Sadaonline

آخر أيام حكومة ليغو أو "آخر الطحنة قرقعة"!

رئيس الحكومة ليغو استحق، وبدون منازع، لقب "مسيو سنّ القوانين باللجم"


 

د. علي ضاهر

 

حكومة "التجمع من أجل مستقبل كيبيك" مغرمة بسنّ القوانين إلى حدٍّ يجعل المرء يظن أن وزراءها يتقاضون رواتبهم على عدد الأحرف: قوانين لتنظيم مهنة الطب؛ قوانين لتنويع الاقتصاد عبر فتح ورشة سلاح أكبر من ورشة الخدمات؛ قوانين للهجرة لا تكاد تعرف إن كانت تنظّم تدفق القادمين الجدد أم تنظّم طردهم. ثم قوانين لتقييد الاحتجاجات النقابية؛ قوانين لحماية المستهلك، وأخيرًا وليس آخرًا، باقة قوانين لتقوية العلمانية، حتى باتت العلمانية بحاجة إلى استراحة من شدّة فتل عضلاتها.

 

فمنذ وصولها إلى الحكم لم تتوقف حكومة فرانسوا ليغو عن إتحافنا بنصوص تشريعية، لدرجة ان رئيسها استحق، وبدون منازع، لقب "مسيو سنّ القوانين باللجم"، خصوصًا مع لجوئه المتكرر إلى "البيون التشريعي"، وهو إجراء برلماني تستخدمه الحكومة للحدّ من الوقت المخصَّص للنقاش لتسريع اعتماد القوانين. وهذه الطريقة ليست سوى كمّامة ديموقراطية يلجم بها الحزب الحاكم نواب الأمة، محوّلًا النقاش البرلماني إلى مسرحية مختصرة. كما وان الحزب الحاكم لم يكتف بلجم النواب عبر "البيون التشريعي"، بل سعى أيضًا إلى لجم المواطنين عن الاعتراض من خلال تبنّي "بند الاستثناء"، الذي يسمح بالخروج عن أحكام المواد المتعلقة بالحقوق الأساسية، مثل حرية التعبير وحرية الضمير. وهكذا تحوّل بند الاستثناء إلى أداة قانونية تُحوِّل حقوق المواطن الأساسية إلى هوامش صغيرة في نصٍّ كبير.

 

باكورة قوانين ليغو تمحورت حول تقوية العلمانية، التي تحوّلت إلى جهاز كشف عن المتدينين لمطاردتهم في اللباس والعبادات، وكأنها تقول لهم: آمنوا كما تشاؤون، لكن لا ترتدوا كما تشاؤون؛ فخزانة ملابسكم تخضع لرقابتنا. أما غطاء رأسكم، لاسيما حجاب المعلمة، فعليكم خلعه لأنه يُعتبر عقبة أمام فهم الأشكال الهندسية وحل المسائل الحسابية! وأما لحية الشرطي وما يُوضع على رأسه، فإزالتها واجبة، لأنها تحوّل الشرطي إلى كائن لا يستطيع حماية المواطن أو حفظ الأمن!

ثم تتابع سيل القوانين كخرز السبحة. فجاء قانون اللغة الفرنسية الذي رفع شعار "أنقذوا الفرنسية"، فبدا وكأنه حملة لضبط لغة الإعلانات ولكيفية الترحيب بالزبائن في المحلات، من يلقي التحية على الزبون بقول "هالو" بدل "بون جور" يُعامَل وكأنه مهرّب مخدّرات! وتلاه ملف الهجرة الذي ألغي فيه 18 ألف طلب بجرّة قلم، وكأن مدن كيبيك ضاقت بأصحاب الملفات، لا بالبيروقراطية. ثم جاء اختبار "قيم كيبيك" الذي يريد من المهاجر أن يدخل امتحانًا فلسفيًا قبل أن يدخل سوق العمل.

 

وجاءت قوانين الصحة والتعليم، ثم انتقلت الحكومة إلى قوانين حول الطاقة، بإطلاق خطة بميزانية 200 مليار دولار لتحويل "هيدرو كيبيك" إلى "إمبراطورية نور"، في وقت كدنا أن نعيش فيه بلا كهرباء في بداية شهر كانون الاول. أما النقابات، فقد كان لها نصيب في قانون يعيد تعريف "الخدمات الأساسية"، ويضع الإضراب تحت شرط: الإزعاج ممنوع. كأن الحكومة تقول: اضربوا، شرط ألا يشعر أحد بكم! وأما مشروع دستور كيبيك، فهو أشبه بفيلم كيبيكي طويل، لا يعرف نصه: هل هو نص استقلال أم مسرحية انتخابية طويلة؟

 

في النهاية، صدق من قال: " أن آخر الطحنة قرقعة" لأن حكومة ليغو لم تكتفِ بسنّ القوانين فقط، بل ذهبت لإنتاج عروض كاملة عن "من نحن" و"كيف يجب أن نكون". فكيبيك في آخر أيامها تحولت الى مسرح تُجرى فيه مسرحية انتخابية عن العلمانية والهوية، ستارها ما زال مرفوعا!