دارين حوماني ـ مونتريال
وسط أخبار الحزن اليومي القادمة من فلسطين ولبنان، يأتي "مهرجان العالم العربي في مونتريال" Festival du Monde Arabeكضوء عابر من فوق الرماد، مثل مسكّن للألم، يأخذنا بعيدًا ثم يقرّبنا في برمجة أرادها رئيس المهرجان المهندس جوزيف نخلة أن تكون متلاصقة مع يوميات غزة، في الوقت الذي كان مقرّرًا الاحتفال بالعيد الـ25 للمهرجان هذا العام، استبدل نخلة البرمجة من احتفالية ربع قرن إلى صدى أصوات فلسطين، بألمها وأملها المتواصل بالحياة، و"إفساح المجال للأعمال والفنانين الذين يتشاركون معنا شعورنا بخيبة الأمل، فهذه الذكرى لا تشبه أي ذكرى أخرى" كما جاء في بيانالمهرجان الذي حمل شعار "سوء فهم: 25 سنة من الأحلام الملوّنة" Méprises, 25 ans de rêves en couleurs. انطلق المهرجان في 25 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر ويستمر حتى 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
ويذكر القيّمون على المهرجان في البيان لهذا العام: "في ذلك الوقت، كان الهدف من مهرجان العالم العربي في مونتريال العثور على الآخر داخل أنفسنا - وهي المهمة التي لا تزال تحدّدنا اليوم. منذ تأسيسه، كان المهرجان يبني جسورًا بين المجتمعات والثقافات"..
"هذا العام، نجد أنه من المستحيل أن نحتفل بإنجازاتنا ونربّت على أكتافنا بينما نتجاهل غزة. في عام 2023، وفي ظل الأحداث التي وقعت في الخارج، كرّسنا المهرجان بأثر رجعي للأرواح البريئة التي فقدت في فلسطين. وبعد مرور عام واحد، بدلًا من إطفاء شموع عيد ميلادنا، نظل في قبضة خيبة الأمل، حيث يتردد صدى ضجيج الحرب المتواصل بلا هوادة في آذاننا".
ويتابع البيان:
"ولكن كيف يستجيب العالم لهذا الدمار الوحشي؟ ألا يرى ما يحدث، يومًا بعد يوم، هذه الكارثة المستمرة، هذا المشهد المأساوي من الرعب الذي لا ينتهي؟ القنابل، والطائرات بدون طيار، والجثث المشوهة، والأجساد المشوهة، ودموع الألم على أحبائهم الذين فقدناهم إلى الأبد. والاستجابة لهذه الصور - للصرخات اليائسة، وصراخ الحزن والحداد - هي صمت رهيب يصم الآذان. هل هو اللامبالاة؟ العمى المتعمد؟ أم الخوف من وحشية إنسانيتنا؟ وفي الوقت نفسه، يستمر الغبار المتصاعد من الأنقاض في تغطية المقابر الجماعية للضحايا المجهولين، مثل رغوة موجة عنيفة تضربهم. هل لن يحيي أحد ذكرى خسارتهم؟"
اختار المهرجان شخصية حنظلة لتمثّل روح المهرجان هذا العام، وعن ذلك يذكر البيان:
"لقد كنا نحلم بالألوان لمدة 25 عامًا، فقط لندرك أخيرًا أننا وقعنا فريسة لوهم. لقد أعمتنا بريق العالمية والرؤية الطوباوية للتنوير، والتي تلاشت مثل سراب الصحراء. لقد تصدعت الواجهة، وتراجع العالم المتحضر المزعوم إلى صمت خانق. خيبة الأمل. فقط حنظلة الصغير، شخصية ناجي العلي البريئة، بقي واقفًا وسط الدمار، ظهره إلى الخلف. إنه الرمز النهائي للأمل، لأن الأمر يتطلب روح طفل لمواصلة البحث عن الجمال وخلق الفن بينما تنهار جدران العقل من حولنا".
ويشعر القيّمون على المهرجان بالخيبة من شعارات حقوق الإنسان التي استثنت غزة من إنسانيتها "في عالم حيث لم تكن الحاجة إلى الوحدة والعدالة والعقل والإنسانية أكبر من أي وقت مضى، اليوم، تعرّضت هذه المبادئ المزعومة لهجوم عنيف، وتم التلاعب بها بلا مبالاة قاتمة واستنزاف معناها. إن هذه الأصنام الباهتة، هذه الكلمات التي كانت في يوم من الأيام مصدر إلهام ورفع من معنويات كل من تمسّك بها، أصبحت الآن مجرد أدوات قمع، يتم استغلالها والتلاعب بها في خدمة القسوة العشوائية للجغرافيا السياسية. هل خُدِعنا جميعًا؟ أم أننا كنا نخدع أنفسنا؟".
يتضمن المهرجان ندوات حول التاريخ والعنف والهويات الممزقة في فلسطين والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، وفعاليات فنية وموسيقية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفلسطين، ومن الفنانين المشاركين أميمة الخليل ونصير شمة، هي برمجة تقول لفلسطين ما قاله الروائي راسل بانكز للشعب الفلسطيني إثر زيارته مخيم جنين في 26 آذار/ مارس 2002: "أنتم لستم وحدكم".
تتناول إحدى حلقات النقاش بعنوان "غزة، الواقع المتغيّر" كيف "يكشف العنف المستمر في غزة عن التحالفات الحقيقية التي تشكل السياسات الغربية، وهي التحالفات التي تتناقض بشكل مباشر مع المبادئ المعلنة لاحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان". ويسلط الأكاديمي الجامعي في جامعة كيبيك في مونتريال رشاد أنطونيوس الضوء على قضية رئيسية في الصراع: استيلاء الحركة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية. ويقدّم أحد مؤسسي منظمة الأصوات اليهودية المستقلة في كندا فابيان برينسي تحليلًا نقديًا للصهيونية والسياسات الإسرائيلية. ويتأمل عالم الأنثروبولوجيا جيل بيبو، مؤلف كتاب "أنساب العنف: الإرهاب: فخ الفكر"، في قضية العنف.
كما ويقدّم ميلود الشنوفي، أستاذ العلاقات الدولية ومدير الدراسات العليا في كلية القوات الكندية في تورونتو، محاضرة بعنوان "دولة فلسطين: قضية عالمية".
وتجمع حلقة نقاش بعنوان "وسائل الإعلام، حرة ومستقلة" الكاتب والصحافي غيوم لافالي، والصحافي رامي أبو جاموس، والروائية والصحافية أنييس جرودا.
مديرة البرمجة في المهرجان هيندة بن صلاح
تواصلت صدى أونلاين مع إدارة المهرجان، وكان لنا هذا الحوار مع مديرة البرمجة في المهرجان هيندة بن صلاح.
نبدأ من دورة هذا العام، اخترتم حنظلة الفلسطيني كملصق للمهرجان، هي رمزية رائعة، ولكن نود أن نعرف كيف جاءت فكرة حنظلة، ومن منظوركم ما الذي يمثّله حنظلة اليوم؟
لقد تم التفكير مليًا في اختيار حنظلة. في الواقع، وأمام فظاعة الحرب المستعرة في فلسطين ولبنان والمجازر التي تجري هناك، كما هو موضح في نص موضوع هذا العام، ففي الأفق لم يبق واقفًا إلا حنظلة، تلك الشخصية البريئة التي تخرج من بين ركام الأشلاء، ويدير لنا ظهره. لأنه يتطلب حقًا روح الطفل لكي يجرؤ على الاستمرار في الإبداع عندما تنهار جدران العقل. بعصاه الساحرة وسلطة قائد الأوركسترا، يعيد الجمال البعيد الذي ينبعث من الغد الذي سيتولد.
نود أن نعرف منك عن أبرز الفعاليات أو الأنشطة التي تتضمنها برمجة المهرجان؟
هذه الدورة مميزة بشكل كبير. ففي الواقع، احتفالًا بمرور 25 عامًا على مهرجان العالم العربي في مونتريال، كنا قد خططنا لبرنامج خاص. ومع ذلك، كان من الصعب علينا الاحتفال وأن نشيد بالماضي وإنجازات المهرجان ونتجاهل آلاف القتلى والدمار الذي ينتشر في فلسطين ولبنان. لقد اتخذنا قرارًا بتأجيل هذا البرنامج وتقديم أعمال وفنانين يشتركون في نفس الرؤية، ونفس الشعور بالاستياء من الفجوة بين قيم العدالة، والحقوق، والتعايش، والعقل، والإنسانية التي يتم الترويج لها، وبين واقع يقوّضها ويدوسها ببرود ووحشية.
لهذا الغرض، وتحت شعار "سوء فهم: 25 سنة من الأحلام الملوّنة" تحتفي هذه النسخة بتنوّع الأصوات والمواهب: فنانون، سينمائيون، ومفكرون من جميع الخلفيات يجتمعون عبر مجالات الفنون المسرحية، صالون الثقافة، فضاء ألف، والسينما، لتقديم أنشودة لشعبٍ صُلب بسبب ألاعيب الأقوياء.
يجتمع رشاد أنطونيوس وفابيان برينسيتي وجيل بيبو في ندوة عن التاريخ والعنف والهويات الممزقة في فلسطين التي تقع على مفترق طرق التحالفات الجيوسياسية. كما يتناول ميلود الشنوفي المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون منذ ما يقرب من ثمانية عقود من زاوية التعارض بين السلطة والقانون الدولي. كما نظّم المهرجان ندوة يشارك فيها الصحفيون ميشيل ديسوتيل وغيوم لافالي ورامي أبو وأنييس جرودا عن التشكيك في حرية واستقلال وسائل الإعلام الغربية، التي تخضع للاختبار اليومي. كما أن إنكار الغرب هذا هو ما تبرزه لويز هاريل ونعمة معشوف، وسلطتا الضوء على صمت العالم في مواجهة هذه المأساة الفلسطينية المستمرة.
وتتناول زاهية المصري برفقة وسيلة تمزالي، روبرت فالكون ويلتي، فابيان بريزنتي، ومازن الخيري موضوع الاستعمار الاستيطاني في كندا، الولايات المتحدة، الجزائر وفلسطين، حيث يشكل التهميش والاستيعاب تهديدًا على حاضر ومستقبل الشعوب المستعمَرة.
كما يُعيد الشاعر المتجول أبو غابي إحياء تقاليد فلسطين من بدايتها إلى نهايتها في حفل حيوي، يولد الفرح والسعادة. من جانبهما، يشكل مغنيا الراب نارسي وعمر أفندم ثنائيًا حادًا، يجمع بين الموسيقى الحضرية والشعر الكلاسيكي من التراث العربي للاحتفاء بحياة البسطاء والمهمشين. وينسج المغني وكاتب الأغاني الجزائري أمين شيبان لوحة موسيقية حيث تتشابك الإيقاعات والأنماط بتناغم قوي لتغني عن تعطش شعوب العالم للسيادة.
ويأخذ المسرح مكانة مميزة مع إعادة تقديم الأوبريت الكلاسيكي "بائع الخواتم" للأخوين رحباني، بواسطة المصمم طوني يزبك وفرقة الأرز، حيث يجمع بين الغناء والرقص وعالم السحر. كما يتم تقديم عرض مسرحي في الكوميديا التأملية "كيف تعيش مع قطعة أثاث؟" لنيقولا فتوح. كما ويدعو قسم معرض المهرجان الثقافي المفكرين والصحفيين والفنانين لإثراء ومشاركة مناقشات وتأملات الدورة الخامسة والعشرين.
ويحلّل ريتشارد فولتز السرد الإعلامي المتعلق بالطاجيك، مستعرضًا تاريخ هذا الشعب العريق الذي كان حارسًا محترمًا للثقافة الإسلامية الرفيعة في آسيا الوسطى، لكنه بات اليوم مرتبطًا بالإرهاب.
ويقدّم مخرجون وفنانون من من زوايا العالم الأربعة، على غرار Bouts de ficelles مجموعة من الأعمال السينمائية التي تنبع من فلسطين، حيث تم اغتيال الشاعر رفعت العرير مع سبعة من أفراد عائلته. واستنادًا إلى قصة حقيقية لخادمة فلبينية ظلت في لبنان لمدة 30 عامًا من قبل أصحاب عملها الأوائل، تشرح جيزيل خياطة عيد كيف تنسج الواقع بالخيال في سياق كتابة الرواية.
كما يقدم قسم السينما نافذة على صمود وكرامة سكان غزة من خلال فيلم "يلا غزة" للمخرج رولاند نورييه Roland Nurier، ويدعونا إلى فهم الواقع الذي غالبًا ما يُختزل بجوانبه الأكثر مأساوية ويقدم تأملًا عميقًا في الجذور التاريخية والاضطرابات المعاصرة في غزة. كما يقدم لنا المخرجان عرب وطرزان ناصر الجيب الفلسطيني عبر فيلم Gaza mon amour، قصة صياد عجوز عاشق بجنون يكتشف تمثالًا قديمًا للإله أبولو في شباك صيده.
ومن خلال السفر إلى عالم السينما الملتزمة، تسلط المجموعة السينمائية "R21 aka Restoring Solidarity" الضوء على عالمية النضالات التحررية، مع بناء جسر بين اليسار الياباني والمقاومة الفلسطينية.
وفي "إن شاء الله ولد" للمخرج أمجد الرشيد، تُروى قصة نضال أرملة للحصول على حصتها من الإرث، لإنقاذ ابنتها وبيتها، في مجتمع يصبح فيه إنجاب ابنٍ أمرًا قد يغير المعادلة.
أما فيلم "أرزِه" Arzé فيأخذنا في جولة في شوارع بيروت عبر مغامرات أم مستعدة لفعل أي شيء لمساعدة ابنها على استعادة دراجته النارية، مما يكشف للجمهور عن التنوع الطائفي والاجتماعي في لبنان المعاصر.
وتستكشف الإبداعات الجديدة Cordes en flammes et Libertada، بالتناوب، ومضات وعظمة الثورة، مع خلفية أزمة عالمية كشفت عنها الكارثة التي تضرب منطقة نائية صغيرة، غزة.
تدعو هذه العروض، التي تحمل طموحات تمرّد وشعرية رهيبة، إلى استيقاظ عاطفي حول حالة العالم والهزات التي تعصف بالشعوب، والكوارث التي تبدو بعيدة لكنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالانهيارات الأخلاقية التي تلاحق مجتمعاتنا. وللرد على هذا المستنقع، الذي تغذيه بشكل متزايد الانحرافات الدينية والتجاوزات الحرفية، يقدم المهرجان عمل Origines, les Voix du Divin، حيث يجتمع الغريغوريون والصوفيون في تأمل موسيقي يتجاوز الانقسامات في عالم لا يزال تحت وطأة الفقدان الأرضي.
وكانت سهرة الافتتاح قد رفعت الستار بشكل باهر على جوهرة من أرض الزيتون، المغنية ناي برغوثي. إنها صوت مشرق وأثيري تقّم عرضها الأول في مونتريال للاحتفال بعجائب فلسطين وحلاوتها المنسية.
ونجد الريبرتوار الكلاسيكي من العصور الذهبية تجسيدًا جديدًا مع عبد القادر شاو، كمال بناني، وفيروز أودجيدة. تزدهر الأوبرا الغنائية في عمل غامر وثلاثي الأبعاد مخصص لشخصية القديسة مارين Marine، تلك المرأة من القرن الخامس التي تنكرت طوال حياتها لتكون راهبة مارونية في لبنان.
ولا تزال تانيا إيفانسون ورفاقها الدراويش الراقصون في السياق الروحي، يقدمون رحلة صوفية، من خلال الرقص والموسيقى، تأخذنا في دوامة من النور المقدس. كما يقدم قسم "فضاء ألف"، الذي يتميز بالطابع التجريبي والتفاعلي والمتاح للجميع، لقاءات استثنائية ومواعيد تُسلط الضوء على فنانين من هنا وهناك، سواء كانوا ناشئين أو ذوي خبرة.
اختيارات هذا العام تسلط الضوء بشكل أو بآخر على ما يحدث في غزة، هل تعتقدين أنه قد يكون لذلك دور في التأثير أمام المجتمع الكيبكي من ناحية التوعية على ذلك، وخصوصًا أن لهذا المهرجان جمهور كندي من أصول غير عربية؟
كما أوضحنا سابقًا، لم يكن من الممكن للمهرجان تقديم برنامج عادي يتجاهل ما يحدث في غزة ولبنان خلال الأسابيع الماضية. ليست المقاربة سياسية أو نضالية، بل تحمل رسالة إنسانية شاملة. في ظل هذه الفترة المأساوية التي نمر بها، أصبحت غزة وفلسطين بوصلة إنسانيتنا.
لقد تم تصميم معظم الأنشطة من هذا المنطلق. لذا، فإن هدف المهرجان من خلال هذا البرنامج ليس التأثير على رأي الجمهور أو الترويج للثقافة العربية. جمهور المهرجان، سواء كان من أصول عربية أو غير عربية، يُظهر عادةً تعاطفًا مع القضايا الإنسانية العالمية، ويبرهن على ذلك في كل دورة. وهذا يعزّز لنا صحة هذا الخيار الذي اتخذناه منذ انطلاق المهرجان في عام 2000.
هي السنة 25 للمهرجان، بالعودة إلا البدايات، ما هي القيم أو الأهداف الذي رغبتم أن يحققها المهرجان؟
ظل المهرجان وفيًا لمهمته الأصلية كرافد للإبداع للفنانين من هنا وهناك. تتجدد رؤيته الفنية باستمرار وتبنى دائمًا حول مشاريع تستكشف، وتدمج، وتزاوج بين تعبيرات وخطابات ثقافية مختلفة، بل وأحيانًا متناقضة. من خلال تشجيع اللقاء والحوار بين الثقافتين العربية والغربية، يهدف المهرجان ليكون مكانًا يتناول جذور الثقافتين بعمق، في سعي نحو أصالة حقيقية وإعادة تقييم مستمرة للقناعات.على مدار الدورات، لم يحِد المهرجان عن هذه المهمة. وقد تم تنفيذ مشاريع وطنية ودولية مختلفة بروح هذا التوجه.
كيف تلمسون تطور المهرجان؟
على مدار 25 عامًا من وجوده، تطور المهرجان ليصبح فاعلًا رئيسيًا على الساحة الثقافية في مونتريال وكيبيك وكندا، حيث نال تقدير الجمهور والمؤسسات الثقافية على حد سواء. ومع ذلك، لا تزال هناك أعمال لتعزيز مكانة المهرجان، وإبراز إشعاعه دوليًا، والاستمرار في دعم ظهور فنانين موهوبين قد لا يجدون فرصهم للتطور بدون دعم هذا المهرجان.
هل لاحظتم تغييرًا في التركيبة السكانية للجمهور على مر السنين؟
في الواقع، نعم تغيرت تركيبة جمهور المهرجان على مر السنين. قبل عام 2007 (الذي شهد مناقشات حول التسهيلات المعقولة)، كان الجمهور الكيبيكي يمثل 80% من الحضور في المهرجان. أما بعد هذا التاريخ وحتى الآن، فقد أصبح التوازن قائمًا، حيث يشكل الجمهور من أصول عربية 50% والجمهور الكيبيكي 50%.
كيف تتعاملون مع تمثيل الثقافات والأصوات المتنوعة في المهرجان؟
من خلال برامجه الغنية والمتنوعة، عمل المهرجان لمدة 25 عامًا على تقديم أنشطة أساسية، مخصصة بشكل رئيسي للّقاء والتبادل والتنوع بين المجتمعات الثقافية. يتم تصميم البرمجة حول الفكرة المختارة للدورة، وتلبي حصة التمثيل للثقافات المختلفة أو التخصصات المختلفة أو التيارات المختلفة. وبهذا النهج، نجح المهرجان في إنشاء مساحة معيشة وديناميكية استثنائية في مونتريال وكيبيك وكندا. وقد مكّن ذلك من التفاعلات التي تشكل وسيلة أصلية وفعالة لتعزيز التماسك الاجتماعي والثقافي المتكيف مع سياق مونتريال وكيبيك وكندا.
بعد 25 عامًا على انطلاق هذا المهرجان، كيف لمستم دوره في التواصل الثقافي بين المجتمع الكيبيكي والمجتمع العربي؟ وماذا أضاف لمونتريال؟
منذ إنشائه في عام 2000، قدّم المهرجان أكثر من 15000 مجموعة/ مشروع كندي ودولي، مما يشكل أكبر منصة من نوعها في أميركا الشمالية. لقد ساعد العديد من المبدعين من هنا وخارجها على التألق على الساحة الوطنية والخارجية. وتمكن من مواجهة تحديات هائلة، ثقافية وسياسية، وتجاوز الأزمات الكبرى (2001 و2007 على وجه الخصوص). وعلى الرغم من السياق غير المواتي، فقد تمكن من تنفيذ مشاريع كبرى وأثبت نفسه على الساحة الثقافية في مونتريال كمنتج للأحداث الثقافية الكبرى التي لا يمكن تفويتها. لقد قدّم حوالي عشرين إبداعًا فنيًا كبيرًا في كندا وعلى المستوى الدولي.
ومن خلال أنشطته الرئيسية، يسلّط المهرجان الضوء على الثراء الثقافي لمونتريال لتشجيع المجتمعات الكندية على تطوير فضول ثقافي أكبر وبالتالي فهم أفضل للآخر.
بالإضافة إلى ذلك، فهو يسمح بتفكيك الأحكام المسبقة والكليشيهات الثقافية من خلال تشجيع التبادلات الفنية والثقافية والإنسانية. كما أنه يعمل كوسيط بين الثقافات والتراث الموجود في مونتريال وكيبيك والمجتمع الكندي. فهو يسمح للفنانين من خلفيات متنوعة بالاندماج بشكل طبيعي في الشبكات والهياكل والمؤسسات الفنية والثقافية والاجتماعية القائمة. من خلال الأنشطة التي تعزز ثقافة غير تقليدية وتأخذ في الاعتبار القضايا الاجتماعية والسياسية التي يمر بها مجتمعنا فيما يتعلق بمجتمع الفنانين من أصل عربي، يدمج المهرجان التيارات "العالمية" والتحديثية التي تشكل توليفة هادئة بين الهوية العربية والحداثة في كيبيك وكندا والتي تشكل بديلا علمانيا قابلا للحياة، معارضا للتيارات الأصولية.
ذكرتِ أن المهرجان واجه تحديات، ما هي التحديات التي واجهتكم أو لا زلتم تواجهونها؟
العديد من التحديات تنتظر المهرجان، وهذه هي التحديات.
لقد كان طريق المهرجان نحو التميز مليئًا بالعديد من المخاطر. وبالفعل، فقد تم تحييد إمكانات التنمية، في عدة مناسبات، من قبل قوى الجمود الخارجة عن نطاق السيطرة: الزلازل الاجتماعية والسياسية ذات التداعيات الضارة، مثل أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وأزمة الترتيبات المعقولة، والموجات المتعاقبة من توترات الهوية، وصولًا إلى اقتطاعات جذرية في الأموال العامة، بشكل غير مبرّر ودون سابق إنذار، مما عرّض استمرارية المهرجان للخطر أكثر من مرة.
كان لهذه المعايير الخارجية في بعض الأحيان آثار ضارة على كل من الحضور العام وقدرة المهرجان على تطوير التمويل (رعاية المهرجان). إن تحدي "الصور" التي تشوهها باستمرار التداعيات الزائفة هي معركة يومية. يضاف إلى ذلك الآثار الضارة للأحكام المسبقة والكليشيهات التي تحول بعض الثقافات إلى جوانب غريبة و/أو فولكلورية.
ومن المفارقة أن هذه البيئة التي تبدو صعبة ومقاومة توفر أيضًا الفرص ووجهات النظر الأكثر إثارة للاهتمام. يعمل المهرجان في سياق مونتريال الديناميكي المفتوح للإبداع ويخدم سكان كيبيك والكنديين الباحثين عن الاكتشافات الفنية، من خلال تقديم مشاريع مبتكرة وفريدة من نوعها في أماكن رمزية مثل ساحة الفنون، وميناء مونتريال القديم، ومتحف الآغا خان. ومسرح هيكتور تشارلاند وقصر مونتكالم، ولكن أيضًا في CEGEPs وMaisons de la Culture والجامعات (UQAM، UdM) وبالمثل، تم تنفيذ مشاريع كبرى، في إنتاج مشترك أو في شراكة، مع أوبرا مونتريال وأوركسترا ميتروبوليتان.
بالنظر إلى سنين المهرجان، هل من لحظة تعدّونها الأكثر تميّزًا؟
لا توجد لحظة فارقة في تاريخ المهرجان، ومع ذلك، هناك عدة لحظات تتعلق بالإصدارات المختلفة. كان إبداع Le Cercle de l’extase الذي تم تقديمه في عامي 2002 و2003 أحد تلك اللحظات التي ولدت لحظات أخرى مع الإبداعات التي نشأت هناك مثل Dieu en 3D في عام 2012، و Femme chanta Dieu في عام 2019 والذي تم اختياره كأحد المرشحين النهائيين للجائزة الكبرى لمجلس الفنون في مونتريال Grand Prix du Conseil des arts de Montréal لعام 2020. ويجب أيضًا تسليط الضوء على اللحظات الأخرى التي تشكل ذكرى المهرجان. ذكرى ستتشكل العام المقبل مع التخطيط لطرحها للجمهور عام 2025 على منصة رقمية مخصّصة لهذا الغرض.
*لمعرفة البرمجة الكاملة للمهرجان، زيارة موقع المهرجان:
https://festivalarabe.com/programmation
*الصور من موقع المهرجان
287 مشاهدة
03 ديسمبر, 2024
246 مشاهدة
01 ديسمبر, 2024
275 مشاهدة
25 نوفمبر, 2024