علي عاشور – أوتاوا
ذكرت مصادر شبكة سي بي سي أن أعضاء البرلمان في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم صوتوا لدراسة اقتراح الاعتراف بدولة فلسطينية بأسرع وقت ممكن، وقد يمرر دون احتساب شرط موافقة اسرائيل. كما صرحت المصادر لسي بي سي أن أعضاء اللجنة من الحزب الديمقراطي الجديد وكتلة كيبيك دعموا مقترح الليبراليين، بينما اعترض المحافظون على الاقتراح لعدم توافقه مع موقف كندا الرسمي، والذي يشترط حدوث مفاوضات يتفق على إثرها كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
بارك الخبر الكثير من أفراد ومؤسسات الجالية العربية والإسلامية وداعمي القضية الفلسطنية. بينما اعترض داعمو اسرائيل على الاقتراح الذي قدّمه النائب الليبرالي عمر الغبرا. بعيداً عن جدل الموافقة والمعارضة في الداخل الكندي، يبدو أن الجالية العربية والإسلامية ما زالت لم تنضج سياسياً لقراءة وتحليل الموقف الآني على عدة أصعدة.
ألغى الحزب الديموقراطي الجديد اتفاقية الدعم والثقة مع الحزب الليبرالي بداية شهر سبتمبر بعد سنتين وعدة أشهر من ضمان بقاء الليبراليين في السلطة شرط تمرير وشرعنة بعض المشاريع التي وعد الديموقراطيون الجدد جماهيرهم وداعميهم بسنّها.
بعد إلغاء الاتفاقية مباشرة وجد زعيم حزب المحافظين بيار بوالييف فرصة امكانية الدفع بانتخابات مبكرة، واضعاً في الحسبان ضعف الليبراليين وتقدم حزبه في استطلاعات الرأي خلال السنتين الماضيتين، إضافةً لسخط الشارع الكندي على حكومة جاستن ترودو.
كشفت الحرب على غزة وجه الليبراليين الحقيقي سواءً على مستوى السياسات الخارجية، أو تقديرهم لمصالحهم ومصالح اللوبيات والجماعات الداعمة محلياً – على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. فالحزب الليبرالي سياسي أولاً وأخيراً. وبالتالي يعمل على موازيين القوى التي تضمن له امكانية الاستمرار في الحكم من جانب، وتكريس مصالح الدولة الكندية على المستوى الاقتصادي والأمني من جانب آخر. فالحكومة – أي حكومة- تركتز مهامها على تأمين قاعدين أساسيتين: توفيراقتصاد مستدام ومتوازن، والمحافظة على السيادة والأمن القومي.
وفي منظومة رأسمالية نيوليبرالية ترتكز فيها القوى والنفوذ والمنافسة في السوق العالمي والسيطرة على الموارد وتبادل المنافع التي تحافظ على استدامة الفائدة الاقتصادية، المصالح أهم من الأخلاق وحقوق الإنسان والقانون الدولي - للأسف. وإن لم يكن هذا واضحاً بعد عام من الحرب على غزة وعقود من الاحتلال غير القانوني، ماذا يمكن أن نسمّي امتناع الغالبية الساحقة من الجامعات والبنوك والمؤسسات الكندية عن الافصاح عن استثماراتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
لو افترضنا أن البرلمان الكندي وافق على اقتراح الاعتراف بدولة فلسطينية، ووافق مجلس الشيوخ على ذلك بسرعة، فما العائد الإيجابي على الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة على المدى القريب، أو البعيد؟ وما فائدة هذا الاعتراف إذا لم يتجسد عملياً في سياسات كندا الخارجية؟ الجواب الذي لن يعجب الكثير: لا شيء.
بتعبير آخر، ما دام الاعتراف بدولة فلسطينية لا يتزامن مع سن قوانين تفرض على البنوك والشركات والجامعات والمؤسسات العامة والخاصة إلغاء استثماراتها مع المؤسسات والشركات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة، ولم تفرض الحكومة الكندية عقوبات على الحكومة الاسرائيلية الحالية والشركات المساهمة في الحرب على غزة – وعلى كل الأفراد الذين لن يلتزموا بالسياسات الرسمية- من جهة أخرى، فهو حبرٌ على ورق لا أكثر! فما أكثر الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية واستثماراتها وعقودها مع اسرائيل بالمليارات!
يهدف الليبراليون لتحصيل مكتسبات حزبية وحشد أصوات في الانتخابات القادمة. كما يسعى ترودو إلى تخفيف الغضب المتصاعد عليه وعلى حكومته والخروج من المعادلة بصورة القائد الإنساني. عدم استعداد الليبراليين بقيادة ترودو لانتخابات مبكرة، وعدم ضمان تحسين موقعهم في حال تمكنوا من الصمود والمناورة حتى موعد الانتخابات العام القادم، يدفعهم للّعب بورقة العاطفة مع المسلمين والعرب عن طريق تقديم نائب ليبرالي مسلم مقترح الاعتراف بدولة فلسطينية . فطالما ضمنت لهم هذه الورقة تحصيل آلاف الأصوات في العقدين الأخيرين.
الأسئلة التي يجب على الجاليات العربية والإسلامية وداعمي القضية الفلسطينية طرحها، ماذا نريد؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ ما دورنا الحقيقي في الانتخابات القادمة؟ هل نحن فعلاً كتلة – أو جماعات - مؤثرة؟ هل نحن كتلة من الأساس؟
طالما لم تشكّل هذه الجماعات كتلة سياسية موحّدة تفرض مطالباتها ضمن عمل سياسي ديموقراطي منظّم له أهدافه الواضحة والمعلنة، وله أثره الملموس، عمل يتماهى ويتوافق ويتفاعل مع مبادئ المجتمع الديموقراطي وآلياته، ستبقى أصواتهم الغاضبة في المظاهرات – رغم عنفوانها الأخلاقي والإنساني – مجرّد عملية ضغط شعبي غير موجّهة.
*صورة المادة الخبرية من موقع freepik لأغراض توضيحية.
117 مشاهدة
26 سبتمبر, 2024
86 مشاهدة
08 نوفمبر, 2023