Sadaonline

حفل التكليف السنوي في مونتريال.. انطلاقة الفتيات في رحلة الحرية



دارين حوماني ـ موقع صدى اونلاين

"سمو واقتدار" عنوان حفل التكليف السنوي لتكريم الفتيات اللواتي تتوّجن بالحجاب هذا العام، وقد أقيم على مسرح "ماري فيكتوران" في مونتريال مساء أمس، مع حضور حاشد للجالية اللبنانية. والحفل من تنظيم المجمّع الإسلامي في مونتريال، مع جهد لافت من الجيل الجديد، من شبّان وشابات المجّمع، الذين أبدوا حماسةً واندفاعًا لترسيخ القيم الإسلامية وتكريسها في مونتريال، وفي إنجاح الحفل على كافة الأصعدة.


الفتيات المكلّفات

والفتيات المكلّفات، وعددهن 34، هنّ: تيا برجي، مروة مهدي، نور ترحيني، ألين فارس، فاطمة الزهراء فنيش، ريحانة جواد، جنى حجيج، ياسيمنا صبح، ليليا حمود، طيبا ياسين، فاطمة ترحيني، زهراء قبيسي، ريحانة صبح، ملاك مواسي، سارة حريري، زينب سمّور، سيلا رميح، زينب العواضي، زهراء ضاوي، إيلينا المُقلي، ملك ناصر، رنا مواسي، ليا حسين، ليا خنافر، ألين عواضة، فاطمة الشامي، تيماء عطوي، رقية غدار، ليال موسى، طيبا سلامة، حوراء مشلب، بتول عباس، ريحانة غريب، سيرينا قاسم.  

المكلفة تيماء عطوي
"ها أنا اليوم جئتكم بفرح السماء ومعي رفيقاتي المكلّفات لنحلّق معًا في فضاء الطاعة الإلهية كسرب زينبيّ يُنشد الحرية التي رسمها لنا وارث الأنبياء محمد (ص)، وجسّدتها عطرة الطاهرة من آل محمد. جئنا اليوم، وحجابنا سموّ واقتدار، نسمو به في مراتب الإنسانية ونزداد به قدرة على نصرة الحق ورفع الصوت دفاعًا عن المستضعفين، لنا في ذلك أسوة بمولاتنا فاطمة (ع) وابنتها ملهمة الثوار زينب (ع)..." هي كلمات ألقتها تيماء عطوي، إحدى الفتيات المشاركات بالتكليف في الحفل الذي تميّز بعدد من الفقرات واللوحات التي تأخذنا الواحدة تلو الأخرى، وجهًا لوجه مع أضواء صغيرة تسيل إلى قلوبنا، من نشيد المجمّع الاحتفائي بالفتيات، إلى شريط مصوّر مؤثّر تظهر الفتيات فيه بعمر الطفولة ثم لحظة التكليف،


ثم خروج الفتيات الواحد تلو الأخرى إلى المسرح لنكون أمام لوحة لإعلاء الجمال والبراءة والصفاء فوق كل اعتبار إنساني آخر، مشهديات تخرج من عاديّتها، لتتحوّل الفتيات في الفضاء المسرحي إلى أميرات تسبحن بشاعريّة وحرية فوق بحيرات هادئة.


مسرحية "رحلتي إلى الحرية"

وتَبِع كل ذلك مسرحية "رحلتي إلى الحرية" التي رسمت مسارات شغفنا الإنساني بفلسطين، ورسمت حدودًا للحرية، انطلاقًا من فلسطين.
هي مسرحية تحكي عن طالبة جامعية محجّبة في كندا لا تحب حجابها، وقد طُلب منها في الجامعة كتابة بحث عن حرية المرأة. وفي سعيها لإنجاز البحث مع إحدى صديقاتها فتشت في مواقع وصفحات تحرّر المرأة الموجّهة إلى نساء الشرق خاصة، للتحرّر من الحجاب، على أنه تكريس للحرية. تتحضّر عائلة هذه الطالبة للسفر إلى لبنان، لكن يتم تأجيل الرحلة في اللحظة الأخيرة بسبب الحرب في غزة ولبنان. مشهديات متعدّدة تمزج الكوميديا الهادئة بالحضور الصادق للممثلين مع سينوغرافيا تتبدّل مع تبدّل المشهديات، الطالبتان في مكتبة الجامعة، العائلة في غرفة الجلوس مع حقائب السفر وفي الخلفية لوحة "أهل هذا البيت ينتظرون صاحب الزمان (ع)" في إشارة إلى الحضور الديني للعائلة، على عكس ابنتهم التي ترغب بالتخلص من حجابها، ثم نصير داخل غزة تحت الخراب، إذ ستنام تلك الطالبة على وقع خبر الحرب على غزة، فترى نفسها هناك وسط السواد والموت والضحايا، بين أمهات يحملن أطفالهنّ شهداء، وأمهات تسيل الدماء من أيديهن، ومبانٍ مدمّرة تشي بعالم ديستوبي لا يشبه الواقع، لكنه الواقع نفسه، ولشدة واقعيّته تحكي المشهديات أكثر من واقعيّتها؛ منام يتحول إلى استعارة لموت سائل فينا، له ظله فينا، وسيوقظ الفتاة من أحلامها بالتحرّر، لتتحول غزة إلى شهادة لرفض مفاهيم الحرية التي يعتنقها أصحاب تلك المواقع المتخصصة بتحرّر المرأة وحمايتها من العنف؛ فهذه الطالبة سترسل طلبًا إلى إحدى تلك المواقع لإطلاق حملة من أجل تحرير المرأة الفلسطينية من عنف الاحتلال ومن عذاباتها، لكن طلبها يجابه بالرفض، فهم لا يتدخلون في مثل هذه الشؤون السياسية. تقول الطالبة: "أطفال ونسوان عم ينقتلوا، مين بدو يحميهم، مش على أساس هول المواقع لحماية المرأة من العنف، بدن أكتر من هيك عنف.. أنا مصدومة، مش عم صدّق، كنت فكر إنو للي بيطالبوا بحرية المرأة وحمايتها من العنف هني للي بيبقوا حدّها بكل الظروف، معقول قيمة الإنسان بتتغيّر حسب وين بكون..".     

"لطالما كانت الحرية قيمة يطالب فيها كل الناس، ويمكن لكلمة حرية أن يكون لها معانٍ مختلفة، والبعض أخذ على عاتقه أن يعلّم الناس كيف يكونون أحرارًا، وبحسب مفهوم الحرية فقد كان هؤلاء يشوّهون تعاليم وقيم فرضتها الأديان. في فلسطين، الحرية لها مفهوم خاص، حرية المرأة بفلسطين هي نموذج للحرية التي كرّسها الإسلام ورفع فيها من شأنها، الحرية التي تُظهِر المرأة الإنسانة المطيعة والرافضة للقهر والاحتلال، الحرية التي تعطيها القوة لكي تبقى متمسكة بأعظم صوت بأصعب الظروف، حتى لو حاول المحتل أن يجرّدها منه في لحظات الخوف والترهيب. الحرية التي تجعلها ترفض الاستسلام لتبقى فلسطين وعاصمتها القدس حرة"، بهذه الكلمات ستبدأ هذه الطالبة بحثها الجامعي من جديد، مع تبدّل مفاهيمها للحرية وللعالم على إيقاع الموت في غزة وعلى إيقاع صمت العالم "المتحرّر". والمسرحية من إنتاج المجمّع الإسلامي في مونتريال، وأداء: "ياسمينة بحسون، علي سمحات، فاطمة فرحات، خديجة شمس الدين، إسماعيل بحسون، حسن مواسي، علي فرحات، سارة صعب، زينب صعب، مريم سمحات، ملاك سبيتي، سيرين عواضة، بيان خليل، ألين عواضة، ومحمد الريحاني".  


الشيخ علي السبيتي

تخلّل الحفل كلمة إمام المجمّع الإسلامي الشيخ علي سبيتي، وجّه فيها تحية إلى أمهات الشبّان والشابات الممتلئين حماسة لتكريس لقيم الإسلامية، وممّا قال: "في أقصى شمال القارة الأميركية باعدت بينهم البحار والمحيطات لكن لم تباعد بين قلوبهم وأرواحهم وإمام زمانهم إلا المحبة والولاء والعطاء"، ومشبّهًا بين الرحلة الاغترابية إلى شمال القارة الأميركية وبين الرحلة الاغترابية للسيدة فاطمة المعصومة من المدينة المنورة إلى مدينة مشهد لترى أخيها الإمام علي بن موسى الرضا (ع) بعد أن كانت الصعوبات، من ظلم واضطهاد وسجن التي واجهها بيت أهل النبوة، سببًا في هجرتهم إلى بلاد الله الواسعة، لكن السيدة المعصومة توفيت في مدينة قم قبل أن تصل إلى أخيها. كما تخلّل الحفل كلمة الناشطة زهراء السيد علي عن تجربتها في العمل لأجل فلسطين في مونتريال، وشرائط مصوّرة عن اللقاءات التربوية والفقهية مع الفتيات خلال الفترة التحضيرية للحفل.

جنان زهري

وكانت الناشطة جنان زهري قد قدّمت للحفل ومما قالت: "أثبتت جاليتنا الإسلامية أن فتياتنا المحجّبات اللواتي ولدن وترعرعن في بلاد الاغتراب قد قدّمن أنموذج الفتاة المسلمة الحرّة التي تخرج بحجابها من دائرة التنميط إلى فضاء الإنسانية لتنصر قضايا الحق وتُطلق الصوت عاليًا ضد القهر والظلم"؛


زهراء السيد علي
وكانت كلمة للشابة زهراء السيد علي عن تجربتها مع الحجاب 

آراء مشاركات في الحفل

وقد قمنا باستطلاع آراء عدد من الحاضرين في الحفل عن أهمية مثل هذه المشاريع الاحتفالية لفتيات الجالية، وعن مدى صعوبة الحجاب على الفتيات المحجبّات في مونتريال وفي بلاد الاغتراب؛ ردّت دعاء حسن، والدة إحدى الفتيات المشاركات في حفل التكريم، "إن هذه الاحتفالات في الاغتراب أكبر وأهم منها في لبنان، لكي تشعر بناتنا بانتماء للجالية وللجو الديني والإسلامي، ولكي تشعر الفتيات عندما يتكلّفن بعزّ وافتخار أنهن ارتدين الحجاب، وهذا الاحتفال سيُشعرهن بتقديرنا لهنّ وشعورنا بقيمة هذه الخطوة التي يُقدمن عليها. هو احتفال تشجيعي وتقديري للفتيات وهنّ يرين هذا الحضور الكبير الذي أتى لتكريمهن ومباركتهن. أشكر كل الذين عملوا بجهد من أجل بناتنا ومن أجل هذا الحفل؛ نحن كأهالي لم نفعل شيئًا سوى إيصال الفتيات إلى المجمّع، أما التعب والجهد الحقيقي كان على عاتق الأخوات والإخوان هناك". وعن الخوف من تعرّض الفتيات لأي مضايقات في ظل العنصرية المتزايدة في الغرب ومن ضمنها كندا، قالت "ارتديت الحجاب في التاسعة من عمري، كنتُ هنا في مونتريال، عانيتُ ولكن ابنتي ستعاني أكثر، لذلك يجب أن تُقام مثل هذه التجمّعات والاحتفالات لتقويتهن أمام ما يمكن أن يواجههنه. التعصّب تجاه الحجاب ازداد كثيرًا عن ذي قبل، ولكن في نفس الوقت، جاليتنا أصبحت أقوى وأقرب لبعضها، وقادرة أن تواجه هذه الصعوبات بقوة أكبر، وبفخر أكبر، وبطرق أفضل".

وقالت حنين بحسون التي أتت للحفل لتشجيع إحدى الفتيات المشاركات: "إن هذا المشروع مهم جدًا كي تشعر الفتيات أن ما يقمن به خطوة جيدة ومهمة، ولكي يشعرن بالدعم، ليس فقط من المحيطين بها من عائلتها، بل من الجالية كلها. وأضافت "ارتديت الحجاب منذ فترة قصيرة، ولكن وجودنا ضمن هذه الجالية لا يجعلنا نشعر بأننا غرباء".

وعلّقت سماح عصفور، والدة إحدى الفتيات المكلّفات ضمن الحفل، إن الغربة التي نعيش فيها تجعل مثل هذه الاحتفالات والتجمّعات مهمة جدًا لفتياتنا، نعيش في مجتمع مختلف عن مجتمعنا في لبنان، وتحتاج فتياتنا لهذا التشجيع والشعور بالانتماء. وقد شكر والد الفتاة القيّمين على الحفل الذين أبدوا جهدًا ملحوظًا وقال "نرفع رؤوسنا بهم ونرفع رؤوسنا ببناتنا".

لا شك أن أهمية هذه الفعاليات هي في الاحتكاك النفسي مع مدننا وأشيائنا التي تركناها في بيروت. إن هذه الفعاليات تدفعنا للشعور بالانتماء في عالم يحترق بعنصريّته بديلًا عن المحبة التي يُفترض أن تكون هي اللغة التواصلية لأمكنة الاغتراب معنا، نحن المشبوكون بذاكرتنا وقِيمنا وبفلسطين الحرّة. 

 

الكلمات الدالة