Sadaonline

قصة زمنٍ صار فيه الأب يهاب طفله

ربما قريبًا، سيُطلب من الآباء توقيع اتفاق تفاهم منزلي مع أطفالهم قبل كل قرار تربوي

د. علي ضاهر - مونتريال

ما إن قابلته حتى انطلق بالكلام كما ينطلق صاروخ "أفانغارد" الروسي، الفرط صوتي، القادر على الوصول إلى سرعات تصل إلى حوالي عشرة أضعاف سرعة الصوت. استعذت بالله من الوسواس الخنّاس، وقلت في نفسي: لا بد أن الخطب جلل، وأن القيامة على وشك أن تُعلن. ومن عادتي في مثل هذه الحالات أن أمارس فنّ الصمت، فلا أنبس ببنت شفة، ولا حتى نصف حرف. فأنا من أنصار نظرية "دع المغني يغنِّ حتى يملّ" أو "دع المتكلّم يتكلَم حتى يتعب". وهكذا تركته يفرغ ما في صدره، على أمل أن يهدأ ويخبرني بما جرى دون أن اتشاطر او أضطر إلى ارتداء معطف المحقق كولومبو.
وبالفعل، ما لبث أن استعاد أنفاسه وشرع في سرد قصته كمن يزيح كابوسًا عن صدره. قال: لقد دنت الساعة واقتربنا من يوم القيامة! فعلامات الحشر تتجمّع وتتضافر بعد أن كانت تتبعثر وتتناثر. ومن أبرزها، حسب رأيه، خبرٌ عن فتاة صغيرة، بالكاد تجاوزت الحادية عشرة، تقدّمت بشكوى إلى محكمة كيبيكية موقّرة ضد والدها، لأنه منعها من الذهاب في رحلة مدرسية مع صديقاتها. المصيبة، بل الكارثة، أن القاضي أصدر حكمًا أجبر فيه الأب على تغيير رأيه، والسماح للابنة بالمشاركة في الرحلة، بل ووبّخه على "قمعها" وعدم أخذ رأيها بعين الاعتبار!
ثم ما لبث محدثي ان اخذ نفسًا عميقًا كمن يستعد لإلقاء خطبة عصماء، قال:
لست أدري أي رسالة يريد هذا القاضي المحترم أن يوجهها إلى الأولاد؟ هل يدعوهم لتقديم دعاوى قضائية ضد أهلهم كلما تم منعهم من شيء؟ وماذا لو رفض الأب خروج ابنه او ابنته ليلًا؟ هل سيُسجن بتهمة القمع الأبوي! وهل سيتحوّل الأطفال إلى رجال أمن صغار يلوّحون بالقانون كلما سُحبت منهم لعبة أو مُنعوا من أكل الحلوى؟ يا لها من مهزلة بل ويا له من مثلٍ يقدّمه هذا القاضي للأطفال قائلا لهم: افعلوا ما شئتم، إن اعترض أحد، فالمحكمة في الخدمة! فاحذروا أيها الآباء، لا تمنعوا أبناءكم من شيء، فقد تجدون أنفسكم في قفص الاتهام بتهمة التسلط العائلي أو القمع العاطفي!
ثم أردف محدثي قائلا: ربما قريبًا، سيُطلب من الآباء توقيع اتفاق تفاهم منزلي مع أطفالهم قبل كل قرار تربوي، مصدَّق عليه من كاتب العدل، ومرفق بـلائحة حقوق الطفل المعدَّلة! فنحن في زمنٍ يُعاد فيه تعريف السلطة الأبوية على يد القضاء وتصبح فيه التربية مشروعًا مشتركًا بين المحاكم والطفل، الذي قد يطالب غدًا بحق التصويت في قرارات العشاء والنوم والسهر! فهل أصبحنا في عصر جديد من سيادة الطفولة؟ أم مجرد فصل ساخر في فيلم كيبيكي طويل عنوانه: من يربّي مَن!
هذه كلها أمور برسم وزير العدل في حكومة كيبيك، المحترم سيمون جوليان باريت، المشرع الجهبذ، الذي شاب شعره وهو يعمل على قوانين عديدة: قدّم مشروع دستور كيبيك الذي يهدف إلى ضمان الحقوق الأساسية مثل الحق في الإجهاض، وحماية الهوية الكيبيكية؛ شرّع قانون علمانية الدولة الذي يمنع ارتداء الرموز الدينية؛ عدّل ميثاق اللغة الفرنسية؛ كما، وهذا هو مربط الفرس، فهو الذي أدخل تعديلات على قانون الأسرة! لذا فليشرّع في مجال إعطاء الطفل حقّ ضرب الأب إن لم يعجبه ذلك! فأكثر قوانين هذا الوزير جائرة وتشوبها مسحة من العنصرية ولاسيما تلك التي تتناول غطاء الرأس والتي اثارت زوبعة من الاحتجاجات!