Sadaonline

سي السيّد

المراقب لتصرفات ترامب يعرف أننا أمام شخصية أمريكيّة هي تجسيد فعلي لشخصية "سي السيد" التي رسمها قلم نجيب محفوظ


د. علي ضاهر ـ مونتريال

 

"سي السيّد" شخصية درامية خطّها قلم نجيب محفوظ محاولاً من خلالها رسم صورة لربّ الأسرة الشرقية، مبيناً فيها كيف ان جميع أعضاء البيت، من أصغرهم الى اكبرهم، يحاولون بجهد وجد إرضاء رب الأسرة بشتّى الطرق، الّا انهم لا يجنون مقابل خضوعهم له الّا خيبة أمل ما بعدها خيبة ولا يحصلون جراء انصياعهم له الا الظلم الفادح الذي لا ينتهي، ولا ينالون من استسلامهم لإرادته الّا المعاملة القاسية المتعسفة.  ف "سي السيّد" نموذج للشخص المتسلّط العنيف والمتزمّت، صاحب الطلب المجاب والأمر المطاع والكلمات القاطعة، المسيطر على البيت بجميع من فيه والذي يحاول أولاً استعباد الزوجة والتلذّذ بإهانتها، ويسعى ثانياً الى السيطرة على أولاده والتمتع بخنوعهم.

صورة ال"سي السيّد" هذه تمرُّ أمام ناظري كلّما نظرتُ الى ترامب وسمعتُ كلماته ورأيتُ حركاته. فالمراقب لتصرفات هذا الرجل والناظر الى مشيته والراصد لإشارات يديه والمتمعن في طريقة تعامله مع المستشارين والفاحص للسبل التي يتبعها في إِسكات المعارضين وحماسته في قمع الناقدين والقارئ للتغريدات التي ينشرها يومياً والهيبة التي يحاول ان يرسمها على ملامحه والرصانة التي يسعى لإضفائها على وجهه، كل هذه الأمور والتصرفات توحي بأننا أمام شخصية أمريكيّة هي تجسيد فعلي لشخصية "سي السيد" التي رسمها قلم نجيب محفوظ الفذ.

فترامب مثله مثل "سي السيّد": مسيطر، ظالم، مستبد، متعسف، مكروه، يسعى جميع أعضاء البيت لإرضائه بشتّى الطرق، لكنهم لا يجنون مقابل خضوعهم وانصياعهم له الّا خيبة الأمل والظلم والمعاملة القاسية. لكن ال "سي السيّد" الأمريكي ليس ربّ أسرة عاديّة، صغيرة، يرتبط أعضاؤها ببعضهم البعض برابطة الدم، بل هو ربّ لأسرة كبيرة، ينتمي اليها ساسة كبار ورؤساء وملوك وأمراء ومشايخ يتحكّمون بشعوب وأموال ومصادر، يقضون الليالي الطوال في استنباط الطرق والسبل لإرضاء أبيهم الروحي المتسلّط. لا يبخلون في بذل الغالي والرخيص من أجل الحصول على ابتسامة منه، ويبذلون المال والكرامة والشرف في سبيل التفاتة منه. فهو يسيطر على بيته الكبير هذا بطريقة لا تحتمل التهاون ويريد من الجميع تلبية مراده وتحقيق نزواته كما ويعتبر ان كل ما تراه عيناه ملكاً له ويريد الاستحواذ على كل ما يقع تحت يده، وذلك كما فعل في دورته السابقة مع السعوديين، طال عمرهم، حين ابتزّهم ب 500 مليار دولار او كما يريد حالياً ابتزازهم ب 500 مليار أخرى ثمنا لزيارته الأولى لهم. فهو قد قال عند سؤاله عن وجهته المحتملة الأولى هذه المرة: "إذا أرادت السعودية شراء ما قيمته 450 أو500 مليار أخرى، فأعتقد أنني غالبا سأذهب أولا الى هناك"! التوقعات تدل على ان زيارة ترامب الأولى ستكون الى السعودية. فمن شيمهم انهم عادة ما يستقوون على الضعيف، كلبنان مثلا، وينحنون أمام القوي.

على كل حال حتى وإن لم يحصل ترامب على هذه الأموال مباشرة فان صهره وإسرائيل سينعمان بدعم من أموال الخليج. فبينما يبخلون على لبنان بالفتات لإعادة اعمار ما هدمته آلة الحرب الإسرائيلية تراهم يساهمون في بناء المزيد من المستعمرات في الضفة الغربية عن طريق مضاعفة حصصهم في شركةAffinity Partners وهو صندوق مملوك لجاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب، الذي يستفيد من التمويل السعودي. هذا وقد حصل الصندوق للتو على موافقة الجهات التنظيمية الإسرائيلية لمضاعفة حصته في شركةPhoenix Financial  التي تمول بناء المستوطنات في الضفة الغربية الفلسطينية.

 

الكلمات الدالة