Sadaonline

الانتخابات الفرنسية : مشهد سياسي نادر يستحق الاهتمام !

الانتخابات الفرنسية : مشهد سياسي نادر يستحق الاهتمام !

سامر مجذوب*


المقامرة السياسية 
اوقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فرنسا في مفاجأة سياسية مدوية في دعوته الى انتخابات برلمانية مبكرة على اثر تقدم الذي احرزته ما يطلق عليه اقصى اليمين الفرنسي برئاسة ماري لوبن في انتخابات البرلمان الاوروبي.  فكان ان دعى الرئيس الفرنسي الى حل الجمعية العامة، ٥٧٧ مقعداً، والى انتخابات برلمانية و الذي لامه الكثيرون على هذه الدعوة و خصوصا مع كثافة إحصائيات الرأي التي اعطت تيار ماري لوبن، الجبهة الوطنية ،التوقعات بفوز ساحق .

نتائج الدورة الاولى وطوفان الخوف 
اتت نتائج الدورة الاولى بتقدم تاريخي لتيار اقصى اليمين و التي اثارت طوفان "الخوف" و القلق الشديد الذي اجتاح المشهد السياسي و الاعلامي الفرنسي والاوروبي على وجه الخصوص والعالمي بشكل عام . وانبرت اقلام المحللين حول ابعاد احتمال قيادة فرنسا من قبل ماري لوبان و حلفائها بالجبهة الوطنية واثاره ليس محليا في فرنسا وحسب انما فيما يليه في اوروبا الغربية على وجه الخصوص . معظم هذه الاقلام شاركت في نشر المشهد السياسي القاتم الذي سوف تشهده فرنسا المضطربة اجتماعيًا واقتصاديا منذ فترة . اضافة الى ابعاده الدولية والاقليمية ايضا .


نتائج الدورة الاولى : مشهد سياسي نادر و فعالية قوى المجتمع المدني
كان المشهد السياسي النادر مفاجئا، حتى للمتابعين، مع ظهور بوادره بعد اعلان نتائج الدورة الاولى للانتخابات والتوقعات بزلزال سياسي يصيب فرنسا، اذ تنادت القوى التيارات السياسية المختلفة ، حتى المتناقضة فيما بينها ايديولوجيا و سياسيًا حتى نخاع ، للعمل المشترك و التحالفات الانتخابية التكتيكية بهدف واحد وهو عرقلة حصول الجبهة الوطنية على مقاعد كافية في البرلمان تتيح لها تشكيل حكومة جديدة. و كان انسحاب ما يزيد عن 210 مرشح من التيارات المتنوعة في داوئر انتخابية تشتد فيها المنافسة امام مرشح اقصى اليمين ، كي لا يستفيد مرشح الجبهة الوطنية من انقسام الاصوات و الفوز في مقاعد المجلس الوطني. 
اتى هذا التطور الى قلب المعادلة بشكلٍ دراماتيكي ليس من العادة رؤيته في مسرح السياسي . اذ ليس من تقاليد العمل العام ان نرى التضحية بالحسابات الحزبية الضيقة في كثير من الاحيان. اضف الى ذلك ان تقبل المرشحين الانسحاب لمصلحة اخرين ليس بالهين من حيث بعض النفوس التي تطمح الى تصدر المشهد لعدّة اسباب .
من ناحيته، وخلال فترة زمنية وجيزة تحركت فعاليات المجتمع المدني بشكل متميز من خلال حراك شعبي و حشد جماهيري تحث فيها الفرنسين على المشاركة في التصويت و العمل على حماية "قيم الجمهورية " امام تيار "متطرف" حسب قناعات هذه القوى .

نتائج الانتخابات في دورتها الثانية 
الدورة الثانية للانتخابات بنتائج لم يتوقعها اكثر خبراء السياسة حنكة و خبرة . فقد فاز تحالف اليسار، الجبهة الشعبية الجديدة، بأكثرية المقاعد دون الحصول على الاغلبية البرلمانية التي تتيح له تشكيل الحكومة منفردا .و فشل التيار اليميني المتطرف من التقدم. لا بل هبط هذا التوجه  من المركز الأول منذ اسبوع الى المركز الثالث مع ظهور نتائج الدورة الثانية. و كان مما لفت الانظار بشكل كبير حصول ما يوصف اليمين الوسط، تحالف معاً ، برئاسة ماكرون على المركز الثاني بعد التوقعات بهزيمته بشكل كبير .

التغيير في المشهد والسياسات " الشعبوية"
ليس بالجديد في المشهد الفرنسي ان تكون السياسات التي توصف "بالشعبوية" ان تكون ظاهرة في الخطاب العام و التداول الاعلامي . والامر هذا ليس محصورا بأقصى اليمين فقط ، وان يكن هذا التيار هو اكثر "عدوانية"، اذا صح التعبير، في هذا المضمار . فتوجهات الشعبوية و الاسلاموفوبيا واضحة في الفضاء السياسي منذ فترات طويلة تحت حجج متعددة تبرر التمييز الذي تتعرض له شرائح كبيرة من المجتمع الفرنسي والنساء منهم على وجه الخصوص.
مع الخليط الذي انتجته الانتخابات بنتائجها الاخيرة من تحالف يسار بكل اطيافه و اليمين الوسط والديغوليين وغيرهم، رسم صورة جديدة سوف لن تكون سهلة و تأثيراتها المحلية و الخارجية و منها فلسطين سوف تأخذ بعض الوقت .

في الختام
مع عدم حصول اي من التيارات السياسية الفرنسية على اكثرية مريحة سوف يدخل المشهد السياسي في حالة تعقيدات لم تتعود عليها فرنسا من حيث ضرورة التوصل الى تحالفات بين اطراف متناقضة سياسيا وفكريا وفي الرؤية الاقتصادية . و هذا سوف يضع فرنسا في مرحلة تأزم سياسي لفترة من الوقت .
النتائج الاولية للانتخابات الغير متوقعة سوف يكون لها بطبيعة الاحوال اثارها ومنها المعنوية خارج الحدود لا سيما في كيبيك، التي كان بعض ممن يكتبون في وسائل الاعلام الناطقة بالفرنسية "يحلمون " بفوز لوبان و تيارها لما يظنون انه سوف يؤثر في الجو العام و السياسي في المقاطعة.
وعلى صعيد الدولي تأتي الانتخابات الفرنسية عقب هزيمة ساحقة لحزب المحافظين في بريطانيا مؤخرا، ليضيف انطباعا عاما غير ايجابي لما يطلق عليه التيارات المحافظين في الغرب حتى اللحظة .

*رئيس المنتدى الاسلامي الكندي

*صورة المادة الخبرية من موقع freepik لأغراض توضيحية.

الكلمات الدالة