وأكثر تقبّلًا للآخر وللمسلمين. وتأكدتُ من ذلك مرة عندما ذهبتُ لدراسة مكثفة للغة الإنكليزية في جامعة يورك لخمسة أسابيع في تورونتو، ولاحظت الفارق الكبير في التعامل مع المسلمين بين المقاطعتين. لا أحد يهمه إذا كانت المرأة محجبة أم لا. عكس هنا في كيبيك. هنا دائمًا يحاولون أن يضيّقوا على المسلمين.
لاحظوا قانون العلمانية الرقم 21، هذا قانون عار، قانون مركّز وموجّه ضد المسلمات. قانون 21 يقرّ بمنع اللباس الديني، من يلبس اللباس الديني غير المسلمة، الرموز الدينية الواضحة هي لدى المسلمات تحديدًا.
لماذا يريد لوغو تطبيق هذا القانون، لأنه وعد في حملته الانتخابية أنه سيضع قانونًا للعلمانية. ويعرف الجميع أنه قانون موجّه للمسلمين، وأنه أراد إقراره من أجل الحصول على أصوات في حملته الانتخابية ضد المسلمين. لوغو يريد أن يدخل في خصوصيات المرأة المسلمة ويغيّر حياتها ويفرض عليها خلع الحجاب ويمنع عليها العمل إذا رفضت خلع الحجاب، معلمة محجبة ممنوع، قاضية محجبة ممنوع، شرطية محجبة ممنوع، ثم يتغنّون بحقوق المرأة من جهة أخرى. هذا اسمه شيزوفرينيا، هؤلاء السياسيون يعيشون حالة انفصام في الشخصية.
هل تعتقد أن على الحكومة تقديم برامج لمحاربة الإسلاموفوبيا والكراهية في الشارع الكيبيكي؟
الحقيقة أن أعضاء الحكومة الكيبيكية أنفسهم بحاجة أولًا ليأخذوا دروسًا وبرامج ليخففوا هم من تحريضهم. المشكلة في رئيس الوزراء الكيبيكي نفسه وجماعته، إذا كان يرى في الصلاة تهديدًا، ويقول سنقاتل من أجل العلمانية هذا يعني لديه مشكلة في عقله. عندما يصلي أحدنا صلاة الظهر والعصر، هاتين الصلاة فيهما سر، لأنهما يحدثان خلال وقت العمل، ويقوم بهما المصلي بشكل انفرداي منعزل، ما الإزعاج في ذلك؟ لو أنك تضع سجادة وتقوم دقائق من اليوغا سيقولون هذه تربية بدنية مسموح بها، لكن نفس الحركات إذا كانت ضمن صلاة المسلمين فهذا ممنوع ويشكّل خطرًا على العلمانية!
ما هي مشكلة الشخص عندما يرى إنسانًا يصلي بشكل منفرد؟ ما الذي يقلق؟ كيف تشعر أنه يتعدى عليك أو على حريتك أو يسيء إليك؟ لا يوجد، المشكلة عندما يكون الوزير الأول لديه هذه العقلية فلا نلوم عامة الشعب بعد ذلك. لا يكف عن إطلاق الخطابات ويعلو صوته من أجل شخص يصلي.
والمشكلة في الإعلام، الإعلام مطلوب منه أن يتوقف عن الكذب بحق المسلمين، مثل TVA، يلعبون على المشاعر ويختلقون قصصًا كاذبة عن المسلمين، ويقولون بأن الإسلام لا يريد للنساء أن تعمل خارج البيت، وأشياء أخرى..
ماذا تقول لبيسونات ولهؤلاء الذين يعيشون حالة الإسلاموفوبيا؟
لا يوجد ما أقوله له. شخص يقتل أبرياء ولا يندم بعد سنوات ولا يقدّم اعتذارًا. إذا كان والداه غير صادقين ولم يحسّا بمآساتنا وما الذي ارتكبه ابنهما ولم يشعرا بالقتلى والأيتام والنساء الأرامل، إذا كانا لم يشعرا بنا، فماذا يمكن أن نقول لهما. كراهية الإسلام العميقة أعمت عيونهم، ويبرّران لابنهما. هل يمكن أن تتخيلوا حجم الكره الذي أخذه هذا الشاب من والديه ثم من مجموعات الدردشة ومن الإعلام.. "المسلمون الإرهابيون.." هكذا يروننا.. عندما أجروا معه التحقيق الأولي، وهذا الفيديو متاح على اليوتيوب، سأله المحقق لماذا ارتكبت ما ارتكبت أجاب: "أردت أن أحمي كندا من الإرهابيين المسلمين".
* الصور من أيمن الدربالي
326 مشاهدة
30 يناير, 2025
312 مشاهدة
27 يناير, 2025
329 مشاهدة
25 يناير, 2025