دارين حوماني ـ مونتريال
بمناسبة ولادة الإمام علي الرضا (ع) نظّم كشافة ومرشدات المسلم أمسية ثقافية دينية متنوعة في صالة ديزيليه Salle Desilets في كلية ماري فكتوريان College Marie Victorian يوم الأحد 4 أيار/ مايو 2025، تضمنت الأمسية عددًا من اللوحات الفنية قدّمها أطفال وشبيبة الكشاف، وعرضًا مسرحيًا مؤثرًا بعنوان "وين ما كنتِ تكوني" يترجم صراع البقاء في المهجر مقابل العودة إلى وطن غير آمن، ويجسّد هذه العلاقة المتوترة بين البقاء والعودة.
قبل الدخول إلى مسرح ديزيليه، عُرضت على عدد من الطاولات كتب دينية فلسفية من إصدارات معهد المصطفى الثقافي في مونتريال الذي يقدّم برامج تعليمية ودينية مصممة لتعزيز الفهم الديني ونقل المعرفة بالعلوم الإسلامية بطريقة تكون في متناول الجميع، ومن هذه البرامج: علم المنطق، عقيدة، فقه- معاملات، فلسفة. ومن الكتب المعروضة المقررات الدراسية المقدمة: الفقه، العقيدة، السيرة، علوم القرآن الكريم، اللغة العربية، علم المنطق، علم الفلسفة، و"صلاتي". كما عُرضت رموز وأشكال وبطاقات وتسجيلات موسيقية وطنية ودينية كتأكيد على التمسك بالهوية والانتماء، ورغبة جماعية في استحضار الوطن داخل المهجر، وتثبيت الهوية الثقافية الدينية في وجه الذوبان في الاغتراب.
كان ثمة جهد جبار برز منذ بداية الأمسية، مع الفرقة الموسيقية اضافة الى فرقة الكورال القرآنية من مدرسة القرآن في الكشافة التي ألقت آيات قرآنية من سورتي "الإنسان" و"الشمس"، محققة إنجازًا فنيًا فريدًا ونادرًا في العالم العربي والعالمي، من حيث إلقاء الآيات القرآنية على طريقة الكورال.
كما قدم الكورال الكشفي نشيد "سطع النور بملء الكون" و"موطني" اضافة الى نشيد "أنْس النفوس" من انتاج الكشافة كلمات وألحان وتوزيع سارة همدر و بقيادة الأستاذ مهنّد رزق . و قدمت الفرق الكشفية نشيدي "كنّا و" أنا لبناني" وغيرها من الاناشيد.
القائدة الكشفية رنا محبوبة
قدّمت الأمسية القائدة الكشفية رنا محبوبة وألقت عددًا من النصوص التي تعكس الحزن الذي ألمّ باللبنانيين إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان ونضال الشباب المقاوم وصمود الشعب اللبناني، ومما قالت:
"هنيئًا، الله يرحمه، قصدي الله يرفع مرتبته بالجنة، الحمدلله، نياله، انشالله بتسلموا، فتشت بين كل هل الكلمات بس ما استعملت منهم غير كلمة "الصمت"... أنا بسمع الأخبار قبل ما روح على الجامعة والشباب عم يدافعوا عن أرضنا، أنا شبعان وهني عم يواسوا بعضهم بلقمة الأكل. صار الليل والنهار واحد"..
وقالت أيضًا:" بالآخر الناس لبعضها، اسآل عن فلان وخود هل الواسطة، حيّنا صغير، عجقة موتسيكلات، هيدا عصّب، هيدا طوشنا من صوت الزمامير، من بعد مدرسة الرضا أول مفرق على اليمين، حد ملحمة أبو علي الخضرجي بتلاقي ملحمة أبو سليم، إذا عم نحكي عن العنوان صحيح إنو شعبنا معقد شوي، بس فعليًا أديش بسيط، نحن منحب نعيش.
إذا على نغمة جدار الصوت عم نتزوج.. منكمل السهرة نتفرج على الطيران مع البزر والأراغيل.. نحن الشعب العنيد، ارجعنا على الضيعة والعدو بعده على أرضنا، ونسواننا مع وقفة العزم أصبعهن مرفوع بوجه الظالم، ومن وين بدي بلش إحكي عن رجالنا، أصلب من جذع شجر الجوز، والعز مكتوب على الجبين.. من الزيتون للصنوبر للزعتر للمكدوس، من الأرز للتراب لدم الشهداء من الضاحية للجنوب لبعلبك لبيروت، من أشرف الناس لأشرف أشرف القادة، أنا الفخر أنا الولاية، أنا صوتي وفا للدم، أنا الصمت أنا الحرية وقبل ما ينوجد اسمي أنا لبناني".
مدير كشافة ومرشدات المسلم علي شرارة
ثم ألقى الكلمة الكشفية الحاج علي شرارة، وعرض لإنجازات كشافة المسلم خلال العشرين سنة الماضية، وكيف نما وكبر فقدّم نموذجًا في العطاء، وعدّد لفروع الكشافة وهي: فوج الكشافة، مدرسة العربي، نادي الروبوتيك نادي ومدرسة كرة القدم، مدرسة تعليم القرآن. وقال:
"هكذا بات المشروع الكشفي جزءًا من مشروع تربوي شامل يربط بين الدين واللغة والعلوم والرياضة والفنون والعمل التطوعي، بجهد مئات من الأخوة والأخوات الذين ساهموا في مسيرتنا، وتخرّج تحت أياديهم الكثير، الذين أصبحوا آباء وأمهات".
ثم تحدّث شرارة عن مشروع شراء مخيّم للكشافة والذي تم تحقيقه مؤخرًا، بعد أن كبر الكشافة وبرزت الحاجة لفضاء خاص، فتم شراء مقر ثابت تتم عبره إدارة كل الأنشطة. معتبرًا أنه سيكون "القلب النابض لأنشطة الكشافة".
كما شرح تفاصيل المكان، من حيث احتواءه على عدد من المباني ومصلى ومسبح وقاعة محاضرات، ومساحات شاسعة للتخييم، وغير ذلك. ويمكن عبره تنظيم مخيّمات على مدار العام، ودروس في الطبيعة، ودورات في المهارات، وليالٍ إيمانية وأنشطة تربوية.
***
العمل المسرحي "وين ما كنتِ تكوني"
على مدى ساعة ونصف كان الجمهور على موعد مع مسرحية "وين ما كنتِ تكوني"؛ عمل مسرحي يحاكي قلقنا وهواجسنا وحنيننا وتردّدنا بين الهنا والهناك، فنبقى عالقين في منطقة الـما-بين، نفكر في أدوارنا في هذه الحياة وفي جدوى بقائنا في كندا وفي الوقت نفسه حاجتنا لعودتنا إلى الوطن وشعورنا أننا يجب أن نكون هناك. هي إشكالية رَمَز لها القيّمون على العمل بالحقيبة المنتصبة على المسرح طوال فترة العرض، حقيبة تعكس الاستعداد الدائم للعودة إلى الوطن.
يحاول أبناء الخالات الشابان علي وأحمد فتح حقيبة والدة علي "هنية" التي تضعها في غرفة الجلوس طوال الوقت، كفكرة ترمز إلى الاستعداد الدائم للعودة إلى لبنان، ولكن الشابين يريدان فتحها، كي تتوقف عن التفكير بالعودة إلى لبنان. لكنها بحال جاهزية تامة ليس فقط للعودة، بل إن الهاتف الذي بين يديها يشكّل حالة وصل لها مع الوطن، فهي تنام وتستيقظ على الأخبار عبر حسابات منصات الأخبارعلى الواتساب. الشابان يحاولان إقناعها بفتح الشنطة ونسيان فكرة الرجوع للبنان، وهي ترفض.
تمرّ المسرحية على مشهدية مؤثرة عن رسالة "أنتم متواجدون بالقرب من منشآت خطيرة، أنتم مضطرون لإخلاء هذه المباني فورًا والابتعاد مسافة 500 متر"، مشهدية تخص كثيرين منا فقدوا منازلهم بهذه الطريقة في هذه الحرب.
يتم فتح الحقيبة التي تحتوي على صور وتذكارات قديمة تحتفظ بها الأم وتحملها معها من مكان لمكان، كأنها تحمل ذاكرتها معها، وتخاف أن تخسرها. فبالنسبة لها حقيبة لا تُفتح يعني ذاكرة لا تُغلق.
في الحقيبة صور الشابين علي وأحمد عندما كانا أطفالًا، صورة الأب المتوفي مع شجرة الزيتون التي تركز إلى تعلّق بتراب الوطن والتجذر فيه، وشريط مسجّل من الأب لابنه علي، وفولارد الكشاف الذي يخص علي عندما كان طفلًا فيستذكر قائده "هادي".، وتذكارات أخرى تخص الأم.
يتضمن العمل مشهديات مضحكة ومحزنة في الوقت نفسه، عن قول الأم كيف ذهبت إلى سوق النبطية لشراء ثيابها لابنها الطفل، يرد ابنها "بدنا نترحم ع سوق النبطية ما كله تدمّر، بس كله رح يرجع يتعمّر"، وكان الأكثر كوميدية هو تبادل الحوار بين صديق علي الكندي الذي لا يتكلم إلا الفرنسية وبين الأم، وهما لا يفهمان ماذا يقولان لبعضهما، ومشاركته في التظاهرات دعمًا لغزة قائلًا "solidarity"، فيما تردّد الأم "شو للي هدّيتيه"، فيوقفها ابنها بأنها لا تفهم ما يقال فتجيب: "أنا عارفة حالي شو عم قول، عم قلها لـ يللي ما بتتسمّها، خير انشالله شو للي هدّيتيه، هدّيتِ بيوت وبنايات، هدّي شو ما بدك تهدّي، بس مش رح تهدي عزيمتنا".
وفي المسرحية، رمزية الصديق موسى الذي يدرس العلوم الدينية في كندا، كشخصية لها دور توعوي ديني هنا للأجيال الطالعة ما يعكس أهمية التواجد في كندا.
بعد فلش الذكريات في الحقيبة، يقرر علي أن يعود إلى لبنان عندما تم الإعلان عن وقف الحرب، فقد شعر أمام الشهداء الأبطال أن لا قيمة له في كندا، وأنه صار "بس للفرجة، متل الزرّيعة"، وخصوصًا بعد معرفة استشهاد قائده الكشفي قديمًا "هادي". لكن حوارًا جدليًا بين شخصيات العمل يطرح إشكالية أهمية البقاء أو أهمية العودة ودور كل واحد منا في الحياة، إن كان دوره أهم في لبنان أو أهم في بقائه في كندا، حيث ترفض الأم عودة ابنها للبنان ثم تقول له "لو مش شايفة الجانب المهم بحياتك هون ما كنت حكيتك هل الحكيات. يكفيني إنك عم تعمل تكليفك وتترك أثر حلو وين ما رحت".
في نهاية العمل توجّه الأم حديثها لدولة الاحتلال ثم للحقيبة في إشارة إلى أن مشكلات لبنان والمحيط العربي هي من هذا العدو وهو مسبّب آلام الكثيرين ودفعهم للهجرة من بلادهم واللجوء لبلاد بعيدة، وأنه إلى زوال لا محالة، تقول الأم "رح يجي يومك انت للي ما بتتسمّي، والله رح يجي، ووقتها انت (الحقيبة) رح يجي يومك وحطك عل التتخيتة، إذا مش أنا حطيتك ولادي رح يحطوك". ثم تحمل حقيبتها وتقول "يا ميسّر"، في إشارة إلى عودتها إلى لبنان.
ينتهي العمل مع مشهدية مفتوحة على لا نهاية واضحة، وهو ما يدل على اشتغال فنّي ذكي من قبل مخرجي العمل، وحيث يمكن أن يقرر كل متفرّج منا النهاية التي يريدها لعلي. نراه يمرّ في صالة المطار ذهابًا إيابًا وفيما يتردد في الخلفية الصوتية أن هذا هو النداء الأخير للصعود للطائرة لكنه يواصل السير في صالة المطار ذهابًا إيابًا في مشهد بالغ الدلالة.
*****
حوار مع المخرجين باسم بسّام وإيمان ملّي
كان لصدى أونلاين حديث مع القيّمين على العمل الذي تم إنجازه بكتابة جماعية وإخراج جماعي لكلّ من باسم بسّام وإيمان ملّي ومايا نور الدين.
تقول إيمان ملّي التي تخرّجت اختصاص سينما من الجامعة الأنطونية في بيروت عام 2018 إنها هاجرت إلى كندا قبل أقل من عامين، وإن هذا العمل هو الأول لها مع كشافة ومرشدات المسلم.
وفيما نوّه المفوض الفني في كشافة ومرشدات المسلم باسم بسّام بعمل الكاتبة والمخرجة إيمان ملّي، كذلك نوّه بعمل الكاتبة ومايا نور الدين التي درست الكتابة الإبداعية في لبنان، وأفادت بتجربتها.
أنجز بسّام عددًا من المسرحيات في كشافة المسلم كتابة وإخراجًا مع دور أساسي للجنة الفنية في الكشاف كما عبّر: "تلاميذ ولكن"، "رحلة العمر"، غريب من ريحة الحبيب"، "عالهوا سوا"، "الجزيرة"، "عيلة بو مسعود"، "جدو "Com، "متل اللولو". واعتبر أن هذا العام بسبب حالة الحرب كانت التجربة استثنائية.
المخرج باسم بسام
عن دوافع كتابة هذا العمل ومدى ارتباطه بالتجربة الشخصية والجماعية، أجاب بسّام:
عندما بدأنا العمل، لم تكن الحرب قد اندلعت بعد. كنا نشتغل على فكرة مختلفة تمامًا. ثم جاءت الحرب، وفي تلك اللحظة، لم يعد همّنا المسرحية ولا حتى أصل الفكرة.
أصبح كل تركيزنا على أهلنا في لبنان، كنا نتابع الأخبار لحظة بلحظة، والخوف كان حاضرًا في كل ثانية من أن نفقد عزيزًا أو قريبًا.
وسط هذه الحرب، تواصلت معي إيمان، واعتبرنا أن من واجبنا أن نُنتج عملًا ينبع من واقع الحرب نفسه. من هناك، انطلقنا في العمل على هذه المسرحية، بعد أن كانت هناك لجنة فنية قد وضعت تصورات وأفكارًا مهمة، استفدنا منها كثيرًا. كتابة النص استغرقت شهرين، وبعدها بدأنا التدريبات.
أما عن الخلفية الشخصية، فمن الطبيعي أن يمتزج الشخصي بالجماعي، فهذه حال معظم الناس.
كل شخص جاء إلى كندا، جاء وهو يعتقد بأنه سيعود إلى لبنان، تمامًا كما فكّر كثيرون: هل لي فعلًا دور هنا؟ أم أن جذوري الحقيقية هناك، في لبنان؟
هذه الأسئلة واجهناها جميعًا، وكل فرد صار يسأل نفسه: لماذا أنا هنا؟ وما الذي أفعله؟
ومن هنا، كان من الطبيعي أن يتداخل الشخصي مع المجتمعي، لأنهما في النهاية ليسا منفصلين
وقالت ملّي:
هذا العمل مأخوذ من واقعنا، حقيقي بالكامل. كل كلمة قلناها، كل جملة، كان وراءها مشاعر حقيقية وصادقة، والشخصيات التي قدّمناها، الجدة، وعلي وحسين، هم نحن، نحن كنا نكتب ونتعب ثم نعود للكتابة ونتناقش مع بعضنا، لذلك هي تجربة استثنائية. كل شخص منا كان يكتب مشهدًا ثم نتناقش بدرة فعل الجمهور وهل ستفهم هذه الرسالة وهذه العبارة، وماذا سيشعر الناس.
المسرحية تنقل واقع الحرب وأكثر هي تنقل المشاعر التي كنا نعيشها ونحن في الغربة، بعيدون عن لبنان، ونشعر بأننا عاجزون ومقيّدون. رأينا أن ليس لنا غير الكلمة، وغير الفن نعبّر من خلاله عن شعور الناس هنا، ونقول لهم إننا نشعر بهم. وهذه مشاعر القيد والعجز نريد أن نحوّلها إلى قوة، وأننا نريد ان نكمل، والآن وقت العمل، وأننا قادرون أن ننجز شيئًا نساند به أهلنا في لبنان.
سألناهما أن الحقيبة تبدو في العمل رمزًا حاضرًا طوال الوقت. هل أردتم تصوير حالة الكثير من اللبنانيين للاستعداد الدائم للهروب أم الأمل في العودة؟
قال بسّام:
الحقيبة تحمل رمزًا مهمًا في العمل. علي، في البداية، لم يكن مقتنعًا بالعودة إلى لبنان، بل كان يحاول الهروب من فكرة الوطن، ويبحث عن الاستقرار هنا، في كندا. كان يريد أن يفتح الحقيبة ويبقى. أما الأم، فكانت على العكس تمامًا؛ لم تكن تريد فتح الحقيبة من الأساس، بل كانت تعيش على أمل العودة في أي لحظة، وكان من المستحيل أن تنزع فكرة العودة من رأسها.
هذا الصراع يعكس واقع شريحتين من الناس: هناك من قرر أن الحقيبة قد فُتحت، وأن العودة باتت مستحيلة، لأن الظروف في الوطن صعبة، ولأن حالة من اليأس سيطرت. وفي المقابل، هناك من يرى أن هذه مرحلة مؤقتة، وستمر، وأنه ما إن تتحسّن الأوضاع، فلا يمكنهم الاستمرار في الغربة، بل سيعودون حتمًا.
المسرحية مزجت بين هاتين الرؤيتين، لتُظهر هذا التوتر الداخلي الذي يعيشه كثيرون بين الاستقرار هنا، والحنين هناك
المخرجة إيمان ملّي
بدورها ردّت ملّي:
الحقيبة هي هم للبناني الذي يهاجر، وفي فكره أنه سيعود بعد عامين ليجد نفسه أنه أمضى في بلد الاغتراب أكثر من 30 عامًا، ولا يزال في كندا، ثم يتساءل كيف يعود وقد بنى حياة له هنا، ويشعر بأنه ينتمي لهذا المكان، وصار له جوّه وعالمه، واستفاد من فرص كثيرة هنا. نحن استخدمنا الحقيبة كرسالة أنه أينما كانت هذه الحقيبة، تستطيع أن تفتحها وتضعها في أي مكان، ثم تسافر وتودع وتعود، لنصل لوقت نقول فيه إنه من غير المهم أينما كانت هذه الحقيبة، "مطرح ما كنتِ تكوني"، غير مهم، فأنا أينما كنت، سأمارس دوري الصحيح، وأعرف كيف أستفيد من كل ما هو حولي لخدمة القضية ونصرة الحق. أحيانًا يمكن أن يصيبني وهم أنه عليّ أن أرجع إلى لبنان، وأنا دوري هناك، ولكن عندما أرجع لا أجد لي دورًا، بينما أنا هنا بوجودي مع الجالية وبتطوير القطاعات هنا، وبالأخص بالمشاركة بالحياة السياسية هنا وبصنع القرار يكون أضعافًا مضاعفة من دوري بعودتي إلى لبنان. هي فكرة أن كل إنسان منا يكتشف ما هو دوره وما الذي يمكنه إنجازه.
وسألنا المخرجين أن المسرحية تطرح سؤالًا جوهريًا: هل للبقاء في كندا معنى يتجاوز النجاة من الحرب والاستقرار المادي؟ وهل يمكن أن يكون للبقاء دور ثقافي ورسالي؟
أجاب بسّام:
حتمًا، البقاء في كندا لا يقتصر على النجاة من الحرب. البقاء هنا يحمل أبعادًا ثقافية، ورسالية، واجتماعية، ودينية أيضًا.
نحن، كمغتربين نعيش في كندا منذ سنوات، لدينا هدف ورسالة وواجب، بل تكليف، بأن نقدّم ما يعود بالنفع على مجتمعنا، وعلى أهلنا، وعلى القيم الأخلاقية والدينية والوطنية والثقافية التي نحملها.
ينبغي أن يكون وجودنا هنا ذا بُعد رسالي بامتياز، يتجاوز فكرة الاستقرار المادي، ليصبح حضورًا فعّالًا ومؤثرًا يحمل القيم ويدافع عنها
بدورها قالت ملّي:
أشعر تمامًا أن عليّ أن أركّز على كوننا مغتربين نتابع ما يجري لشعبنا، ونشعر بالعجز عن تقديم شيء مباشر. لكن بما أنني هنا، بدأت أسأل نفسي: ما الموارد التي أملكها؟ وكيف يمكنني أن أقف إلى جانب شعبي؟ كيف أشرح للعالم ما يحدث، وأُظهر الحق من الباطل، لنكون نحن صوت شعبنا في كل بقاع الأرض.
ودائمًا في كل عمل فني هناك تحديات تواجهه، عن هذه التحديات، قال بسّام:
لا شك أن كل عمل نواجه خلاله تحديات كبيرة وصغيرة. من أبرز هذه التحديات كانت الانطلاق من أصل الفكرة، وكيفية صياغتها بالشكل الصحيح. كتابة السيناريو ليست أمرًا سهلًا، إذ تتطلب حبكة محكمة ونصًا قويًا يحمل الهدف الرسالي الذي نرغب في إيصاله إلى الناس.
هذا من أبرز التحديات التي تواجهنا دائمًا، لكننا نحاول تجاوزها لتحقيق هدفنا وتقديم الرسالة التي نؤمن بها في أعمالنا المسرحية.
بدورها قالت ملّي:
كان من المفترض أن يُعرض العمل في شهر شباط، لكن تصادف ذلك مع الحدث الكبير في 23 شباط، مما غيّر الخطة. منذ بداية الكتابة وحتى العرض، استغرق التحضير حوالي ستة أشهر، منها شهران خُصصا للكتابة.
المرحلة الطويلة من التحضير كانت تحديًا حقيقيًا، خاصة أن الممثلين وفريق العمل هم موظفون لديهم عائلات، وكانوا يأتون للتدريب بعد دوامهم، لمدّة ثلاثة أو أربعة أيام أسبوعيًا.
كان العمل تطوعيًا بالكامل، ما جعل التنظيم أكثر صعوبة، لكن ما خفف العبء أن الجميع كان يؤمن بأهمية العمل.
كلما أعلنًا عن تدريب، كان الحضور كبيرًا، والأجمل أن بيئة الكشاف هي بيئة داعمة: مهما طلبتِ من أي شخص، كنتِ تجدينه حريصًا على تلبية الدعوة. لم نواجه صعوبة في إيجاد أشخاص يتحملون المسؤولية ويضعون أنفسهم في خدمة المشروع.
الصعوبة الحقيقية كانت في ضغط الوقت والحياة اليومية، وهذا هو التحدي الأكبر.
وسألناهما، هل ترون أن اللبناني في كندا يستطيع أن ينشر ثقافته بفاعلية، أم أن واقع التهميش والإسلاموفوبيا والعنصرية يُضعف هذا الدور؟
أجاب بسّام:
أما عن الإسلاموفوبيا، فلا شك أنها موجودة وبقوة، لكن بعون الله، الذي هو المُسدِّد ووليّ التوفيق، نحن نقوم بواجبنا، ونتوكل عليه. نحاول نشر ثقافتنا بفعالية، ونُوصل رسالتنا والأهداف التي نسعى إليها دومًا، وقد بدأ هذا العمل يؤتي ثماره بشكل واضح داخل الجالية
هذا التأثير نلمسه بقوة، خاصة أن معظم أعمالنا موجهة إلى الجالية والمجتمع الديني، وبالتالي فهي تلقى صدى واسعًا. الكشاف بدوره يسعى إلى إيصال هذه الرسالة من خلال أعماله الفنية ونشاطاته المتنوعة والمتميزة دائمًا.
وقالت ملّي:
برأيي، يصبح الأمر واجبًا علينا. ما دُمنا نمارس الفن، فعلينا أن نضع في أذهاننا أننا نريد أن نكون في موقع التأثير، لا في موقع المؤثر عليه. نحن مَن يجب أن يخاطب العالم ويقول له: أنتم تمارسون ظلمًا واضحًا، أنتم تتركون المجازر تُرتكب دون أن تحركوا ساكنًا.
لقد بتنا نتابع المجازر تُعرض مباشرة، والعالم مستمر كأن شيئًا لا يحدث. لماذا يجب أن ننتظر الإذن حتى نُعبر؟ لا، نحن مَن يقرر ذلك. لسنا بحاجة إلى انتظار "الظروف المناسبة"، وإلا فإن ما نقوم به سيفقد معناه. كيف يمكن أن تقوم مقاومة حقيقية، ونصرة للحق، إذا كنا ننتظر أن تتحسن الظروف، فالظروف لن تتحسن أبدًا طالما أن هذا الشر قائم.
وعن سؤال: هل تعتقدون أن المسرح – كأداة فنية – يمكن أن يكون وسيلة لنشر لثقافتنا في كندا من جميع النواحي وهو ما يحتاجه الجيل الجديد الذي لم يعش في لبنان؟ هل هذه المسرحية محاولة في هذا الاتجاه؟
أجاب بسّام:
أنا لا أرى الفن كأداة ممكنة فحسب، بل أؤمن، وأجزم، بأن الفنون عامة، والمسرح خاصة، من أفضل الوسائل لنشر ثقافتنا، وقيمنا، وديننا في كندا.
وخاصة عندما يتعلق الأمر بالجيل الجديد الذي وُلد هنا، ولم يعِش كثيرًا من الأجواء الخطابية والدينية التقليدية، فإننا نعمل جاهدين على إيصال الرسالة بأسلوب فني، سواء عبر الإنشاد أو المسرح أو غيرها من الوسائل الفنية.
لا شك أن هذه وسيلة مؤثرة وناجحة لنقل ثقافتنا، وعاداتنا، وقيمنا. وهذه محاولتنا المستمرة في هذا الاتجاه، وهي، من وجهة نظرنا، محاولة صحيحة وفاعلة.
كما قالت ملّي:
بصراحة، عندما كتبنا هذه المسرحية، كنا نخاطب اللبنانيين الذين اضطروا إلى مغادرة بلدهم. لم يكن الهدف توجيه الخطاب إلى الجيل الذي وُلد هنا في كندا، لكننا ذُهلنا من مدى تأثير المسرحية على هذا الجيل أيضًا.
الأشخاص الذين وُلدوا هنا شعروا بأن العمل يُشبههم، ويُلامس مشاعرهم. المسرحية احتوت على قصص من واقع اللبنانيين، سواء من عاشوا في لبنان أو من وُجدوا خارجه، ومع ذلك شعر الجميع بأنها تعنيهم وتمسّهم.
نحن نعيش في زمن يُحاول البعض فيه تشويه الفن، وسلبه مكانته الحقيقية. وفي ظل التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، أصبح الفن معرّضًا للسرقة.
اليوم، صار من السهل أن يُسرق عمل فني، أن يُختزل جهد فنان يعمل منذ أربعين عامًا، ويُحوَّل إلى فلتر باستخدام الذكاء الاصطناعي... مثلما حدث مع أعمال المخرج الياباني هاياو ميازاكي، حيث استُخدمت بصرياته دون إذنه، ولم يحصل حتى على سنت واحد.
الناس لا تُدرك حجم القيم التي يتم التنازل عنها بكبسة زر، وكأن سرقة الفن باتت أمرًا عاديًا.
ما أودّ قوله هو أن حضور الجمهور لعمل فني هادف وذو رسالة، هو فعل مقاومة.
أنتم، حين تأتون لمشاهدة هذا العمل، تُعيدون للفن معناه الحقيقي ودوره الجوهري في المجتمع: فالفن، في جوهره، هو تجلٍّ من تجليات الله على الأرض. الموضوع حساس جدًا.
وكان سؤالنا الختامي عن أثر هذا العمل، وماذا يأملان أن يبقى في ذاكرة الجمهور؟
أجاب بسّام:
بطبيعة الحال، كنت أسأل نفسي: أين دوري هنا؟ ماذا يمكن أن يكون دوري مقارنةً بأولئك الذين قدموا أرواحهم ودماءهم فداءً للوطن؟ ما الذي يمكن أن يقدمه دوري أمام ما يقومون به؟
طبيعي أن هذه المسرحية أثرت فيّ بشكل عميق. وأكيد أننا ركزنا على موضوع الحقيبة، أين كنتَ ستكون؟
هذه الحقيبة رمزية، فهي تعني أنه بغض النظر عن مكان وجودنا، يبقى لنا دور في تمهيد الطريق لظهور الإمام المهدي، ونشر رسالة الإسلام وأهل البيت.
نحن معنيون بنشر تقاليدنا، وأخلاقنا، وتعاليم ديننا، ولذلك فلدينا دور كبير في هذا البلد.
هذا ما آمل أن يبقى في ذاكرة الجمهور: أن لا يقول أحد "ما لي دور". أينما كنت، ومهما كان موقعك، لك دور في نشر دينك وتعاليم دينك.
وردّت ملّي:
ما أودّ أن يبقى في ذاكرة الجمهور هو ألّا نسمح للمشاعر بأن تشلّنا أو تقيدنا. قد يحدث حدثٌ ثالث ورابع وخامس، وقد نظل نشعر أننا عاجزون ومربوطون، لكن لا ينبغي أن نتيح لمشاعر اليأس أن تسيطر علينا.
نعم، قد نخاف، لكن علينا أن نتعلم كيف نسيطر على مشاعرنا، ونسأل أنفسنا: كيف يمكن أن نحوّل مشاعر اليأس والضعف إلى طاقة وقوة؟ هذا هو ما أرجو أن يظل حاضرًا في ذاكرة الجمهور.
اللبناني، عندما يتغرب، يمرّ بتجربة مزدوجة: يشعر بأنه لا منتمٍ للمكان الذي يعيش فيه، وعندما يعود إلى لبنان يشعر أن بلده لم يعد كما كان. خصوصًا بعد هذه الحرب، سنعود لنجد شوارع عشنا فيها طفولتنا، لم تعد موجودة... أحياء اندثرت، قرى تغيّرت، وسندرك كم تغيّر هذا البلد علينا.
لكن لماذا يجب أن نظل في هذا الشعور المُعلّق، لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك؟ نحن لا نقول من خلال هذه المسرحية للناس: "ابقوا" أو "عودوا". القرار في النهاية شخصي، وكلٌّ أدرى بظروفه وقدراته.
تعمّدنا أن نترك النهاية مفتوحة، رغم أن الجمهور غالبًا لا يحب النهايات المفتوحة، بل يفضّل أن يصل إلى استنتاج. لكننا لم نسمح لأنفسنا أن نقدّم جوابًا حاسمًا. لا "ابقوا"، ولا "عودوا"، لأن ذلك ليس قرارنا. في النهاية، يُنادى على اسمه: "النداء الأخير".. تركنا للجمهور أن يتأمل في هذا المشهد الأخير وكيف يريد هو أن يرد على هذا النداء.
تعليقات من الحضور
كان لنا حديث مع عدد من الحاضرين الذي عبّروا عن تأثرهم بالمسرحية وأهميتها.
بتول فرحات:
كان إنتاج المسرحية رائعًا، النص مؤثر، سررنا بالحضور والتفاعل. الحقيقة أن المسرحية عمل جديد ومميز، وتحمل رسائل مبطنة ومؤثرة، ننفعل معها بعواطفنا ونتذكر ما مررنا به وعشناه هناك، وتجعلنا نفتخر بصمودنا، بالأيام المرّة، كما نفتخر بالأيام الجميلة. المسرحية تعطي الجيل الجديد هنا معنويات وتعرّفه ماذا يعني أن يكون للإنسان كرامة وعزّ وافتخار بموطنه وانتساب له. وأنا سعيدة أن ابني شاهد المسرحية وتفاعل معها، لأنه يشاهد الأخبار معنا، ويعي ماذا يحدث هناك، فجاءت المسرحية محملة برمزيات استطاع أبناؤنا التقاطها وفهمها.
محمد جنبلاط:
المسرحية جميلة، ومعانيها جميلة، تعيدنا إلى ذكرياتنا في لبنان، وإلى حاضرنا اليوم. العمل مؤثر جدًا. تعكس المسرحية وضع لبنان والحرب الإسرائيلية توصف تماما ما يحدث وتجعل كل لبناني منا في كندا يتذكر ويعرف أين هو مكانه وما هو دوره الحقيقي هنا.
مهدي طه:
المسرحية مميزة والكشاف عوّدنا على مسرحيات جميلة من عشرات السنين. المميز هذه السنة هو الأداء والإخراج، كان واضحًا وجود نقلة نوعية. طبعًا المسرحية تحاكي الواقع الذي عاشه اللبنانيون وأهالينا هناك من سنتين، والظروف الحالية في وطننا لبنان. وهي تدفعنا لتحديد أدوارنا هنا وهناك. مسرحية تحرذك المشاعر وفي الوقت نفسه توصل رسالة هادفة.
مروى منعم:
الحقيقة أن المسرحية مشغول عليها جدًا، هناك جهد كبير. وهي معبّرة جدًا. هي أجمل مسرحية من مسرحيات الكشاف المسلم. أنا ولدت هنا ولكني عشت في لبنان 9 سنوات، وهذا ما جعلني أتأثر كثيرًا. فيها قصة تشبه كل واحد منا، وهذا كان شيئًا مميزًا ومؤثرًا.
مصطفى مصطفى:
جمالية المسرحية في أنها مزجت الكوميدي بالتراجيدي، فكنا نضحك أحيانًا ونحزن أحيانًا أخرى. كان فيها مواقف صعبة علينا. الإنتاج رائع، شاهدت مسرحيات لكشاف المسلم من قبل، كانت جميلة، ولكن هذه المسرحية مستواها أعلى مما سبق. مسرحية مؤثرة لنا ولأبنائنا. تجعلنا نتذكر ونفكر في أحوالنا. كنت صغيرًا لما وصلت من لبنان، فمثل هذه المسرحيات تجعلني أشعر أكثر بالمواقف والأفكار التي طرحها العمل.
* الصور من محمد حسين مواسي
359 مشاهدة
05 مايو, 2025
317 مشاهدة
22 أبريل, 2025
296 مشاهدة
13 أبريل, 2025