بعد أن صدرت أوامر لآلاف السكان في بلدية وُود بوفالو الإقليمية، التي تضمّ مدينة فورت ماكموري، بمغادرة منازلهم مع استمرار اقتراب حريق الغابات من المدينة من الجهة الجنوبية الغربية، قام موقع "صدى أونلاين" بإجراء مقابلة مع السيد نزار محمد عبد الله كاظم وهو مهندس مدني متخصص في السدود المائية، وموظف في احدى شركات النفط العاملة في المنطقة التي تشهد حرائق ايضًا، كما أنَّه ناشط في العمل الاجتماعي وفي جمعية الامام المهدي (ع) .تحدثنا معه لنطمئن على حال الجالية في المنطقة وأين أصبحت رقعة النيران.
نبدأ معك سيد نزار بالحديث عن وضع الحريق، أين أصبح وهل هو تحت السيطرة؟
الحريق في فورت ماكموري عمليًا تحت السيطرة، لأنّه في الفترة التي مرّت شهدنا تساقط للأمطار (٤٠ ملم حتى اليوم)، وحرارة منخفضة ورطوبة عالية، وهذه كلها عوامل ساهمت وساعدت رجال الإطفاء في أعمال المكافحة والسيطرة على الحريق الذي ما زال بعيداً عن المدينة لحوالي 5 كيلومترات أو عن طرف المدينة (الجنوبي ) بالتحديد، وبعيداً عن مطمر النفايات الموجود في المدينة بحوالي 4 كليو متر ونصف، والذي يشكل خطورة بحيث إذا وصلت النيران إليه ستحرق المواد الضارة والسامة الموجودة فيه، أمّا باقي الحريق في الغابة فهو حريق الأشجار والأرض والذي يسبب تدهور في جودة الهواء.
ما زالت عمليات الإطفاء مستمرة على مدار الساعة، بواسطة ما يزيد عن ١٧٠ رجل إطفاء مدعّمين بالآليات والمعدات والطائرات ومنها الهليكوبتر المجهز للعمل ليلاً، فضلاً عن بناء الحواجز وعوازل بين الغابة وبين عدد من النقاط الأساسية وهي الطريق السريع 63 والمطمر والمدينة.
يقال إنّ حريق الغابات الذي يهدد فورت ماكموري حالياً هو مختلف عن حريق الغابات الذي قضى على أجزاء من المدينة عام 2016، ما هو وجه الاختلاف برأيك؟
إن الحريق السابق في عام 2016 يُصنّف على أنّه "كراون فاير"، أي يبدأ من الجزء العلوي للأشجار حتى قممها، وبما أننا نتحدث عن غابات صنوبرية، فإن هذه النوعية من الأشجار عندما تسخن وتحترق فإن الزيوت التي تحتويها تتسبب بانتشار النيران في محيطها بسرعة مدفوعة بسرعة الرياح واتجاهاتها لتحرق كل شيء فوق الأرض، وارتفاعات النيران تكون شاهقة، وبالتالي من الاستحالة السيطرة عليها من العمليات الأرضية، وتتم مكافحتها من الجو حيث يكون هناك تحديات هائلة في محاولات السيطرة عليها. بينما الحريق اليوم وحسب تقييم رجال الإطفاء فهو يُصنّف على أنّه "جراوند فاير" أي حريق الطبقة السفلية، الذي يتكون من الأشجار الصغيرة التي نمت في ظل الغابة و مع مرور السنين وتغيير الأشجار لحائها تتكون عدة طبقات على الأرض تمتد لأمتار أحيانا، هذه الطبقات عند احتراقها يخرج منها كمية كبيرة من الدخان الكثيف الذي يتحرك مع النار في إتجاه الرياح وهذه يمكن مكافحتها على الأرض بفعاليّة مع الأعمال الجويّة ، وتستخدم فيها الجرافات وخراطيم مياه والإحراق المعاكس وغيرها من الأدوات والوسائل التي تستخدم في مكافحة مثل هذه الحرائق وبالتالي أفترض أن هذه المرة فرص السيطرة على الحريق ممكنة بنسب أعلى.
هل اتخذت سلطة المقاطعة الاحتياطات اللازمة لحماية الناس ومكافحة الحرائق بالنظر إلى تجربة حريق عام 2016؟
بالنسبه لبلدية فورت ماكموري، كانت قد أفادت أنّ تحضيرات موسم الحرائق بدأ قبل موعده بأيام قليلة و أنَّ هناك احتياطات وإجراءات وتطبيقات إضافية منها استِخدام النظام الجديد لعمليات مكافحة الكوارث الطبيعية وعمليات الاطفاء وهذا النظام هو عبارة عن عملية تحديد المسؤوليات و توحيد المقاربات بين المقاطعة والمدينة والشركات العاملة في المنطقة، الأمر الذي يُنتج توافق في التقييم ومعالجة ومواجهة الخطر، وهو نظام يدعى incident command system ويعتبر تطبيقه واحد من النتائج المستفادة من تجربة الحرائق السابقة، التي خرجوا منها، لتفادي ما جرى سابقا عندما كان هناك نوع من التضارب في المسؤوليات و مقاربة ومواجهة الحريق لا سيما اوامر الاخلاء. أمّا من ناحية التجهيزات فشهدنا على تجهيزات أفضل من السابق، الأمر ينسحب أيضا على سرعة الاستجابة، حتى في عملية الاخلاء بحد ذاتها، كانت سريعة لتأمين أوّل منطقة قريبة الى الحريق حيث قاموا باخراج السكان في وقت مناسب كي تسهل عمليات الاطفاء ومكافحة الحرائق.
وأشير أيضاً، إلى أنه في الحريق الماضي عام 2016 كنت من الناس الذين سافروا خلاله للعمل شمال منطقة الحريق وتسنى لي رؤية حجم الحريق ومساحته وظهر أن كل محيط المدينة عمليا وأجزاء منها يكتسي اللون الاسود، اعتقد أنهم حينها استطاعوا ان يحموا المدينة بنسبة كبيرة رغم ان حوالي 2500 منزل قد احترقوا او اتلفوا من خلال عمليات المكافحة و بناء الحواجز لحماية المباني والممتلكات بعد ان تم إخلاء جميع السكان البالغ عددهم ما يقرب ٨٠ الفاً وقتها. أمّا الآن فإن بداية الحريق وتمدّده لم يطل الاماكن التي احترقت كلياً في المرة الماضية من خلال ما يبدو من مقارنة سريعة بين الحريق السابق والحريق الحالي و الذي تظهره الخرائط الجويه والصور المتوافرة وحتى التطبيقات المخصصة لذلك.
كيف تصف لنا وضع الجالية ومدى تأثرها بالحريق ؟
بالنسبة إلى وضع الجالية تحديدًا في المنطقة التي طلبت السلطات اخلاءها، فإنّ حضور الجالية خفيف كون ارتكازها القوي هو في قلب المدينة.
وبسبب التجارب السابقة سواء مع الحريق الاوّل ٢٠١٦ أو مع الفيضان في عام 2021 وشعور الناس أن استجابة السلطات مع أزمتهم كان بطيئاً عمليًا، تشكّلت أزمة ثقة مع عدد من الناس في المدينة، ما حدا ببعضهم أن يأخذوا على عاتقهم قرار أن يخرجوا من منازلهم قبل أن يصدر أمر سلطات المنطقة للذين يعيشون تحديدا في قلب المدينة.
الاخلاء الذي تم تنفيذه حتى الساعة كان على مستوى ثلاث او اربع مناطق يسكنها حوالي ٦٦٠٠ مواطن وهم الذين يعيشون في الجزء الجنوبي الشرقي والغربي لأوتوستراد ٦٣ من المدينة، وهي منطقة قريبة من الحرائق، بينما في قلب المدينة حيث هناك ارتكاز لابناء الجالية كان هناك انذار بالاخلاء ولم يصدر امر بالإخلاء.
بعض العائلات، وفقا لمعطياتها وأوضاعها، قررت أن تخرج كشكل من أشكال الاجراءات الاحترازية لحماية أفرادها، فضلا عن أن بعض العائلات بسبب كثافة الدخان قرروا الخروج تفاديًا لما قد يسببه الدخان من أضرار مزعجة خاصة للاطفال والاشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية. هذا الواقع دفع بعض من ابناء الجالية الى الخروج باليوم نفسه الذي تمت فيه اجراءات الاخلاء للسكان في المناطق القريبة من الحريق.
نستطيع ان نستنتج من حديثكم أن الجالية العربية والاسلامية قد خرجت وحدها دون أمر إخلاء ما يعني أنّ هذه العائلات لم تتلق أي مساعدة من أي جهة خاصة سلطة المدينة؟
كان هناك مراكز إيواء قريبة من المدن المتضررة من الحرائق، مخصصة لاستقبال العائلات التي شملها قرار الإخلاء. وكانت الشرطة قد نبهّت في هذا السياق أنّ العائلات القريبة من الحرائق لها اولوية الخروج من المدينة ولذا اغلقوا بعض منافذ المدينة وأشاروا إلى أنّ الذين سيستفيدون من خدمات مراكز الايواء والمساعدات هم العائلات التي تمت دعوتها إلى الإخلاء، خاصة أن مغادرة عدد من العائلات سبب زحمة سير خانقة وساعات طويلة على الطرقات . وبالتالي عائلات الجالية التي كما ذكرت، لها تجارب مريرة مع الحوادث السابقة، أو تلك التي لها أسبابها الصحية والخاصة غادرت لأيام قليلة وعادت جميعها إلى منازلها.
هل من الممكن تزويدنا بمعلومات عامة عن الجالية ووجودها وعددها وتنوعها من لبنانيين وغيرهم؟
رغم أني لا أملك فكرة دقيقة عن الأرقام، إلاّ أنني أعلم أن الجالية اللبنانية في فورت ماكموري هي قديمة الوجود في المدينة منذ السبعينيات.
اللبنانيون، سيما من هم من منطقة البقاع، في فورت ماكموري وجودهم يعود الى السبعينيات. وفي تسعينيات القرن الماضي بدأ وصول عدد من العائلات الجنوبية, و التي أنا على تماس معها أكثر من بقية اللبنانيين أو الجالية العربية
وكذلك المتنوعة بحضورها بين اللبناني والفلسطيني والجزائري والمغربي وغيرها....
ماذا عن التعويض هل لديكم أي فكرة حول هذا الموضوع؟
التعويضات تبدأ في اجراءات الإيواء وتأمين الطعام والدواء لمن يحتاج و يشملهم أمر الإخلاء، وأظن أنّ ما بين 2500 الى 3000 شخص قاموا بالتسجيل من أصل 6600 شخص، وعندما تقع الأضرار لا سمح الله حينها سيتم الحديث عن تعويضات، لأنه حتى الساعة المدينة لم تتضرر مباشرة بفعل الحرائق.
هل هناك اي شيء تريدون إضافته في هذا السياق؟
نعم هناك نقطة هامة أحب أن اتحدث عنها، وهي أن القيمين على الجالية اللبنانية في إدمنتون وفي كالغاري، كانوا قد أشاروا إلى أنّهم جاهزون للمساعدة وبيوتهم مفتوحة لأبناء الجالية في هذا المجال، ولكن كما قلنا حركة النزوح لم تكن كبيرة، وبالتالي نتحدث عن عدد محدود وفي نفس الوقت العائلات التي خرجت ووجدت أن الوضع آمن سرعان ما عادت.
كما أريد أن ألفت النظر إلى أنّه خلال مكافحة الحريق من الجهة الجنوبيّة، ظهر حريق آخر في شمال المدينة عند الطريق السريع 63 وهو واحد من الحرائق التي تطرح علامات استفهام كبيرة حول طريقة اندلاعها وأسبابها. هذا الحريق تمت السيطرة عليه بشكل كبير وسريع ومن خلال الصور التي تم إرسالها من قبل أبناء الجالية، لاحظنا وجود طائرتين أو ثلاثة، وهذه الطائرات من الهليكوبتر ومن قاذفات المواد الإطفائية، يا حبذا لو يتعاملوا مع كل حريق قريب للمدن والقرى بتلك السرعة وعلى مدار الـ٢٤ ساعة لحماية الناس والممتلكات ويبقى الأساس في مراقبة الغابات والإبلاغ عن أي حريق في بدايته ثم مكافحته بالسرعة الكافية والمعدات اللازمة خير وسيلة في منع امتداده.
المهندس نزار كاظم لـ "صدى أونلاين" : الحريق في فورت ماكموري بعيد عن أبناء الجالية واندلاعه يثير علامات استفهام
الكلمات الدالة
154 مشاهدة
05 ديسمبر, 2024
287 مشاهدة
03 ديسمبر, 2024
246 مشاهدة
01 ديسمبر, 2024