Sadaonline

جمعيات كندية تموّل الاستيطان: ما الذي تكشفه سجلات كندا؟

جمعيات أخرى لا تزال تعمل — مثل Mizrachi Organization of Canada — واجهت شكاوى عامة تتعلق بغياب التحكّم المباشر بالمصارف النهائية للأموال

يكشف تحقيق لبرنامج the fifth estate في شبكة CBC عن استمرار تدفّق تبرعات كندية معفاة ضريبيًا إلى جهات تدعم الاستيطان في الضفة الغربية — وبعضها على صلة بالجيش الإسرائيلي — رغم تعهّدات كندا بمحاسبة مرتكبي العنف الاستيطاني واعتبارها المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي. ويجادل منتقدون بأن هذا التمويل يتعارض مع السياسة الخارجية الكندية ويخالف قواعد الإعفاء الضريبي.

يسلّط التحقيق الضوء على تناقضٍ بين سياسة كندا المعلَنة المناهضة للعنف الاستيطاني والاستيطان، وبين استمرار استفادة جهاتٍ مؤيدة للاستيطان والجيش الإسرائيلي من تبرعات معفاة عبر جمعيات كندية. ويطالب منتقدون بإنفاذٍ أشدّ لقواعد “التحكّم والتوجيه”، ووقف أي تمويل يتعارض مع القانون الدولي أو السياسة الكندية، بينما يواصل السكّان الفلسطينيون تحمّل كلفة العنف والتهجير وهشاشة الحماية القانونية.

يبدأ التحقيق من بلدة يطّا جنوب الخليل، حيث يصف الطبيب طارق أبو عرّام تواتر استقبال مصابين جرّاء اعتداءات المستوطنين: “أحيانًا يوميًّا، أو مرتين أسبوعيًا على الأقل.” يوثّق أحد أقارب الضحايا، ناصر نواجعة — باحث ميداني في منظمة بتسيلم — تعرُّض قريبيه خضر وفاطمة نواجعة لهجوم ليلي في خربة سوسيا، ويطالب كندا بمواءمة أقوالها مع أفعالها: “تحترم كندا الشرعية الدولية، لكن جمعيات كندية تموّل الاستيطان.”

منذ أيار/مايو 2024 فرضت الحكومة الكندية عقوبات على 17 فردًا و7 كيانات على خلفية “عنفٍ متطرفٍ للمستوطنين ضد المدنيين” في الضفة، مؤكدةً أن العنف يقوّض حقوق الفلسطينيين وفرص حلّ الدولتين ويهدّد الأمن الإقليمي. ورغم ذلك، وجد التحقيق أن تبرعات كندية معفاة تستمر في الوصول إلى منظمات تدعم المستوطنات والجيش.

وفق قواعد وكالة الدخل الكندية (CRA)، يجب أن تُظهر الجمعية الخيرية الكندية “التحكّم والتوجيه” بأموالها، وأن تُنفقها على أغراض خيرية، ولا يجوز لها تحويل الأموال ببساطة إلى جهات أجنبية للتصرّف بها، كما يحظر القانون إرسال تبرعات لجيش أجنبي. مع ذلك، يُظهر التحقيق ثغراتٍ يُستغلّ عبر شركاء ومنصّات تحويل.

أبرز التطورات التنظيمية طالت الصندوق القومي اليهودي – كندا (JNF Canada)؛ فقد سُحبت صفته الخيرية في 2024 جزئيًا لعدم إثبات التحكّم والتوجيه ولتقديم منح لجهات لا تُعدّ “أغراضًا خيرية”، بعد تدقيقات سابقة تناولت تنفيذ مشاريع في “الأراضي المحتلة” و”دعم قوات مسلحة لدولة أخرى”. الصندوق يستأنف القرار قضائيًا، وأعلنت جهة مسجلة أخرى باسم Friends of JNF Canada أنها ستتابع “عملًا مشابهًا” تاريخيًا لـJNF.

جمعيات أخرى لا تزال تعمل — مثل Mizrachi Organization of Canada — واجهت شكاوى عامة تتعلق بغياب التحكّم المباشر بالمصارف النهائية للأموال، أو بدعم كيانات مرتبطة بالجيش الإسرائيلي. تُظهر ملفات ضرائب 2022–2023 أن أكثر من 4 ملايين دولار ذهبت إلى عشرات الجهات الداعمة لنشاطات استيطانية في الضفة. كما وجّه ناشطون شكاوى ضد Canadian Zionist Cultural Association (CZCA) لإرسالها ملايين الدولارات سنويًا إلى كيانات داعمة للجنود الإسرائيليين (مثل Association for Israeli Soldiers وFriends of the IDF). يقول المحامي في تورونتو شاين مارتينيز إنّ دافعي الضرائب قد لا يدركون أن الإعفاءات تُستخدم عمليًا لدعم جيش أجنبي، معتبرًا أن ذلك يقتطع من الخزينة العامة، وقد تقدّم بشكاوى للـCRA.

يبرز في التحقيق اختبار عملي: في حزيران/يونيو، كانت منصة JGive تجمع تبرعات بالدولار الكندي لـMount Hebron Fund — كيان إسرائيلي عاقبته كندا في 2024 لدعمه العنف في الضفة — بهدف توسعة مستوطنة مجاورة لسوسيا. قام فريق البرنامج بتبرّع رمزي (25 دولارًا) ولاحظ بالبريد الإلكتروني أنه سيحصل على إيصال ضريبي من Mizrachi Canada؛ لاحقًا أُعيد المبلغ مع تبرير “خطأ تقني”، مع بقاء الحملة مفتوحة بعملات أخرى. Mizrachi Canada لم ترد على طلبات المقابلة.

تاريخيًا، أفادت إفصاحات Mizrachi Canada بأنها أرسلت أكثر من 50 مليون دولار (2007–2022) إلى إسرائيل. وتشير وثائق حصل عليها ناشطون عبر طلبات نفاذ للمعلومات إلى أن تفاصيل الجهات المتلقية بدأت تظهر بوضوح فقط في السنوات الأخيرة.

من جهتها، رفضت CRA التعليق، لكن وزير المالية فرانسوا-فيليب شامبان قال إن القوانين “صارمة” وإن أي جمعية مسجّلة يجب أن تلتزم القواعد، أسوة بدول G7.

على الجانب الإسرائيلي، حذّر رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت من أن ما يجري في الضفة “يترك إسرائيل بلا دفاع” أمام المحكمة الجنائية الدولية: “قد نُساق إلى لاهاي بسبب الضفة، لا غزة.”

في المقابل، يعيش سكّان خربة سوسيا بين تهديد عنف المستوطنين واحتمال هدم منازلهم باعتبار قريتهم “غير مرخّصة” في نظر السلطات الإسرائيلية. تقول هيام نواجعة إنها باتت تخشى النوم، بينما يؤكد زوجها ناصر أنه لم تُسجّل اعتقالات في اعتداء أقاربهم: “لا عدالة لنا نحن الفلسطينيين.”


المصدر: CBC News – برنامج the fifth estate، “Funding the occupation”، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

* الصورة ارئيسية في المقال تعود إلى ‎Mizrachi Organization of Canada‎ – للاستخدام الإخباري.”