Sadaonline

تحية طيبة وبعد... تمثال الحرية يبكي الحرية !

غسان عجروش ـ مونتريال

الشباب هم المستقبل ، الشباب هم التغيير ، الشباب هم الثورة. المكان :الجامعات الاميركية وبالتحديد جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك ،  الزمان كل صباح ومساء يسقط فيه أطفال ونساء  فلسطين على مرآى ومسمع العالم المتخاذل..   أعطانا هؤلاء الشباب ( الطلاب)  أمثولة في الثورة وفي الشجاعة والمروءة .
ميزة ثورة كولومبيا مكانها في داخل الولايات المتحدة الاميركية ، عشرة أميال فقط تبعد عن تمثال الحرية الشهير في ولاية نيويورك . قدمت لنا اميركا على مر العصور تمثال الحرية كمنارة للطامحين الى الديمقراطية والعدل وشعلة للثوار الساعين الى الاستقلال والتحرر من العبودية . على خليج نيويورك المميز يقف تمثال إمرأة قال عنها بعض المدونين انها فلاحة مصرية ، فيما قال البعض الآخر من المؤرخين بأن المرأة التي تحمل الشعلة هي الملكة الآشورية سميرا ميس زوجة إله الشمس وعند قدميها تسقط سلاسل الاستبداد. أما في يدها اليمنى ترفع مشعلا يرمز إلي الحرية، بينما تحمل في يدها اليسرى كتابا نقش عليه بأحرف لاتينية "4 يوليو 1776"، وهو تاريخ إعلان الاستقلال الأمريكي.
إذا ، إتسمت أميركا بهذه العناوين البراقة ، عناوين الحرية والديمقراطية والعدالة ، وباتت مصدر الديمقراطية ومصدرتها من خلال الحروب ضد الدول التي تخالفها في السياسة. فكانت تحمل شعار إحلال الديمقراطية أينما حلت وأرتحلت، من أفريقيا الى آسيا إلى اوروبا وصولا الى الشرق الأوسط ، تحت هذا الشعار سقطت دول وأبيدت شعوب وأستعمرت بلدان وتغيرت أنظمة وعانى الكثيرون من الفقر والجوع بفعل الحصارات الاقتصادية والسياسية على دول فشلوا باجتياحها عسكريا او تغيير انظمتها مخابراتيا
 ساذج من يقتنع بهذه الشعارات ، بعيد عن الواقع من صدق هذه الروايات والتجارب تحكي.
لن أستطرد كثيرا  بسرد تاريخ مليء بالتناقضات ، من فيتنام الفقيرة الى قنبلة ناغازاكي الذرية ( اليابان)  الى السودان وليبيا  افغانستان فالعراق ( مليون قتيل باسم نشر الديمقراطية) وصولا الى الدعم العسكري والسياسي والمادي المطلق لإسرائيل في حربها على 365 كلم مربع فقط في غزة وسقوط أكثر من مئة ألف مدني بين قتيل وجريح . 
فئة كبيرة من الشباب الاميركي ضاقت ذرعا بسياسة حكومتها وخرجت تهتف ضد ما يحصل من إبادة جماعية. ميزة هذه الفئة أنها خرجت من جامعات عريقة تخرج منها سياسيين من رؤساء واقتصاديين وحائزين على جوائز نوبل في شتى المجالات ، غير آبهين بنهاية عامهم الدراسي، بل ان لهؤلاء رسالة يريدون إيصالها لحكومتهم وللعالم بأن " كفى". وكان الرد بعكس ما حمله تمثال الحرية من شعارات فقد تعرض هؤلاء الشباب الى الضرب والاعتقال والسحل والمواجهة بخراطيم المياه والرصاص المطاطي . القمع نفسه واجهته جامعة كاليفورنيا وتكساس وماساشوستس ومينيسوتا ودارموث وغيرها . 
ثورة الطلاب هذه تمددت الى اوروبا وإسيا  وكندا . 
في مدينة مونتريال يحدث الآن في جامعة " ماغيل"  أعتصاما في باحاتها وفي حدائقها ، حذا طلاب وطالبات مونتريال حذو زملاءهم في الجامعات الاميركية وأقاموا الاعتصامات والخيم في حديقة الجامعة وهتفوا رفضا للابادة الجماعية التي تحدث في غزة وهتفوا رفضا للدعم المادي والعسكري والسياسي ونادوا بقطع كل التعاملات مع الكيان . حتى هذه اللحظة وقفت شرطة مونتريال على الحياد بالرغم من طلب رئيس الوزراء جوستان ترودو ورئيس الجامعة وحاكم المقاطعة فرنسوا ليغو  بفض الاعتصام بالقوة ،  تاركة للطلاب حرية التعبير وكذلك رفض القضاء الكندي طلبا من الجماعات المؤيدة لإسرائيل ازالة الطلاب من أماكن اعتصاماتهم، طالما لا يسببون خطرا على السلامة العامة . قرار المحكمة أغضب هؤلاء فلجأ الطلاب اليهود ومحاميهم ومن لف لفهم الى استفزاز المعتصمين بالشعارات والخطابات ورفع الاعلام الاسرائيلية في وجوههم كي يتم التعرض اليهم . ممارسة دور الضحية لم تنجح بفضل وعي أعداد كبيرة من الطلبة والمتضامنين مع الشعب الفلسطيني وحقهم بالعيش على ارضهم . وها هم باقون في إعتصامهم حتى تحقيق مطالبهم بوقف الحرب ووقف الدعم . هؤلاء بحاجة منا الى كل الدعم والمساندة إن كان بالمشاركة او برفدهم بالطعام والمأكل وكل ما يحتاجونه كي تبقى خيامهم صامدة وباقية كما وعدوا .
تحية لهؤلاء الذين يفترشون الارض برغم المطر والبرد والضغوط النفسية . والعار على الديمقراطية الاميركية المزيف . 
غضب الرئيس الاميركي ومجلس الشيوخ والنواب من حراك الجامعات وكذلك تحريض رئيس وزراء إسرائيل على قمعهم والاستجابة له يؤكد نجاح هؤلاء ، وصوابية ما يقوم به هؤلاء الشباب والشابات والاكاديميين من أساتذة وإدارة وكل المتعاطفين مع فلسطين وقضيتها وضحاياها .
عاشت فلسطين حرة .
* الصورة من موقع عربي 21
الكلمات الدالة