وليد حديد ـ مونتريال
لم تعد المأساة الفلسطينية حدثًا إقليميًا يمكن للعالم تجاهله، بل تحوّلت إلى مرآةٍ كبرى تكشف وجه النظام الدولي الحديث بكل تناقضاته، وتُعرّي السرديات التي طالما تغنّى بها الغرب عن الحرية وحقوق الإنسان.
فما حدث في غزة، وما يجري منذ عقود في فلسطين، لم يكن مجرد صراعٍ سياسي على أرضٍ أو حدود، بل كان اختبارًا للضمير العالمي، ومحكًّا حقيقيًا لقيم العدالة والإنسانية.
لكن الأهمّ من كل ذلك أن ما يحدث اليوم يُشكّل أيضًا بداية اهتزاز داخل الوعي اليهودي العالمي نفسه.
ذلك الوعي الذي بُني على مدى قرنٍ من الزمن على أساطير سياسية ودعائية وإعلامية أفرغت الدين من محتواه الروحي، وحوّلته إلى أداة تبريرٍ للعنف والهيمنة، تحت شعار «الشعب المختار» و«أرض الميعاد».
🔹 هندسة الوعي وتشكيل الأسطورة
لقد أتقنت الصهيونية منذ نشأتها استخدام الأساليب النفسية الجماعية لتوجيه الفكر والسلوك.
تمامًا كما وُلدت النظرية الاستهلاكية في الغرب لتخلق إنسانًا يقيس ذاته بما يملك لا بما يكون، وُلدت النظرية التفوقية الصهيونية لتخلق جماعةً ترى ذاتها فوق الشعوب الأخرى، محصّنةً ضد النقد، ومفوَّضةً من السماء لتنفيذ مشروعها التاريخي.
هذه النظرية لم تبقَ حبيسة النصوص الدينية، بل جرى ضخّها عبر التعليم والإعلام والفن والسياسة، حتى أصبحت جزءًا من الوعي الجمعي الغربي.
ورافق ذلك حملة دعائية هائلة لتشويه صورة العربي والمسلم، وتجريده من إنسانيته.
تمّ تصوير الفلسطيني على أنه “رافض للسلام”، والعربي على أنه “غاضب متخلّف”، في حين صُوّر الجندي الإسرائيلي على أنه “المدافع عن الديمقراطية” في وجه “الإرهاب”.
هكذا تمّ تجنيد قطاعات واسعة من المسيحية الإنجيلية المتصهينة، التي آمنت بأن قيام دولة إسرائيل شرطٌ لعودة المسيح، لتصبح حليفًا لاهوتيًا وسياسيًا للمشروع الصهيوني.
إنها أكبر عملية تلاعب بالرموز الدينية في التاريخ الحديث، أُلبست فيها العنصريةُ لباسَ النبوءة، والاحتلالُ لباسَ الخلاص.
🔹 حين يستيقظ الضمير العالمي
لكن ما لم يحسبوه حسابه هو أن العالم تغيّر.
لم يعد الإعلام أحادي الاتجاه، ولم تعد الكاميرا في يد جهةٍ واحدة.
فمن غزة خرجت آلاف الصور التي اخترقت جدران التضليل، ووصلت إلى كل بيتٍ في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا.
صورٌ لأطفالٍ يموتون تحت الركام، لأطباءٍ يكتبون أسماء المرضى على أذرعهم خوفًا من المجهول، ولأمّهاتٍ يبحثن عن أبنائهن بين الأنقاض.
هذه الصور هزّت وجدان العالم، وأعادت تعريف مفاهيم “الضحية” و“المعتدي”.
سقطت أقنعة كثيرة، وبدأت النقاشات تتفجّر داخل الجامعات الغربية، بل وداخل الجاليات اليهودية نفسها.
لقد بات واضحًا أن الدفاع الأعمى عن دولة تمارس الإبادة لم يعد ممكنًا، وأن السكوت لم يعد فضيلة، بل تواطؤًا.
من هنا بدأت بوادر ثورة داخل الضمير اليهودي العالمي.
يهودٌ في نيويورك ولندن وباريس وبرلين خرجوا في مظاهرات يرفعون فيها شعار “ليس باسمنا”.
هؤلاء أدركوا أن الصهيونية لم تحرّرهم من عقدة الاضطهاد، بل جعلتهم شركاء في اضطهادٍ جديد.
لقد آن الأوان، كما يقول بعض المفكرين اليهود أنفسهم، أن تتحرّر اليهودية من الصهيونية، وأن تعود دينًا للرحمة لا مشروعًا سياسيا للقهر.
🔹 المطلوب: ثورة داخلية ضد الظلم والعنصرية
المطلوب اليوم ليس عداءً ضد اليهود كدينٍ أو كشعب، بل ثورة داخل المجتمع اليهودي العالمي نفسه، ضد كل أشكال الظلم والعنصرية التي تُمارَس باسمهم.
ثورة فكرية وروحية تُعيد تعريف معنى الانتماء والهوية، وتُفرّق بين اليهودية كقيمة روحية سامية والصهيونية كأيديولوجية سياسية استعمارية.
على المثقفين والمفكرين والفنانين اليهود أن يقودوا هذه الثورة، وأن يعلنوا بوضوح أن العدالة لا تتجزّأ، وأن من ذاق الظلم لا يجوز له أن يبرّره أو يعيد إنتاجه.
لقد حان الوقت لليهود الأحرار في العالم أن يقولوا للعالم: “نحن ضد القتل باسمنا، وضد العنصرية التي تتخفّى خلف ديننا”.
🔹 مسؤولية الحكومات الغربية
كذلك، يتحمّل الضمير السياسي الغربي مسؤولية تاريخية.
فقد حان الوقت لتضع هذه الحكومات حدًّا لابتزاز اللوبيات الصهيونية التي تُسيطر على مساحات واسعة من الإعلام والسياسة والتمويل الانتخابي.
هذه الجمعيات، التي تعمل تحت أسماء متعددة، تمارس ضغطًا هائلًا على الرأي العام وتُخيف الصحفيين والمثقفين وحتى السياسيين من أي نقدٍ لإسرائيل، عبر وصمهم بـ«معاداة السامية».
إن استعمال تهمة “معاداة السامية” كسلاحٍ لإسكات الضمير هو أحد أخطر أشكال الابتزاز السياسي في عصرنا.
وقد آن الأوان للفصل بين معاداة السامية كجريمة كراهية، ونقد الصهيونية كأيديولوجية استعمارية.
فالأولى تُدين الكراهية ضد اليهود، أما الثانية فهي دفاع عن قيم العدالة وحقوق الإنسان.
إنّ على الحكومات الغربية أن تُشرّع قوانين تضمن الشفافية في عمل اللوبيات، وأن تمنع أي تلاعب بالرأي العام أو ابتزازٍ سياسي أو إعلامي باسم الدين أو الهويّة.
الحرية لا تعني أن تُشترى الأقلام، ولا أن تتحوّل وسائل الإعلام إلى أدوات تبريرٍ للجرائم.
🔹 دور رجال الدين اليهود
في لحظات التحوّل الكبرى، يكون لرجال الدين دور حاسم.
فإذا خرج كبار الحاخامات في العالم ببيانٍ واضح يعلنون فيه انفصالهم الأخلاقي والروحي عن كل ما يحدث في فلسطين من قتل وتشريد، فسيكون ذلك بمثابة زلزالٍ داخل الوعي اليهودي.
فالدين، أيًّا كان، لا يمكن أن يكون غطاءً للدم، ولا مبرّرًا للاستعلاء.
إنّ إعلانًا من هذا النوع — صريحًا وشجاعًا — سيُعيد لليهودية بعدها الإنساني الحقيقي، ويُعيد الثقة بينها وبين العالم.
فحين يقول رجال الدين: “هذه ليست تعاليمنا”، سيجد الملايين من اليهود حول العالم الشجاعة ليقولوا: “هذا ليس طريقنا”.
🔹 نحو عهدٍ جديد من الوعي الإنساني
العالم اليوم على مفترق طرق.
إما أن يستمر في دوّامة الأكاذيب الإعلامية والابتزاز السياسي، أو أن يختار طريق الحقيقة مهما كان الثمن.
أما اليهود في العالم، فهم أيضًا أمام خيارٍ تاريخي:
إما أن يبقوا أسرى الخوف واللوبيات، أو أن يتحرّروا ليقودوا ثورة أخلاقية عالمية تعيد تعريف معنى الإنسانية.
إنّ استيقاظ الضمير العالمي لن يتوقّف، لأن الحقائق التي كشفتها غزة لن تُمحى.
وإنّ الثورة داخل الوعي اليهودي ليست ضد أحد، بل من أجل الجميع — من أجل أن تُستعاد إنسانيتنا المشتركة، وأن يُبنى السلام على العدل لا على الأكاذيب.
🕊 خاتمة
لن تُبنى المصالحة الحقيقية بين الشعوب إلا حين يسقط جدار الصمت داخل الجاليات اليهودية، وحين تُقال الكلمة التي يخشاها السياسيون:
“كفى باسمنا، كفى بدمائنا، كفى بدماء غيرنا.”
حينها فقط يمكن أن يولد عالمٌ جديد، لا تميّز فيه الأديان بين الإنسان وأخيه الإنسان.
وحينها، لن تكون الثورة ضد إسرائيل أو ضد اليهود، بل ثورة من أجل الإنسان، كل إنسان.
وليد حديد
مونتريال
لم تعد المأساة الفلسطينية حدثًا إقليميًا يمكن للعالم تجاهله، بل تحوّلت إلى مرآةٍ كبرى تكشف وجه النظام الدولي الحديث بكل تناقضاته، وتُعرّي السرديات التي طالما تغنّى بها الغرب عن الحرية وحقوق الإنسان.
فما حدث في غزة، وما يجري منذ عقود في فلسطين، لم يكن مجرد صراعٍ سياسي على أرضٍ أو حدود، بل كان اختبارًا للضمير العالمي، ومحكًّا حقيقيًا لقيم العدالة والإنسانية.
لكن الأهمّ من كل ذلك أن ما يحدث اليوم يُشكّل أيضًا بداية اهتزاز داخل الوعي اليهودي العالمي نفسه.
ذلك الوعي الذي بُني على مدى قرنٍ من الزمن على أساطير سياسية ودعائية وإعلامية أفرغت الدين من محتواه الروحي، وحوّلته إلى أداة تبريرٍ للعنف والهيمنة، تحت شعار «الشعب المختار» و«أرض الميعاد».
🔹 هندسة الوعي وتشكيل الأسطورة
لقد أتقنت الصهيونية منذ نشأتها استخدام الأساليب النفسية الجماعية لتوجيه الفكر والسلوك.
تمامًا كما وُلدت النظرية الاستهلاكية في الغرب لتخلق إنسانًا يقيس ذاته بما يملك لا بما يكون، وُلدت النظرية التفوقية الصهيونية لتخلق جماعةً ترى ذاتها فوق الشعوب الأخرى، محصّنةً ضد النقد، ومفوَّضةً من السماء لتنفيذ مشروعها التاريخي.
هذه النظرية لم تبقَ حبيسة النصوص الدينية، بل جرى ضخّها عبر التعليم والإعلام والفن والسياسة، حتى أصبحت جزءًا من الوعي الجمعي الغربي.
ورافق ذلك حملة دعائية هائلة لتشويه صورة العربي والمسلم، وتجريده من إنسانيته.
تمّ تصوير الفلسطيني على أنه “رافض للسلام”، والعربي على أنه “غاضب متخلّف”، في حين صُوّر الجندي الإسرائيلي على أنه “المدافع عن الديمقراطية” في وجه “الإرهاب”.
هكذا تمّ تجنيد قطاعات واسعة من المسيحية الإنجيلية المتصهينة، التي آمنت بأن قيام دولة إسرائيل شرطٌ لعودة المسيح، لتصبح حليفًا لاهوتيًا وسياسيًا للمشروع الصهيوني.
إنها أكبر عملية تلاعب بالرموز الدينية في التاريخ الحديث، أُلبست فيها العنصريةُ لباسَ النبوءة، والاحتلالُ لباسَ الخلاص.
🔹 حين يستيقظ الضمير العالمي
لكن ما لم يحسبوه حسابه هو أن العالم تغيّر.
لم يعد الإعلام أحادي الاتجاه، ولم تعد الكاميرا في يد جهةٍ واحدة.
فمن غزة خرجت آلاف الصور التي اخترقت جدران التضليل، ووصلت إلى كل بيتٍ في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا.
صورٌ لأطفالٍ يموتون تحت الركام، لأطباءٍ يكتبون أسماء المرضى على أذرعهم خوفًا من المجهول، ولأمّهاتٍ يبحثن عن أبنائهن بين الأنقاض.
هذه الصور هزّت وجدان العالم، وأعادت تعريف مفاهيم “الضحية” و“المعتدي”.
سقطت أقنعة كثيرة، وبدأت النقاشات تتفجّر داخل الجامعات الغربية، بل وداخل الجاليات اليهودية نفسها.
لقد بات واضحًا أن الدفاع الأعمى عن دولة تمارس الإبادة لم يعد ممكنًا، وأن السكوت لم يعد فضيلة، بل تواطؤًا.
من هنا بدأت بوادر ثورة داخل الضمير اليهودي العالمي.
يهودٌ في نيويورك ولندن وباريس وبرلين خرجوا في مظاهرات يرفعون فيها شعار “ليس باسمنا”.
هؤلاء أدركوا أن الصهيونية لم تحرّرهم من عقدة الاضطهاد، بل جعلتهم شركاء في اضطهادٍ جديد.
لقد آن الأوان، كما يقول بعض المفكرين اليهود أنفسهم، أن تتحرّر اليهودية من الصهيونية، وأن تعود دينًا للرحمة لا مشروعًا سياسيا للقهر.
🔹 المطلوب: ثورة داخلية ضد الظلم والعنصرية
المطلوب اليوم ليس عداءً ضد اليهود كدينٍ أو كشعب، بل ثورة داخل المجتمع اليهودي العالمي نفسه، ضد كل أشكال الظلم والعنصرية التي تُمارَس باسمهم.
ثورة فكرية وروحية تُعيد تعريف معنى الانتماء والهوية، وتُفرّق بين اليهودية كقيمة روحية سامية والصهيونية كأيديولوجية سياسية استعمارية.
على المثقفين والمفكرين والفنانين اليهود أن يقودوا هذه الثورة، وأن يعلنوا بوضوح أن العدالة لا تتجزّأ، وأن من ذاق الظلم لا يجوز له أن يبرّره أو يعيد إنتاجه.
لقد حان الوقت لليهود الأحرار في العالم أن يقولوا للعالم: “نحن ضد القتل باسمنا، وضد العنصرية التي تتخفّى خلف ديننا”.
🔹 مسؤولية الحكومات الغربية
كذلك، يتحمّل الضمير السياسي الغربي مسؤولية تاريخية.
فقد حان الوقت لتضع هذه الحكومات حدًّا لابتزاز اللوبيات الصهيونية التي تُسيطر على مساحات واسعة من الإعلام والسياسة والتمويل الانتخابي.
هذه الجمعيات، التي تعمل تحت أسماء متعددة، تمارس ضغطًا هائلًا على الرأي العام وتُخيف الصحفيين والمثقفين وحتى السياسيين من أي نقدٍ لإسرائيل، عبر وصمهم بـ«معاداة السامية».
إن استعمال تهمة “معاداة السامية” كسلاحٍ لإسكات الضمير هو أحد أخطر أشكال الابتزاز السياسي في عصرنا.
وقد آن الأوان للفصل بين معاداة السامية كجريمة كراهية، ونقد الصهيونية كأيديولوجية استعمارية.
فالأولى تُدين الكراهية ضد اليهود، أما الثانية فهي دفاع عن قيم العدالة وحقوق الإنسان.
إنّ على الحكومات الغربية أن تُشرّع قوانين تضمن الشفافية في عمل اللوبيات، وأن تمنع أي تلاعب بالرأي العام أو ابتزازٍ سياسي أو إعلامي باسم الدين أو الهويّة.
الحرية لا تعني أن تُشترى الأقلام، ولا أن تتحوّل وسائل الإعلام إلى أدوات تبريرٍ للجرائم.
🔹 دور رجال الدين اليهود
في لحظات التحوّل الكبرى، يكون لرجال الدين دور حاسم.
فإذا خرج كبار الحاخامات في العالم ببيانٍ واضح يعلنون فيه انفصالهم الأخلاقي والروحي عن كل ما يحدث في فلسطين من قتل وتشريد، فسيكون ذلك بمثابة زلزالٍ داخل الوعي اليهودي.
فالدين، أيًّا كان، لا يمكن أن يكون غطاءً للدم، ولا مبرّرًا للاستعلاء.
إنّ إعلانًا من هذا النوع — صريحًا وشجاعًا — سيُعيد لليهودية بعدها الإنساني الحقيقي، ويُعيد الثقة بينها وبين العالم.
فحين يقول رجال الدين: “هذه ليست تعاليمنا”، سيجد الملايين من اليهود حول العالم الشجاعة ليقولوا: “هذا ليس طريقنا”.
🔹 نحو عهدٍ جديد من الوعي الإنساني
العالم اليوم على مفترق طرق.
إما أن يستمر في دوّامة الأكاذيب الإعلامية والابتزاز السياسي، أو أن يختار طريق الحقيقة مهما كان الثمن.
أما اليهود في العالم، فهم أيضًا أمام خيارٍ تاريخي:
إما أن يبقوا أسرى الخوف واللوبيات، أو أن يتحرّروا ليقودوا ثورة أخلاقية عالمية تعيد تعريف معنى الإنسانية.
إنّ استيقاظ الضمير العالمي لن يتوقّف، لأن الحقائق التي كشفتها غزة لن تُمحى.
وإنّ الثورة داخل الوعي اليهودي ليست ضد أحد، بل من أجل الجميع — من أجل أن تُستعاد إنسانيتنا المشتركة، وأن يُبنى السلام على العدل لا على الأكاذيب.
🕊 خاتمة
لن تُبنى المصالحة الحقيقية بين الشعوب إلا حين يسقط جدار الصمت داخل الجاليات اليهودية، وحين تُقال الكلمة التي يخشاها السياسيون:
“كفى باسمنا، كفى بدمائنا، كفى بدماء غيرنا.”
حينها فقط يمكن أن يولد عالمٌ جديد، لا تميّز فيه الأديان بين الإنسان وأخيه الإنسان.
وحينها، لن تكون الثورة ضد إسرائيل أو ضد اليهود، بل ثورة من أجل الإنسان، كل إنسان.
وليد حديد
مونتريال
88 مشاهدة
15 أكتوبر, 2025
125 مشاهدة
14 أكتوبر, 2025
127 مشاهدة
13 أكتوبر, 2025