Sadaonline

الفرنجي برنجي

الحملة الشعواء التي شنّت على ماكرون محيّرة ومضحكة !

 

د. علي ضاهر

 

منذ مدّة غير بعيدة ضجّت وسائل الاعلام الفرنسية بالمقالات المنتقدة لمصطلح ورد في خطبة لرئيس جمهورية فرنسا، إيمانويل ماكرون. بعض هذه المقالات كانت موقّعة بأقلام علماء اللسانيات المدافعين عن لغة لافونتين، من عيار لويس كالفي، مؤلف "البحر الأبيض المتوسط، بحر لغاتنا"، وبعضها الآخر ممهورة بأقلام فرنسيين عاديين من الذين يعتبرون ان اللغة عنصر فعال من العناصر المحددة للهوية.

مواقع التواصل الاجتماعي، بدورها، لم توفر من شرها ساكن الإليزيه ولم ترحمه بسبب المصطلح الذي استعمله في خطبته، فأدلت بدلوها في هجائه وانهالت عليه بمئات التغريدات المنتقدة. وهكذا فعلت الإذاعات، فقامت هي الأخرى برجم الرئيس الشاب لاستعماله ذلك المصطلح، ورمته بألفاظ، أشد من تلك التي كان يستعملها الحطيئة، الشاعر الذي لم يسلم أحد من شر لسانه حتى انه لم يتوانَ عن هجاء نفسه ووالدته وأبيه وزوجته. 
الحملة الشعواء التي شنّت على ماكرون محيرة. أيكون قد "كسر مزراب عين" اللغة الفرنسية او انه "الفدان الكبير" الذي أحدث ثلما أعوجا في متن لغة فيكتور هيغو او انه اقترف "خطيئة مميتة" بحق نحو وصرف لغة بودلير وارتكب فاحشة لغوية تستدعي إقامة الحد عليه في الدنيا وإذاقته مرّ العذاب في الآخرة.

فتشت عن سبب الحملة التي شنّت عليه وعلى الجرم اللغوي الذي اقترفه. بعد بحث وتنقيب توصلت الى فكّ سر تلك الحملة: الرئيس الفرنسي، عند كلامه عن الديمقراطية في إحدى الخطب، استعمل مصطلحا واحدا وحيدا فريدا لا غير، وذلك بقوله بالإنكليزية "bottom up" بدل "de bas en haut" الفرنسية. وهذا هو سبب الحملة الشرسة التي طالته وأدّت الى قيامة الدنيا عليه ولم توفر حتى حرمه المصون، بريجيت، كونها المعلمة التي اوقعته في حبين: حبها وحب اللغة الفرنسية كما وهَيَّمَته عبر اللسان وذلك بعكس باقي نساء العالمين اللواتي يجذبن الرجال عن طريق المعدة!

عند المعرفة ان الحملة التي شنّت على الرئيس الفرنسي سببها استعماله لمصطلح واحد فقط في خطبة طويلة عريضة، أضحكني صغر عقل الفرنسيين وضيق أفقهم وقصر نظرهم ومحدودية تفكيرهم، وقلت في نفسي ماذا لو تمثّل اللبنانيون بفرنسا، أمهم الحنون (وليتهم فعلوا ذلك في هذا الميدان فقط)، وأقاموا الحد على المسؤولين اللبنانيين وشرعوا بمحاسبتهم على تمرريهم في خطبهم ومداخلاتهم كلمات أجنبية أكثر من الكلمات العربية وأكثر من الأموال التي كدّسوها عن طريق السرقة والفساد! لكن سرعان ما تذكرت ما يلي: أولا، البعض في لبنان - ساسة وغير ساسة - يتمسك بتصنيف حضاري مرتفع للآخر تبعا لاستعمال مفردات أجنبية خلال الكلام؛ وثانيا، مبدأ المحاسبة مفقود في كافة الميادين ولا يمكن تطبيقه في لبنان لأنه يمس بالصيغة اللبنانية "الفريدة" التي تتبجح ب"التوافقية" وَلاَّدة المصائب وام العلل ومُعَطّلَة المحاسبة! فهل تمّت محاسبة مسؤول على أمر ما حتى يُحاسب على عيوب لغوية! خصوصا إذا عرفنا ان العديد من اللبنانيين، ساسة ومواطنين عاديين، يشكو من عقدة "الفرنجي برنجي" ويعتبر تمرير كلمات ومصطلحات أجنبية في حديثه نوعا من علو الكعب ورفعة المنزلة ورقي المرتبة بينما استعمال لغة بلده تدنّي في المقام وانحدار للمكانة الاجتماعية. وعقدة "الفرنجي برنجي" لا تطال استعمال كلمات اجنبية فقط بل تنسحب على مختلف مظاهر حياة "المتفرنجين"، لدرجة انهم، وفي سعيهم للابتعاد عن باقي إخوانهم من اللبنانيين، يتنكرون لفئة كبيرة منهم مصرحين: "هودي ما بيشبهونا"!

صورة الرئيس مامرةن منصفحة قصر الاليزه

الأخبار المتعلقة