د. علي ضاهر
يبدو ان المعتلين نفسياً والمجانين والممسوسين قد سيطروا على هذا العالم المنفلت من عقاله، الغارق في بحر من الفوضى والعبث والاستخفاف بِالْقِيَمِ. للدلالة على ذلك يكفي النظر الى ما يجري في غزة والمسكوت عنه من معظم دول العالم، للتأكد ان من يدير البشرية ناقص عقل، غير موزون ويشكو من نوبات صرع. فهل قتل آلاف الأطفال والنساء وإلقاء القنابل الضخمة على خيم الأبرياء دون ان يحرك معظم ساسة الغرب والشرق ساكناً يؤشر الى ان المتحكم بمصير الناس سوِيّ، لا عيب فيه، غير ممسوس وخالٍ من العيوب. تأمّلوا بعض الحكّام المتربعين او القابضين على مقاليد بلاد تعتبر من أقوى البلاد واعتاها، الا توحي أفعالهم بأنهم مصابون باضطراب لا يمكنهم السيطرة عليه قد يدفعهم الى ممارسة سياسات سببها سلوك أناني ومشاعر بغيضة ووعي بالمسؤولية مفقود! قارن بين أفعال بعض هؤلاء القادة وبين تلك التي يقوم بها الممسوس او المجنون او المعتل نفسياً والذي يصنف طبياً على انه شخص معادي للمجتمع كونه لا يتسامح ولا يتعاطف مع الآخرين، لا يشعر بالندم ولا يخاف، معتد بنفسه، أناني لا يسيطر على انفعالاته، يفتقر إلى العلاقات الوثيقة بالآخرين، يستخدم القسوة للحصول على مبتغاه، استغلالي ويبحث عن الإثارة المدمّرة. فهل تجد فروقات بين تصرفه وتصرف المجنون او الممسوس او المعتل نفسياًً!
لتقريب الفكرة: تصوّر ان فلاناً بلا عقل او بلا ضمير. او بالأحرى تخيّل أنك للحظة تخليت عن ضميرك وأنك اصبحت لا تحس بذنب أو ندم، بغض النظر عما تقوم به من أفعال، عندها لن تهتم بالقلق على رفاهية شخص غريب أو صديق أو حتى أحد أفراد أسرتك. وتصوّر لبرهة ان الخزي هجرك وأنك لا تشعر بالعار في حياتك حتى لو كان بسبب فعل غير أخلاقي او أناني أو كسل. وتظاهر بأن مفهوم المسؤولية هجرك او غير معروف لديك! فماذا تفعل او بالأحرى، ماذا لا تفعل؟
في رواية فيودور دوستويفسكي "الشياطين" التي كنت أرجع إليها عندما كانت عيوني تساعدني على القراءة، أُسائِلُها في محاولة لفهم بعض الشخصيات السياسية وطرق تصرفها، كانت عبقرية هذا الكاتب تحفزني لإجراء مقارنات بين بعض الشخصيات السياسية وشيطان من الشياطين التي رسمها في روايته. فمثلا الشيطان بيوتر فرخوفنسكي، شرير، يتمتع بالذكاء، مستهتر، لا مبدأ له، لئيم، لا يتورّع عن القيام بأي عمل دنيء، مثير للاشمئزاز، يرفض المرتكزات الاجتماعية ويسخر منها، لا توجد لديه قيم عليا، يستهتر بحياة البشر، يخطط للقتل بدم بارد، يقلل من شأن كل شيء وكل شخص لتبرير وتسليط الضوء على نفسه الصغيرة القذرة، وفي النهاية يسعى للسيطرة على الناس وعقولهم وأرواحهم! ألا تُذكرنا شخصية دونالد ترامب النرجسية وتصرفاته القبيحة وخطابه الغوغائي وفضائحه الكريهة ببيوتر فرخوفنسكي، أحد شياطين قصة دوستويفسكي، المكتوبة عام 1872 والتي أراد من خلالها لفت الانتباه الى القوة التدميرية للديماغوجية والخطاب المنفلت المرتبط بالنزوات المتقلبة وانهيار الأخلاق وانعدام اللباقة!
* الصورة من موقع freepik لاغراض توضيحية فقط
101 مشاهدة
15 مارس, 2025
258 مشاهدة
02 مارس, 2025
271 مشاهدة
27 فبراير, 2025