أبو فضل العاملي ـ مونتريال
لا تزال أصداء كلمات والد السّيّد الأوّل في تشييع ولده الشّهيد تتردّد من أوائل التّسعينات إلى وقتنا الحالي: "إلهي عَوِّضْ عَلينا سَيِّد متل هالسّيّد، يا إلهي". لم تكن لوعة الفراق والفراغ الّذَيْن تركهما السّيّد الأوّل بالأمر السّهل على قلوب كلّ مَنْ عَاصره وعايش مسيرته في قيادة مسيرة الحقّ، وهو الّذي كان المعلّم والملهم والمقدام، مقارع الطّغيان وقبلة الأحرار حتّى تحرير غالبيّة الأراضي اللبنانيّة من نير العدوان والاحتلال. والأهمّ من ذلك كلّه كان تحرير النّفوس المُسْتضعَفة والمُستسلِمة أمام جبروت الظّلم، وتثبيت معادلة جدّه الإمام الحسين (عليه السّلام) بأنّ الخيار بين السّلّة والذّلّة يجب أن يكون دائماً هو الصّمود والمواجهة. مَنْ كان يتصوّر أنّ هذه المسيرة الّتي في بداياتها كان السّيّد الأوّل يقرأ الدّعاء في المسجد و"الميكروفون" مُثَبَّت على طاولة صغيرة لقلّة الإمكانيّات، نمت وترعرعت حتى أصبحت اليوم تهزّ أركان الظّلم والطّغيان في العالم كلّه وكلمات قادتها تنتظرها قلوب المُستضعَفين قبل أسماعهم من مشارق الأرض إلى مغاربها. هكذا هم رجال الله، اختبرهم ومحّصهم حتّى لم يبقَ منهم إلّا صفوة الصّفوة، فاختارهم (عزّ وجلّ) لجواره، "فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً"!
ومضى السّيّد الأوّل شهيداً كما كان يتمنّى ويدعو الله دائماً أن يمضي، صابراً محتسباً مقدّماً نفسه وابنه وعائلته على طريق كربلاء جدّه الإمام الحسين (عليه السّلام)، فاختار الله له بمنّه شهادةً ترفع له من مقامه في جوار الصّدّقين والأبرار. ومهما حاولت الكلمات وصف هول المصاب بفقدان السّيّد الأوّل فلن تستطيع أن تعطيه حقّه. كيف لا والسّيّد الثّاني كان يتمنّى لو أنّ الله يأخذ من عمرِه الشّريف ليمدّ في عمر السّيّد الأوّل! ولكن مشيئة الله ماضية في المؤمنين الممهّدين لدولة العدل الإلهي، فكان السّيّد الثّاني خير خلف لخير سلف في قيادة مسيرة الحقّ. اجتمعت فيه خصال العالم الرّبّاني، والفارس الشّجاع، والمظلوم القوي. حوى فصل الخطاب، وألمّ بمجامع الكلم وينابيع الحكمة والمعرفة. عبد صالح، صادق خلوق، مقدام همام، حيدرة ضرغام، سهلٌ حليم، عزيز كريم، باسل نبيل، صابر محتسب، نافذ البصيرة، راهب في الليل، أسد في النّهار، لا تأخذه في الحقّ لومة لائم. كان (رضوان الله عليه) مثالاً حيّاً لمعاني القرآن الكريم، شديداً على الكفّار والظّالمين، رحيماً بالمؤمنين من أهله وشعبه "أشرف النّاس"، راكعاً ساجدا، سيماه في وجهه السّمح ومحيّاه الطّلق وثغره الباسم، يبتغي فضلاً من الله ورضوانه، أغاظ الله به المستكبرين والمنافقين " كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً". في هدأة عينيه حِلم النّبي (صلوات الله عليه وآله)، وفي قوّة ساعده بأس علي (عليه السّلام)، وفي مواجهة المستكبرين عزّة الحسن والحسين (عليهما السّلام).
يا سيّدي، لقد عشنا معك أنصع صفحات حياتنا، ورسمت سواعد شبابك الفتية لنا أسمى لوحات المجد. وأعادت لنا عزيمتكم أرضنا وعزّنا وكرامتنا. معك عرفنا كيف نكون مظلومين فننتصر على خطى جدّك الحسين (عليه السّلام).
فالحمد لله أن منّ علينا بالعيش في زمانك. فكيف يا سيّدي نصدّق أنّك مضيت؟ وكيف نُقنع أنفسنا أنّا لن ننتظر لنسمع خطابك الفصل بعد الآن؟ الآن يا سيّدي فهمت مرام السّيّدة زينب (عليها السّلام) وهي تقول "الآن مات جدّي، الآن مات أبي". أجل يا سيّدي، الآن بفقدك فقدتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله). الآن استشعرتُ خسارة الأمّة للإمام علي (عليه السّلام). الآن عشت مظلوميّة الإمام الحسن (عليه السّلام) مُهادِنا، وشهادة الامام الحسين (عليه السّلام) ثائرا.
الآن، نفسي تتوق شوقاً صادقاً للقاء القائم المنتظر (عجّل الله فرجه الشّريف). الآن فقط عرفتُ وفهمت. فيا ليتني يا سيّدي لم أعرف، ويا ليتني بقيتُ أنا غافلاً وبقيتَ أنتَ حيّاً تُرْزَقُ فينا. ولكنّنا لا نملك إلّا أن نسلّم لمشيئة الله ونرضى بقضائه، فلعلّ الّذي أبطأ عنّا هو خير لنا لعلمه بعاقبة الأمور.
السّلام على روحك الطّاهرة، السّلام على وعدك الصّادق، السّلام عليك أيها الأمين وارث الأمين، السّلام عليك حين وُلِدت، وحين استشهدت، وحين تُبعَث حيّا.
لا تزال أصداء كلمات والد السّيّد الأوّل في تشييع ولده الشّهيد تتردّد من أوائل التّسعينات إلى وقتنا الحالي: "إلهي عَوِّضْ عَلينا سَيِّد متل هالسّيّد، يا إلهي". لم تكن لوعة الفراق والفراغ الّذَيْن تركهما السّيّد الأوّل بالأمر السّهل على قلوب كلّ مَنْ عَاصره وعايش مسيرته في قيادة مسيرة الحقّ، وهو الّذي كان المعلّم والملهم والمقدام، مقارع الطّغيان وقبلة الأحرار حتّى تحرير غالبيّة الأراضي اللبنانيّة من نير العدوان والاحتلال. والأهمّ من ذلك كلّه كان تحرير النّفوس المُسْتضعَفة والمُستسلِمة أمام جبروت الظّلم، وتثبيت معادلة جدّه الإمام الحسين (عليه السّلام) بأنّ الخيار بين السّلّة والذّلّة يجب أن يكون دائماً هو الصّمود والمواجهة. مَنْ كان يتصوّر أنّ هذه المسيرة الّتي في بداياتها كان السّيّد الأوّل يقرأ الدّعاء في المسجد و"الميكروفون" مُثَبَّت على طاولة صغيرة لقلّة الإمكانيّات، نمت وترعرعت حتى أصبحت اليوم تهزّ أركان الظّلم والطّغيان في العالم كلّه وكلمات قادتها تنتظرها قلوب المُستضعَفين قبل أسماعهم من مشارق الأرض إلى مغاربها. هكذا هم رجال الله، اختبرهم ومحّصهم حتّى لم يبقَ منهم إلّا صفوة الصّفوة، فاختارهم (عزّ وجلّ) لجواره، "فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً"!
ومضى السّيّد الأوّل شهيداً كما كان يتمنّى ويدعو الله دائماً أن يمضي، صابراً محتسباً مقدّماً نفسه وابنه وعائلته على طريق كربلاء جدّه الإمام الحسين (عليه السّلام)، فاختار الله له بمنّه شهادةً ترفع له من مقامه في جوار الصّدّقين والأبرار. ومهما حاولت الكلمات وصف هول المصاب بفقدان السّيّد الأوّل فلن تستطيع أن تعطيه حقّه. كيف لا والسّيّد الثّاني كان يتمنّى لو أنّ الله يأخذ من عمرِه الشّريف ليمدّ في عمر السّيّد الأوّل! ولكن مشيئة الله ماضية في المؤمنين الممهّدين لدولة العدل الإلهي، فكان السّيّد الثّاني خير خلف لخير سلف في قيادة مسيرة الحقّ. اجتمعت فيه خصال العالم الرّبّاني، والفارس الشّجاع، والمظلوم القوي. حوى فصل الخطاب، وألمّ بمجامع الكلم وينابيع الحكمة والمعرفة. عبد صالح، صادق خلوق، مقدام همام، حيدرة ضرغام، سهلٌ حليم، عزيز كريم، باسل نبيل، صابر محتسب، نافذ البصيرة، راهب في الليل، أسد في النّهار، لا تأخذه في الحقّ لومة لائم. كان (رضوان الله عليه) مثالاً حيّاً لمعاني القرآن الكريم، شديداً على الكفّار والظّالمين، رحيماً بالمؤمنين من أهله وشعبه "أشرف النّاس"، راكعاً ساجدا، سيماه في وجهه السّمح ومحيّاه الطّلق وثغره الباسم، يبتغي فضلاً من الله ورضوانه، أغاظ الله به المستكبرين والمنافقين " كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً". في هدأة عينيه حِلم النّبي (صلوات الله عليه وآله)، وفي قوّة ساعده بأس علي (عليه السّلام)، وفي مواجهة المستكبرين عزّة الحسن والحسين (عليهما السّلام).
يا سيّدي، لقد عشنا معك أنصع صفحات حياتنا، ورسمت سواعد شبابك الفتية لنا أسمى لوحات المجد. وأعادت لنا عزيمتكم أرضنا وعزّنا وكرامتنا. معك عرفنا كيف نكون مظلومين فننتصر على خطى جدّك الحسين (عليه السّلام).
فالحمد لله أن منّ علينا بالعيش في زمانك. فكيف يا سيّدي نصدّق أنّك مضيت؟ وكيف نُقنع أنفسنا أنّا لن ننتظر لنسمع خطابك الفصل بعد الآن؟ الآن يا سيّدي فهمت مرام السّيّدة زينب (عليها السّلام) وهي تقول "الآن مات جدّي، الآن مات أبي". أجل يا سيّدي، الآن بفقدك فقدتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله). الآن استشعرتُ خسارة الأمّة للإمام علي (عليه السّلام). الآن عشت مظلوميّة الإمام الحسن (عليه السّلام) مُهادِنا، وشهادة الامام الحسين (عليه السّلام) ثائرا.
الآن، نفسي تتوق شوقاً صادقاً للقاء القائم المنتظر (عجّل الله فرجه الشّريف). الآن فقط عرفتُ وفهمت. فيا ليتني يا سيّدي لم أعرف، ويا ليتني بقيتُ أنا غافلاً وبقيتَ أنتَ حيّاً تُرْزَقُ فينا. ولكنّنا لا نملك إلّا أن نسلّم لمشيئة الله ونرضى بقضائه، فلعلّ الّذي أبطأ عنّا هو خير لنا لعلمه بعاقبة الأمور.
السّلام على روحك الطّاهرة، السّلام على وعدك الصّادق، السّلام عليك أيها الأمين وارث الأمين، السّلام عليك حين وُلِدت، وحين استشهدت، وحين تُبعَث حيّا.
171 مشاهدة
03 نوفمبر, 2024
263 مشاهدة
03 نوفمبر, 2024
223 مشاهدة
01 نوفمبر, 2024