Sadaonline

فوز زهران ممداني: درس في الديمقراطية والمشاركة المدنية

قصة ممداني تقول للشباب العكس: إن أصواتهم، حين تتحد وتثابر، قادرة على زعزعة أعتى الأنظمة ترسّخًا.

سامر المجذوب - مونتريال

بعيدًا عن تفاصيل الحملة الانتخابية، فإن فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك ليس مجرد انتصار غير متوقّع، بل هو حدث يزلزل حقًا المشهد السياسي الأمريكي التقليدي.

إن صعود ممداني من منظمٍ مجتمعي إلى قمة واحدة من أكثر مدن العالم تأثيرًا، يمثّل أكثر من مجرد انقلاب سياسي. إنه علامة على تجدد الديمقراطية، وتذكير بأن المجال العام ليس حكرًا على النخب، بل يمكن استعادته من قِبل أولئك الذين طالما دُفعوا إلى هوامش صناعة القرار.

في وقت يرى فيه كثير من المواطنين، خصوصًا الشباب، أن السياسة بعيدة أو عديمة الجدوى، يعيد فوز ممداني إحياء الإيمان بأن المشاركة المدنية لا تزال ذات معنى. فحملته لم تنطلق من غرف مجالس الشركات أو السلالات السياسية، بل من الشوارع والفصول الدراسية والحركات الشعبية التي يقودها الناس العاديون.

إنها قصة أفرادٍ رأوا أنفسهم لا كمشاهدين للديمقراطية، بل كمشاركين فاعلين فيها.

هذه اللحظة تدعونا إلى التأمل في المعنى الحقيقي للمشاركة المدنية. فهي تتجاوز مجرد الإدلاء بصوتٍ انتخابي كل بضع سنوات؛ إنها تتعلق بالمشاركة المستمرة، وبالاستفهام والتنظيم والدفاع عن العدالة.

إن الديمقراطية تزدهر ليس حين يكون المواطنون مستهلكين سلبيين للسياسة، بل حين يصبحون مشاركين في صياغة العقد الاجتماعي. وتجسّد قصة ممداني هذا المبدأ: إنها انتصار المشاركة على اللامبالاة، والأمل الجماعي على الإرهاق السياسي.

وبالنسبة للشباب خصوصًا، يحمل هذا النصر رسالة تمكينية. فمن مونتريال إلى نيويورك إلى نيروبي، يُقال للشباب كثيرًا أن ينتظروا دورهم أو يتركوا السياسة "للمحترفين". لكن قصة ممداني تقول لهم العكس: إن أصواتهم، حين تتحد وتثابر، قادرة على زعزعة أعتى الأنظمة ترسّخًا.

لم تكن حملته فقط عن الفوز بالأصوات، بل كانت أيضًا عن استعادة الكرامة والانتماء والفاعلية للمجتمعات التي غالبًا ما يُجعل أفرادها يشعرون بأنهم على هامش النقاش الوطني.

وبالقدر نفسه من الأهمية، يؤكد فوزه على قوة التمثيل الشامل. فعندما يصل أفراد من خلفيات متنوعة إلى مواقع القيادة، فإن ذلك لا ينوّع السياسة فحسب، بل يقوّي الديمقراطية نفسها. إنه يتحدى الصور النمطية، ويفتح حوارات جديدة، ويبني جسورًا عبر الانقسامات.

فالمشاركة السياسية ليست حقًا مجرّدًا بل ممارسة حيّة يجب أن تتطور باستمرار لتعكس المجتمعات التي نصبحها.

ومع ذلك، فإن الانتخابات ليست سوى البداية. فالفوز قد يكون الجزء الأسهل من قصة ممداني. أمامه تحديات هائلة: إدارة مدينة معقدة، الموازنة بين المثالية والبراغماتية، معالجة التوتر الذي يصاحب التغيير، توحيد سكان نيويورك على اختلاف خلفياتهم، ومواجهة الجمود المؤسسي.

كل قائد يسعى إلى الإصلاح يواجه دائمًا التوتر بين عجلة التحول ومقاومة النظام القائم. ولن يُقاس الأثر الحقيقي لممداني بالعناوين الأولى، بل بعمق واستمرارية التغيير الذي سيُلهِمه.

ومع ذلك، حتى قبل أن يتولى منصبه، حقق فوزه أمرًا مذهلًا: ذكّرنا بأن الديمقراطية، رغم ما تواجهه من عقبات اليوم، ليست ميتة. إن تجددها لا يعتمد على الكاريزما، بل على الانخراط والمشاركة والشجاعة.

إن انتصار ممداني يعيد إشعال الإيمان بالفكرة القائلة إن الديمقراطية — رغم كل عيوبها بالنسبة للبعض — تبقى أكثر أشكال الحكم إنسانية، لأنها تخص أولئك الذين يجرؤون على الإيمان بها.

وبالنسبة للكثيرين، وخاصة أولئك الموجودين على هامش المجتمع، يجب أن يشكل هذا النصر دعوة لإعادة تخيّل فضاءاتنا المدنية، ورعاية القيادات الشابة، وبناء مجتمعات تكون المشاركة فيها أمرًا متوقعًا لا استثنائيًا.

فمستقبل الديمقراطية لن يُحمى بالتشاؤم أو اليأس، بل بالناس العاديين الذين يتقدمون الصفوف في المجالس المحلية، ومجالس المدارس، وجمعيات الأحياء، وبلديات المدن ليطالبوا بمكانهم المستحق في تشكيل مصيرنا المشترك.

في النهاية، انتخاب ممداني لا يتعلق بنجاح رجل واحد، بل بالحيوية الدائمة للإرادة المدنية.
إنه تذكير بأن الديمقراطية، في جوهرها، عمل من أعمال الإيمان — إيمان بأن الناس، حين تُمنح لهم الفرصة، قادرون على تجاوز الانقسام وتجديد المؤسسات التي وُجدت أصلًا لخدمتهم.

*سامر مجذوب هو رئيس «المنتدى الإسلامي الكندي»، وهي منظمة كندية مقرها مونتريال تُعنى بتعزيز قيم الإدماج والحوار والمشاركة المدنية والمواطنة الفاعلة.

*الصورة من صفحة ممداني عبر منصة فيسبك

* نشرت بالانكليزية كمقالة خاصة كتبت لصحيفة الغازيت في مونتريال