Sadaonline

المجموعة القصصية " إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً "... حياةُ شعبٍ ينهضُ من تحت رماد المأساة

إعتمدت الكاتبة على أسلوبين متداخلين: الواقعية التقريرية والواقعية التعبيرية

 

بقلم: جاسم نعمة مصاول

 

أطلقت الكاتبة القصصية الكندية ــــ الفلسطينية الأصل لولوة غازي أبو رمضان مجموعتها القصصية الثانية في مدينة مونتريال الكندية خلال الاسابيع الماضية، والتي نالت تفاعلًا ايجابيًا من قراء الجالية العربية في هذه المدينة الرائعة عاصمة الثقافة الكندية...

تقدّم هذه المجموعة القصصية" إنَّ معَ العُسْرِ يُسْرا" التي كتبتها القاصة ابو رمضان،  لوحة إنسانية شديدة الثراء، تجمع بين التوثيق الواقعي الدقيق والتعبير الأدبي العميق، لتصوغ شهادة صادقة على ما يعيشه أهل غزة من مآسٍ يومية تحت القصف والحصار . فهي من جهة صرخة في وجه القتل الوحشي الصهيوني واللاإنساني، ومن جهة أخرى احتجاج على صمت عربي ودولي يتجاوز حدود التقصير ليصبح شريكًا في الجريمة. وفي كل قصة، تمتزج الحقيقة بالخيال الفني لتقديم تجربة سردية تتجاوز حدود المباشرة إلى ما يشبه الحفر في الطبقات النفسية والاجتماعية للشخصيات. 

 

إعتمدت الكاتبة على أسلوبين متداخلين: الواقعية التقريرية التي تنقل الحدث كما هو، بتفاصيله اليومية وملامحه الحادة، والواقعية التعبيرية التي تحاول التعبير عن عمق الحدث لا عن سطحه فقط، من خلال التركيز على الأحاسيس الداخلية والانفعالات الإنسانية المتولّدة تحت ضغط الحرب. هذا التوازن بين الشكلين يمنح النصوص قدرة على لمس القارئ من جهتين: جهة الحقيقة الصادمة، وجهة المشاعر العميقة التي تختبئ خلف تلك الحقيقة.

من خلال الشخصيات الشعبية التي اختارتها الكاتبة، نساءً، رجالًا، أطفالًا، أطباء، وأناسًا عاديين يحاولون النجاة كل يوم، يستطيع القارئ أن يعيش التجربة الغزّية من الداخل. فالكاتبة لا تكتفي برصد الدمار والقتل، بل تشتغل على الصورة النفسية: الخوف الذي يتحول إلى صبر، والانتظار الذي يُنبت أملاً، والوجع الذي يقود إلى نوع من التمرّد الهادئ والعناد الوجودي.
وتقدّم، في أثناء ذلك، مشاهد لا تُنسى لبطولات صغيرة وكبيرة، أبرزها تلك التي تروي عمل الأطباء والمساعدين تحت القصف، حيث يصبح إنقاذ الحياة فعلًا بطوليًا يتجاوز حدود المهنة ليلامس المعجزة.

ولا يقتصر حضور غزة في هذه المجموعة على مأساة الحرب وحدها، بل يظهر أيضًا عبر تفاصيلها الجميلة: خيرات الأرض، وفواكهها، وذكريات أهاليها، وحتى ملامح نسائها اللواتي يصررن على الحفاظ على جمالهنّ رغم الجراح. وكأن الكاتبة تقول إن غزة ليست فقط مكانًا للقصف والموت، بل هي مكان للحياة التي ترفض أن تنطفئ.

كما تتضمن المجموعة لحظات إنسانية مؤثرة، مثل الحوار بين معلمة كندية من أصل فلسطيني وطالبها، وهو حوار يفتح بابًا للتأمل في تجربة الهجرة والاندماج، وكيف يحمل الفلسطيني هويته معه أينما ذهب، لا كجواز سفر بل كذاكرة لا يمكن أن تُنتزع.

ومن الملامح اللافتة أيضًا لجوء الكاتبة إلى إدراج آيات قرآنية في بعض القصص لتعزيز بعدها الروحي والأخلاقي. وعلى الرغم من الجدل المعتاد حول هذا الأسلوب، فقد استطاعت الكاتبة أن توظّف الآيات في سياق يخدم النص ولا يثقل عليه، بل يمنحه بعدًا دلاليًا إضافيًا، ويجعل حضور المقدّس امتدادًا طبيعيًا لحياة الناس في غزة، حيث يختلط الألم بالدعاء، والانتظار بالإيمان.

أما من الناحية الفنية، فقد جاءت القصص متماسكة البناء، واضحة التسلسل، متحررة من الإطالة غير اللازمة أو التعقيد اللغوي. وحرصت الكاتبة على استخدام لغة شفافة وسرد سلس، مع لمسات فنية ذكية في أماكن محددة، خاصة حين تنتقل من الوصف الخارجي إلى تناول الحالة النفسية للشخصيات. ويكشف هذا العمل عن قدرة الكاتبة على الموازنة بين الوظيفة الإنسانية للنص ــــــ بوصفه شهادة على واقع مأساوي ــــــ والوظيفة الفنية بوصفها نصوصًا أدبية مكتملة العناصر.

وفي النهاية، تمثّل هذه المجموعة إضافة مهمة إلى الأدب الفلسطيني المعاصر، كونها لا تكتفي بتوثيق الجراح، بل تُبرز أيضًا قدرة الإنسان على المقاومة والصمود والحفاظ على المعنى وسط العبث. وهي بهذا تسهم في حفظ الذاكرة، وفي مواجهة محاولات محو الحقيقة، وفي منح القارئ نافذة صادقة على غزة التي تنزف وتنهض في الوقت نفسه.

 نأملُ أنَّ تكون هذه المجموعة القصصية إضافة جديدة الى المكتبة العربية والى الادب العربي في بلاد المهجر.