وليد حديد – بيروت
في عالمٍ تختلط فيه الأديانُ بالسياسات، وتتحوّل العقيدةُ إلى ذريعةٍ للاستعمار، تقف الصهيونية كنموذجٍ صارخٍ على اختطاف الدين من أجل السلطة.
فهي ليست مجرّد حركةٍ يهودية، بل تحوّل أوروبيٌّ لمفهوم الخلاص إلى مشروعٍ للهيمنة.
من رحم القومية الغربية خرجت، وباسم النبوءة عادت لتستوطن التاريخ والجغرافيا معًا.
هذه المقالة تحاول أن تكشف رحلة الصهيونية من سرقة الروح اليهودية إلى التحكّم في صُنّاعها الأوروبيين، ومن فكرةٍ خلاصية إلى منظومةٍ كونيةٍ تفرض هيمنتها على الشرق والغرب معًا.
1. سرقةُ الدين وتحويله إلى أيديولوجيا
اليهوديةُ — في أصلها — دينًا سماويًّا يقوم على العبادة والوصايا والعدل والرجاء،دينَ أنبياءٍ لا جنرالات، ودعوةً أخلاقية لا مشروعًا استعماريًا.
لكن الصهيونية نزعت عنها روحها، وحوّلتها من رسالةٍ إلى أداةٍ للتمييز العرقي والسيطرة الأرضية.
استولت على رموزها الكبرى ( الهيكل، أرض الميعاد، الشعب المختار …..)
ففرغتها من معناها الروحي، وألبستها لباسًا سياسيًا قوميًّا عنصريًا.
وهكذا انتقل “الاختيار الإلهي” من تكليفٍ بالحقّ إلى ادعاءٍ بالتفوّق، وانقلب “المنفى” من رحلةٍ روحيةٍ في معنى الغياب إلى مبرّرٍ لاحتلال الأرض.
إنها لحظة اغتيالٍ للدين باسم الدين، حين صار الإيمانُ طريقًا إلى السلطة، والسماءُ جسرًا نحو الاستيطان.
2. المشروع الأوروبي للهيمنة
لم تولد الصهيونية في القدس، بل في فيينا ولندن وباريس.
كانت وليدةَ الخوف الأوروبي من يهود أوروبا، لا محبّتهم.
ولهذا احتضنها السياسيّ الأوروبي لا حبًّا في “الشعب اليهودي”، بل بحثًا عن أداةٍ لتفريغ القارة من توترها الداخلي، ولتثبيت وجوده في الشرق الأوسط بعد انهيار الإمبراطوريات العثمانية.
كان وعد بلفور عام 1917 إعلانًا واضحًا: أنّ “الوطن القومي لليهود” هو قاعدةٌ غربية متقدمة في قلب المشرق،
تضمن خطوط النفط والممرات البحرية وتكسر وحدة الشرق العربي.
هكذا تحولت الصهيونية إلى ذراعٍ استعماريةٍ جديدة، تُغطي مشاريع الغرب بلغة العهد القديم، وتُخفي أطماع النفط تحت غطاء النبوءة.
3. من أداةٍ بيد أوروبا إلى منظومةٍ فوقها
لكنّ التاريخ لا ينام على نيةٍ واحدة.
فما بدأ أداةً في يد الاستعمار الأوروبي، أصبح تدريجيًا قوةً تُمسك بزمام القوى التي أنشأتها.
من خلال المال، والإعلام، والمصارف، واللوبيات،
تحولت الصهيونية إلى نظامٍ عابرٍ للدول،
يتحكم في اتجاهات السياسة والثقافة والاقتصاد، ويعيد تعريف “الخير والشر” في الوعي الغربي نفسه.
فصار الدفاع عن إسرائيل معيارًا للتمدّن، وانتقادها يُعدّ جريمةً ضدّ الأخلاق!
لقد أعادت الصهيونية تشكيل الضمير الغربي، حتى صار الغربُ يدافع عن سجّانه الفكري بملء إرادته.
وهنا اكتملت الدائرة:
المشروع الذي خُلق للهيمنة على الشرق،
أصبح يهيمن على من صنعه.
خاتمة
هكذا تكشف الصهيونية عن طبيعتها المركّبة:
فهي سرقةٌ للدين، واختراعٌ أوروبيٌّ للاستعمار، ونظامٌ عالميٌّ للهيمنة.
ثلاث مراحل متتابعة جعلت منها أخطر فكرةٍ هجينةٍ في العصر الحديث:
دينٌ بلا روح، قوميةٌ بلا أرض، ودولةٌ بلا ضمير.
لقد بدأت الصهيونية باسم “الوعد”، وانتهت بجرائم الاحتلال، وبين الوعد والجريمة سقطت إنسانية العالم،
وانكشفت حقيقة القرن:
أنّ من يملك السرد يملك الضمير،
ومن يملك الضمير يملك القرار،
حتى ولو بعض حين.
82 مشاهدة
06 ديسمبر, 2025
69 مشاهدة
04 ديسمبر, 2025
189 مشاهدة
04 ديسمبر, 2025