د. اسماعيل الحاج علي
تمهيد: من الفكرة إلى الصوت، ومن الصوت إلى الوجود
لم يبدأ التفكير الفلسفي في اللغة بوصفها أداةً للتواصل، بل بوصفها أثرًا لِسؤالٍ أعمق عن الوجود نفسه. الفلسفة في أطوارها الأولى انشغلت بالإلهيات والكينونة: ما الذي يوجد؟ وكيف يوجد؟ ثم انتقلت إلى الجمال بوصفه صورة الوجود حين يُدرَك حسًّا، ثم إلى العقل باعتباره جهاز التنظيم والتفكير، إلى أن انتهى المسار — في العصر الحديث — إلى اللغة باعتبارها الأفق الذي لا يظهر الفكر إلا داخله. هذا الانتقال لم يكن اعتباطيًا؛ بل كان توليديًا: حين صار الوجود مفهومًا، احتاج إلى صورة، وحين صارت الصورة جمالًا، احتاجت إلى إدراك، وحين صار الإدراك عقلًا، احتاج إلى لغة. هكذا وُلد ما يُسمّى اليوم بـ«المنعطف اللغوي» في الفلسفة، حيث أصبحت اللغة ليست موضوعًا من موضوعات الفكر، بل شرطًا لإمكانه (1).
ضمن هذا السياق، ظهرت «أنطولوجيا اللغة» بوصفها بحثًا في كيفيّة كون اللغة نمطًا من أنماط الوجود لا مجرّد انعكاسٍ له. اللغة هنا لا تصف الواقع فحسب، بل تُدخل الإنسان في شبكة من العلاقات والمعاني تجعل الواقع قابلًا للعيش والتأويل. ومع الانتقال من اللغة المكتوبة إلى اللغة المنطوقة، ومن الدلالة المعجمية إلى النبرة والإيقاع، ينفتح باب أعمق: أنطولوجيا الصوت والموسيقى داخل اللغة، حيث تتحول الكلمة إلى حدثٍ زمانيّ يهزّ الجسد والوعي معًا.
منهجنا في البحث تأويلي–توليدي ذا طابع أنطولوجي عابر للتخصّصات، يقوم على الجمع بين الفلسفة الأولى، واللسانيات، وعلم الأعصاب، وعلم الاجتماع المعرفي، والدراسات الصوتية، ضمن حركة واحدة متّصلة لا تفصل بين الوصف والتحليل، ولا بين البرهان والتأمل. ويهدف ايضا إلى فهم كيف تُنتج اللغة — حين تتلبّس بالصوت — واقعًا إنسانيًا معاشًا. هذا المنهج لا يشرح الظاهرة من الخارج، بل يدخل في منطق تشكّلها، ويجعل القارئ شريكًا في عملية الفهم، لا متلقّيًا لنتيجة جاهزة.
سندخل البحث من أبواب ثلاثة ثم نختم برؤية مستقبلية ووصايا لأصحاب الشأن من مثقفين ومتخصصين:
أولًا: حين تدخل الموسيقى اللغة — الصوت بوصفه طاقة أنطولوجية
الصوت ليس حاملًا محايدًا للمعنى، بل طاقة زمنية تتجلّى في الهواء وتستقر في الجسد. الدراسات العصبية الحديثة تُظهر أن الدماغ يعالج اللغة والموسيقى عبر شبكات متداخلة في القشرة السمعية والفصّ الصدغي، وأن البنية الإيقاعية واللحنية تُسهم في فهم المعنى بقدر ما تسهم المفردات نفسها (2). النبرة، المدّ، الوقف، التسارع، كلّها عناصر فوق-مقطعية تُحمِّل الخطاب شحنة وجدانية وتنظيمية تجعل المتلقّي لا «يفهم» الكلام فقط، بل «يدخله» جسديًا ونفسيًا (3).
حين تتلبّس اللغة بالموسيقى، تتغيّر غاياتها الأنطولوجية. الكلمة المجرّدة تشير، أمّا الكلمة الملحَّنة فتؤثّر. الإيقاع ينظّم الزمن الداخلي للسامع، واللحن يعيد ترتيب الانفعال، والنبرة تحدّد جهة الفعل. العلاج بالموسيقى يبيّن أن أنماطًا صوتية معيّنة تخفّض مؤشرات التوتر الفيزيولوجي وتُحسّن الحالة الوجدانية، ما ينعكس مباشرة على السلوك والقرار (4). بهذا المعنى، الصوت والموسيقى لا يزيّنان اللغة، بل يوسّعان قدرتها على إنتاج الواقع المعيش: تغيير المزاج يغيّر الفعل، وتغيير الفعل يغيّر العلاقات، وتغيير العلاقات يعيد تشكيل العالم الاجتماعي.
تجربة التلاوة القرآنية مثالٌ بالغ الدلالة في هذا السياق. البحث التجريبي حول أثر الاستماع المنظّم للتلاوة يُظهر انخفاضًا في القلق وتحسّنًا في مؤشرات الاسترخاء العصبي (زيادة موجات ألفا وثيتا)، بما يدلّ على أن الإيقاع الصوتي للنصّ يعمل بوصفه نظامًا لإعادة الضبط الوجداني (5). هنا تتجلّى أنطولوجيا الصوت: ليس معنى الآية وحده ما يعمل، بل كيف يُنطَق، وكيف يُوقَّع، وكيف يُستقبَل في الجسد.
ثانيًا: هل تُنشِئ اللغة الواقع؟ — من أفعال الكلام إلى البناء الاجتماعي
السؤال عن قدرة اللغة على إنشاء الواقع يتطلّب تمييز مستويات الوجود. الفلسفة التحليلية المعاصرة، مع أوستن وسيرل، قدّمت «نظرية أفعال الكلام» التي ترى أن بعض العبارات تُنجز أفعالًا بمجرد نطقها ضمن شروطها المؤسسية: الوعد يُنشئ التزامًا، والحكم يُنشئ وضعًا قانونيًا، والعقد يُنشئ علاقة اجتماعية (6). هنا اللغة لا تصف واقعًا سابقًا، بل تُنتج واقعًا جديدًا داخل نظام اجتماعي معيّن.
هذا التصوّر يتعمّق مع علم الاجتماع المعرفي لدى برغر ولوكمان، حيث يُفهم الواقع الاجتماعي بوصفه بناءً تراكميًا لأفعال لغوية وتفاعلات رمزية تتحوّل مع الزمن إلى مؤسسات تبدو موضوعية للأجيال اللاحقة (7). «القانون»، «العملة»، «المنصب»، «الحدود»، كلّها كيانات تقوم على اعتراف لغوي جماعي. اللغة هنا تصنع طبقة كاملة من الوجود: وجودًا اجتماعيًا وقانونيًا ورمزيًا.
على مستوى الإدراك، تُظهر أبحاث النسبية اللغوية أن بنية اللغة تؤثّر في كيفية تقسيم الزمن والمكان والانتباه إلى الفئات، ما يعني أن اللغة تشارك في تشكيل «العالم المُدرَك» لا العالم الفيزيائي فقط (8). وعلى مستوى الهوية، تبيّن نظريات الأداء أن تكرار الخطابات والممارسات اللغوية يُنتج أنماط هوية مستقرة اجتماعيًا (9). هكذا تتكامل الصورة: اللغة تُنشئ واقعًا اجتماعيًا ورمزيًا ومعاشًا، بينما يبقى الخلق الكوني في الرؤية التوحيدية فعلًا إلهيًا متعاليًا عن الخطاب البشري.
ثالثًا: الطلاسم بين العلم والأنطولوجيا — حين يعمل الصوت داخل الاعتقاد
يُستدعى مفهوم «الطلاسم» غالبًا للدلالة على لغة يُتصوَّر أنها تُحدث أثرًا مباشرًا في الوجود. القراءة العلمية والأنطولوجية المعاصرة تبيّن أن الأثر لا يتأتّى من مقاطع لفظية بذاتها، بل من تضافر ثلاثة عناصر: لغة ذات رمزية خاصّة، وصوت مُوقَّع قائم على التكرار والإيقاع، واعتقاد فردي أو جمعي بفعالية الصيغة. علم النفس العصبي يثبت أن التكرار الصوتي والإيقاع يوجّهان الانتباه ويعدّلان الاستجابة الانفعالية والهرمونية، ما يقود إلى أفعال مختلفة، وهذه الأفعال تعيد تشكيل الواقع المحيط (10).
بهذا الفهم، «الطلسُم» يعمل بوصفه منظومة تأثير نفسي-اجتماعي، لا بوصفه خرقًا لقوانين الفيزياء. في الرؤية القرآنية، كلمة الإنسان دعاءٌ وذكرٌ وأمرٌ ونهيٌ وعهدٌ، تعمل داخل عالم المعاني والعلاقات، بينما كلمة الخلق «كن» تُنشئ الوجود من حيث هو وجود. إدخال الموسيقى إلى اللغة يُكثّف هذا العمل الإنساني، لأن الصوت الملحَّن يُضاعف القوة الإنجازية للكلام، فيحوّل المعنى إلى حدثٍ مؤثّر في النفس والجماعة.
خاتمة: نحو أفق لغوي تطوّري
النتيجة التوليدية لهذا المسار تُظهر أن إدخال الصوت والموسيقى إلى اللغة يوسّع أنطولوجيتها، فيجعلها قادرة على إنتاج الواقع الاجتماعي والمعاش بفاعلية أكبر. اللغة تُنشئ طبقات من الوجود عبر أفعال الكلام، وتعيد تشكيل الإدراك والهوية عبر بنيتها، ويُضاعف الصوت الملحَّن هذا الأثر بتنظيم الزمن الداخلي والانفعال. بهذا المعنى، اللغة لا تصنع الكون، لكنها تصنع العالم الذي نعيش فيه داخل الكون.
هذا الأفق يفتح بابًا لمقارنة العربية بغيرها من اللغات. العربية، ببنيتها الجذرية والصرفية وقابليتها للاشتقاق والتعريب، تُظهر قدرة عالية على التطوّر مع الحفاظ على الفطرة الصوتية. الجذر يمنح عمقًا دلاليًا، والصرف يتيح توليد المعاني، والتعريب يسمح باستيعاب الجديد دون فقدان النسق. هذه الخصائص تجعل العربية لغة تطورية تتناسب مع مسار الإنسان، لأن تطوّرها يجري بالتناسق مع الفطرة الإدراكية والصوتية. مستقبل اللغة هنا ليس ذوبانًا في التقنيات، بل تعميقًا للوعي بأن الصوت، حين يُحسن توظيفه، يصبح أداة مشاركة الإنسان في صناعة عالمه، ويغدو الجسر الأمتن بين المعنى والوجود.
وصايا
إذا أردنا أن نحوّل نتائج هذا البحث من تأمّلٍ فلسفي إلى وصايا معرفية موجَّهة للذين ائتُمِنوا على دين الناس من جهات ومراكز أبحاث وحوزات ، فالنصيحة لا تأتي في صورة أوامر إصلاحية مباشرة ابداً، وحاشا ان نجرؤ على ذلك! بل في صورة إعادة توجيه بوصلة: بوصلة النظر إلى اللغة، والصوت، والبيان، بوصفها عناصر تأسيسية في الدين والعقل والإنسان، لا أدوات ثانوية لخدمة الفقه فحسب.
أوّل ما ننصح به هو استعادة مركزية اللغة بوصفها أنطولوجيا لا تقنية. الحوزات تتعامل مع اللغة غالبًا باعتبارها آلة لفهم النص: نحو، صرف، بلاغة، أصول دلالة. هذا ضروري، لكنه غير كافٍ. نتائج هذا البحث تُظهر أن اللغة ليست فقط طريقًا إلى الحكم الشرعي، بل بنية وجودية تُشكّل الوعي الديني نفسه. فالنص لا يُفهَم خارج الصوت، ولا المعنى خارج النبرة، ولا الخطاب الديني خارج موسيقاه الداخلية. من هنا، إدخال “أنطولوجيا اللغة” إلى التفكير الحوزوي يُعيد ربط العلم الديني بجذوره الوجودية: كيف تُنشئ الكلمة إيمانًا؟ كيف يُنتج البيان وجدانًا؟ كيف يتحوّل اللفظ إلى فعلٍ أخلاقي واجتماعي؟
حين نقول: «استعادة مركزية اللغة بوصفها أنطولوجيا لا تقنية» فنحن اذاً لا نقترح تحسين أدوات الشرح، بل نضع شرطًا سابقًا على كل تأويل صحيح. هذا الشرط لا يتعلّق بذكاء المؤوِّل ولا بسعة اطلاعه، بل بطبيعة تصوّره لماهيّة اللغة نفسها.
اللغة حين تُفهَم بوصفها تقنية تصبح وسيلة محايدة: ألفاظ تُفكّك، صيغ تُحلَّل، تراكيب تُرتَّب للوصول إلى الحكم أو المعنى. في هذا التصوّر، اللغة تشبه المفتاح الذي يفتح الباب ثم يُنسى. أمّا حين تُفهَم بوصفها أنطولوجيا، فهي ليست أداة للفهم فقط، بل جزء من الوجود الذي يُفهم. المعنى لا يسكن خلف اللفظ كشيء جاهز، بل يتجلّى من خلاله وبقدره. اللفظ هنا ليس ناقلًا، بل موضع ظهور.
النصيحة الثانية تتعلّق بـ إعادة الاعتبار للصوت والشفاهية في التكوين العلمي والدعوي. التراث الشيعي، خصوصًا في القراءة القرآنية، والمجالس، والخطابة، حافظ تاريخيًا على بُعدٍ صوتي قوي، لكن هذا البعد غالبًا بقي “ممارسة” لا “موضوع وعي علمي”. البحث يبيّن أن الصوت ليس زينة خطابية، بل عنصر يغيّر البنية العصبية والانفعالية للمتلقّي، وبالتالي يغيّر سلوكه وعلاقته بالدين. من هنا، الحوزة مدعوّة إلى أن تدرّس الصوت: نبرة التلاوة، إيقاع الخطاب، موسيقى اللغة العربية، لا بوصفها فنون أداء، بل بوصفها وسائط معرفية تُنتج واقعًا دينيًا واجتماعيًا.
النصيحة الثالثة تمسّ موقف الحوزة من مسألة “الطلاسم” والسحر واللغة المؤثرة. بدل الاكتفاء بالتجريم الفقهي أو النفي العقدي، يفتح البحث أفقًا أكثر نضجًا: فهم كيف تعمل اللغة والصوت والاعتقاد نفسيًا واجتماعيًا. هذا الفهم يُحصّن المجتمع من الخرافة دون أن يُفرغه من البُعد الروحي. الحوزة، حين تفسّر أثر الذكر والدعاء والتلاوة بوصفه أثرًا نفسيًا–وجوديًا–تعبديًا منضبطًا، تُغلق الباب أمام الدجل من جهة، وتمنح المؤمن لغة عقلانية لفهم تجربته الروحية من جهة أخرى.
النصيحة الرابعة تتعلّق بـ تجديد علم الأصول من الداخل اللغوي. كثير من أزمات الخطاب الديني المعاصر تعود إلى اختزال الدلالة في البنية المنطقية، مع إهمال البعد التداولي، الصوتي، والسياقي. نتائج هذا البحث تبيّن أن المعنى لا يولد من اللفظ وحده، بل من طريقة قوله، وزمانه، وسياقه، وأثره في المتلقّي. هذا يدعو الحوزة إلى تطوير أصول فقه أكثر وعيًا بـ “أفعال الكلام”، وبالفرق بين الوصف والإنشاء، وبين الخبر الذي يُخبر، والخطاب الذي يُنشئ واقعًا أخلاقيًا أو اجتماعيًا.
النصيحة الخامسة ذات بُعد استراتيجي: اللغة العربية ليست تراثًا يجب حراسته فقط، بل طاقة تطورية يجب تفعيلها. البحث يثبت أن العربية، بجذورها وصرفها وقابليتها للاشتقاق والتعريب، قادرة على مواكبة تطوّر الإنسان والعلوم دون أن تفقد فطرتها. الحوزة مدعوّة إلى أن تكون مختبرًا حيًا لهذا التطوّر، لا متحفًا لغويًا. تطوير المصطلح، تجديد الخطاب، صياغة مفاهيم أخلاقية وقانونية جديدة بلغة عربية أصيلة، كلّ ذلك جزء من صيانة الدين في عالم متغيّر.
وأخيرًا، النصيحة الأعمق: البيان أمانة وجودية. الكلمة الدينية تصنع واقعًا: تُنتج خوفًا أو طمأنينة، انغلاقًا أو انفتاحًا، عنفًا أو عدلًا. نتائج هذا البحث تذكّر الحوزات بأن الكلمة ليست محايدة، وأن الصوت ليس بريئًا، وأن الخطاب الديني فعلٌ وجودي قبل أن يكون نقلَ حكم. حين تعي الحوزة هذا، تتحوّل من مؤسسة لإنتاج الفتاوى فقط، إلى مدرسة لصناعة الإنسان المتوازن بين العقل، والروح، واللغة.
بهذا المعنى، النصيحة ليست “أضيفوا مادة دراسية جديدة”، بل: غيّروا زاوية النظر. انظروا إلى اللغة لا كخادمة للنص، بل كأفق لظهوره. انظروا إلى الصوت لا كوسيلة إلقاء، بل كقوة تشكيل. وانظروا إلى البيان لا كأداة، بل كمسؤولية وجودية أمام الله والإنسان.
⸻
ملحق المصادر
1. مارتن هايدغر، الوجود والزمان، ترجمة فتحي المسكيني، دار الكتاب الجديد، القسم التمهيدي، ص 33–41.
2. Patel, A., Music, Language, and the Brain, Oxford University Press, 2008, pp. 87–112.
3. Schirmer, A., “Neural Mechanisms of Prosody Processing”, Progress in Brain Research, vol. 156, 2006, pp. 201–220.
4. Thoma, M. et al., “The Effect of Music on the Human Stress Response”, PLOS One, 2013, pp. 1–8.
5. Al-Galal, S. & Alshaikhli, I., “Effects of Listening to Quran on Anxiety”, Journal of Religion and Health, 2017, pp. 1–12.
6. Austin, J. L., How to Do Things with Words, Harvard University Press, 1962, Lectures I–V.
7. Berger, P. & Luckmann, T., The Social Construction of Reality, Anchor Books, 1966, pp. 34–61.
8. Lucy, J., Language Diversity and Thought, Cambridge University Press, 1992, pp. 45–78.
9. Butler, J., Gender Trouble, Routledge, 1990, pp. 25–45.
10. Koelsch, S., Brain and Music, Wiley-Blackwell, 2012, pp. 155–190.
24 مشاهدة
16 ديسمبر, 2025
124 مشاهدة
15 ديسمبر, 2025
238 مشاهدة
11 ديسمبر, 2025