المحامي وليم خربوطلي ـ مونتريال
شكّل العمل الإرهابي الذي وقع في أستراليا تزامنًا مع مناسبة هانوكا اليهودية صدمة جديدة للضمير الإنساني، ليس فقط بسبب الجريمة بحد ذاتها، بل بسبب ما كشفه من خلل عميق في طريقة تفكيرنا الجماعية، وفي المعايير المزدوجة التي باتت تتحكم في نظرتنا إلى الدين، والإنسان، والبطولة.
لطالما تم ربط الإسلام بالإرهاب في الخطاب الإعلامي والسياسي الغربي، وأحيانًا حتى في الخطاب المحلي، وكأن جرائم العنف لا تُرتكب إلا باسم هذا الدين. غير أن هذا الربط الانتقائي يسقط فورًا عندما يظهر نموذج إنساني بطولي مثل أحمد الأحمد، الذي قدّم فعلًا شجاعًا أنقذ فيه أرواحًا بريئة. هنا، يتردد كثيرون في الاحتفاء بالبطولة، لا لشيء إلا لأن صاحبها مسلم. المفارقة المؤلمة أن الدين يُستدعى فورًا عند الإدانة، ويُهمّش أو يُتجاهل عند الإشادة.
هذا الواقع يطرح سؤالًا جوهريًا: إلى أي مدى أصبح التعصّب الديني يعمي إنسانيتنا؟ كيف وصلنا إلى مرحلة نرفض فيها الاعتراف ببطولة إنسان فقط لأنه ينتمي إلى دين نكرهه أو نخافه؟ إن رفض الفعل الإنساني النبيل بناءً على هوية دينية ليس إلا شكلًا آخر من أشكال العنف المعنوي، لا يقل خطورة عن العنف الجسدي، لأنه يقتل القيم التي يفترض أن تجمع البشر.
إن ما نعيشه اليوم هو غياب واضح للتفكير الموضوعي، ونقص مقلق في إنسانيتنا. أصبحنا أسرى للأحكام المسبقة، نُسقِط أفعال الأفراد على أديان بأكملها، ونتعامل مع الجرائم بمنطق الانتقاء بدلًا من العدالة. فالإرهاب لا دين له، كما أن الشجاعة لا دين لها. هما سلوكان بشريان، يُنسبان إلى الأفراد لا إلى العقائد.
من هنا، تبرز ضرورة العودة إلى القيم الإنسانية الجامعة، تلك التي تضع كرامة الإنسان وحياته في صلب أي نقاش. فالدين بحد ذاته ليس المشكلة، بل كيفية تفسير الدين وتوظيفه. عبر التاريخ، استُخدمت الأديان إما كجسر للمحبة والتعايش، أو كأداة للكراهية والإقصاء. المشكلة ليست في النصوص، بل في العقول التي تقرأها بنية العنف.
ولا بد من التأكيد على حقيقة أساسية كثيرًا ما نغفل عنها: الدين خُلق لخدمة الإنسان، لا ليكون الإنسان عبدًا لتفسيرات متطرفة للدين. عندما يتحول الدين إلى وسيلة لتبرير القتل أو الكراهية، فإنه يفقد جوهره الأخلاقي والروحي.
وفي سياق العمل الإرهابي الأخير، لا بد من الترحم على أرواح الشهداء اليهود الأبرياء، والتأكيد على أن حماية المعتقدات الدينية، أيًا كانت، هي مسؤولية قانونية وأخلاقية على عاتق الدول والمجتمعات. كما يجب التشديد على ضرورة فرض أقسى العقوبات على كل من يرتكب جريمة بدافع ديني، لأن استهداف الناس بسبب معتقدهم هو اعتداء مباشر على أسس العيش المشترك.
في النهاية، يبقى السؤال الحقيقي: هل نريد عالمًا تحكمه الكراهية والمعايير المزدوجة، أم عالمًا نحتكم فيه إلى إنسانيتنا أولًا؟ الإجابة على هذا السؤال لا تكون بالشعارات، بل بالاعتراف بالحق، وإدانة الجريمة أيًا كان مرتكبها، وتكريم البطولة أيًا كان دين صاحبها.
75 مشاهدة
15 ديسمبر, 2025
220 مشاهدة
11 ديسمبر, 2025
111 مشاهدة
07 ديسمبر, 2025