Sadaonline

عن الجفاء أتحدّث!

أتراك في "غزّة" الجريحة تمسح على رأس يتيم وتشدّ أزر المستضعفين بالصّبر؟

عباس النمر ـ مونتريال 

لا يختلف حالي في هذه الأيّام عن حال بقيّتنا حيث أقضي معظم الوقت المتاح على تصفّح المواقع الإخباريّة ووسائل التّواصل الاجتماعيّ. لا أخفي عنكم أنّي في قرارة نفسي أبدو كمن يبحث أو ينتظر شيئاً لا يعرف ما هو، كمن يتمنّى أن يقرأ خبراً عن نصرٍ ما أو عملٍ بطوليٍّ جديدٍ يرفع المعنويّات، في ظلّ الكمّ الهائل من التّضحيات والشّهداء المدنيِّين الأبرياء الّذين يتساقطون في كلِّ يومٍ بل قُلْ في كلِّ ساعةٍ أو أقلّ من ذلك.

ولكن الصّور والمرئيّات الّتي تأتينا من موقع الحدث في أرض العزّة تُنْبِئُنا بالواقع المرير الذي يعيشه المدنيّون هناك في شهر رمضان المبارك، حيث يحاصرهم مَنْ يُفترَض أن يكون الصّديق قبل العدوّ. وتَكثر مشاهد الأطفال اليتامى المساكين الّذين فقدوا آباءهم وأمّهاتهم، فإذا بابنة السّتّ والسّبع سنوات أصبحت مسؤولة عن أختها أو أخيها ذي الثّلاث أو الأربع. ويعتصر الفؤاد ألماً على مشاهد طوابير المدنيِّين ينتظرون أدوارهم لِمِلْء قصعة أرز تندر فيه قطع اللّحم والأطفال يتجمّعون بينهم وهم يحملون الأواني وكلّ ما يمكن أن يحملوا فيه بعضاً من الطّعام.

أمام هول المشهد وقسوة هذه الدّنيا الفانية على الأبرياء، يتبادر إلى الذّهن ما أخبرنا به "رسول اللّه" (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، "فهل تداعت علينا الأمم كما تتداعى الأَكَلةُ على قصعتها؟"، أم أنّ هنالك بعض الأمم الّتي لم تتداعى علينا بعد؟ وهل أصبحنا حقّاً "كغثاء السّيل" أم أنّ هناك نصيباً أكبر من الهوان ما زال ينتظرنا؟ وهل هي هي؟ هل ملأ الظّالمون هذه الدّنيا ظلماً وجوراً؟ أم أنّهم لم يُنجزوا مهمّتهم بعد عن آخرها؟

الأسئلة كثيرة ولكنّ واقع الحال أنّا لا نملك ما ندفع به إلا الدّعاء والمواكبة الإعلاميّة و في أحسن الحالات المشاركة في المسيرات الاحتجاجيّة. هذا الشّعور بالعجز القاتل لا يمكن تخطّيه بسهولة وخاصّة أنّ مشاهد الأيتام تتركه دائماً حاضراً نصب أعيننا.

ونحن نطوي أيّام الشّهر الفضيل، استوقفتني فكرة على علاقة بصاحب الذّكرى الذي يفارقنا قريباً في ليالي القدر. أوليس "أمير المؤمنين" (عليه السّلام) هو كافل الأيتام؟ فما أشبه اليوم بالأمس ونحن نشاهد اليتامى وهم يحملون قِصَاعهم، وهم في الماضي حملوها إليك باللّبن ووقفوا على بابك متأمّلين أن يخفّفوا حرارة السّمّ الّذي يسري في جسدك الشّريف. واغرورقت عيناي بالدّموع حين تساءلت في قرارة نفسي بعفويّة "فَمَنْ لهؤلاء الأيتام من بعدك يا أبا الحسن؟" 

وهنا راودني شعور صادم كأنّي كنت نائماً وفجأة انتبهت من غفلتي. فهل نسيتُ لوهلة صاحب العزاء والمصيبة في هذا الشّهر الفضيل؟ ودارت بي أفكاري، ألا يشاهدُ إمامنا "المهديّ" (عليه السّلام) مأساة الأيتام معنا؟ ألا تُذكِّره معاناتهم بمصاب جدّه "أمير المؤمنين" (عليه السّلام) فتزيد عليه ألم المصاب؟ ومشاهد البيوت المدمّرة فوق رؤوس أصحابها، ألا تُذكِّره بحرق الخيام وفرار نساء الرّسالة وأيتام جدّه "الحسين" (عليه السّلام) هائمين على وجوههم في الصّحراء؟ أليس انتظار الفرج أفضل الأعمال؟ فكيف أسأل "مَنْ للأيتام؟" وهو حاضرٌ فينا؟ فتراجعت نادما، سيّدي يا "صاحب الزّمان" منكم ألتمس العذر، فما أجفى قلوبنا. 

سيّدي، عندما أرى الجياع الصّائمين لا يجدون ما يسدّون به رمقهم عند الإفطار، أتحسّر ليتني أعرف ما هو طعام إفطارك. سيّدي، أين أنتَ في هذه الأيّام في ذكرى شهادة جدّك "أمير المؤمنين" (عليه السّلام)؟ أتراك في "غزّة" الجريحة تمسح على رأس يتيم وتشدّ أزر المستضعفين بالصّبر؟ أم في جنوبنا الصّامد تبشّر الشّهداء بالجنّة والنّصر؟ أم في الثغور مع المجاهدين "تكثّرُ عدّتهم" و "تشحذُ أسلحتهم"؟ أتراك تشدّ الرّحال إلى "المدينة" معزّياً؟ أم تقف في "النّجف" حزيناً تستقبل المعزّين والزّوّار؟ سيّدي، أنتَ وعدنا الصّادق وأمل المؤمنين والمستضعفين بالنّصر، وقد بدأنا نستشعر حلاوة الفرج الموعود على يدَيْك في قلوبنا. ولكن غفلتنا قد تُنسينا حجم التّضحيات المطلوبة على هذا الطّريق، وهول الشدّائد الملقاة على عاتقك حتى تَحقّق الوعد الإلهيّ وانتشار القسط والعدل في أرجاء المعمورة. سيّدي، ألتمس منكم العذر مجدّدا، وأتوجّه إليكم بأسمى آيات العزاء في ذكرى استشهاد جدّك "أمير المؤمنين" و"مولى الموحّدين"، الإمام "علي بن أبي طالب" (صلوات اللّه وسلامه عليه).

*تم استخدام صورة غلاف هذه المقالة منFreepik  لأغراض توضيحية فقط

الكلمات الدالة