Sadaonline

المهرجان الثقافي العراقي يحتفي بالثقافة والهوية العربية... إيمان بكتاش: علينا أن نثبت أننا شعوب مثقفة ومتجذّرة، لها فكرها وتاريخها

الفن الراقي، الفن الملتزم، هو ما نريد أن نقدمه، فنٌّ يُعبّر عن الضمير الإنساني، لا عن الإنسان العراقي وحده، بل عن هموم الإنسان في كل مكان

 

مونتريال- دارين حوماني

في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز الحضور الثقافي للجاليات العربية في كندا، يواصل المهرجان الثقافي العراقي في كندا رسالته منذ انطلاقه قبل نحو عقدين، جامعًا بين الإبداع الفني والتراث العراقي العريق. انطلق المهرجان هذا العام في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 ويستمر حتى 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 مع مروحة واسعة من الفعاليات والمعارض والندوات.

انطلقت فكرة المهرجان من قبل الجمعية العراقية الكندية التي تأسست عام 1991 لتكون مظلة ثقافية واجتماعية لأبناء الجالية، قبل أن تتوسع فعالياتها لتشمل مدنًا عدة مثل تورونتو، أوتاوا، لندن، ميسيساغا، ومونتريال، وتصبح فاعلة في المشهد الثقافي العربي ككلّ في كندا.

تحوّل المهرجان مع مرور السنوات من فعالية محلية محدودة إلى حدث وطني كبير، ويُعرّف المجتمع الكندي بثراء الثقافة العربية وتنوعها الحضاري، عبر الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية ومعارض الكتب والسينما والشعر.

تتضمن برمجة المهرجان هذا العام العديد من الفعاليات*، منها معرض للرسام والنحات مؤيد نعمه في مونتريال وميسيساغا، ومعرض للكتاب في أوتاوا، إضافة إلى عدد من الفعاليات منها عرض فيلم "صمت الراعي" (2013) في عدد من المدن الكندية، وغيرها.

وستكون مونتريال يوم الأحد المقبل في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 على موعد مع معرض استعادي للرسام العراقي الراحل مؤيد نعمه يتضمن أكثر من 65 عملًا للراحل، بعنوان"ريشة مؤيد"، وذلك من الساعة 2 ظهرًا حتى السابعة مساء، على العنوان:

1101, rue Sainte-Catherine Ouest. Montréal (Québec) H3B 1H8

مؤيد نعمه

رحل مؤيد نعمه عن عالمنا في السابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2005 عن 54 عامًا، وهو أحد أبرز رسامي الكاريكاتير والنحاتين الذين تركوا بصمة فريدة في الفن التشكيلي العربي. ومنذ أن رأى رسمته "تمثال الحرية" الأميركي حاملًا قنبلة نابالم بدلًا من مشعل الحرية (في إشارة إلى الحرب الأميركية على فيتنام) على غلاف مجلة "المتفرج" العراقية، وهو في السادسة عشر من عمره، وعلى امتداد أكثر من ثلاثة عقود، قدّم أعمالًا لافتة جمعت بين السخرية الهادفة وعمق الفكرة الفنية، ما جعله من أبرز رواد الكاريكاتير في العالم.

تميّز الراحل بقدرته على تحويل الكاريكاتير إلى فن ثلاثي الأبعاد، حين ابتكر ما عُرف لاحقًا بـ"النحت الكاريكاتيري"، وهو أسلوب نادر جمع فيه بين الرسم والنحت والخزف. من خلال هذه التجربة الجريئة، صنع مؤيد نعمة تماثيل خزفية بأسلوب كاريكاتيري، صوّر فيها وجوه أساتذته وشخصيات ثقافية عربية بارزة، مثل الرسام كاظم حيدر، والرسام فائق حسن، والشاعر نزار قباني والشاعر سعدي يوسف.

هذا المزج بين دقة الخزف وسخرية الكاريكاتير أكسبه شهرة واسعة، فشارك في مهرجانات ومعارض دولية نال فيها جوائز وشهادات تقدير عن ريادته لهذا الفن المركّب.

كان نعمة يرى في الكاريكاتير أكثر من مجرد رسم، بل لغة فكرية وجمالية تعكس الوعي الإنساني، وقد ظلّ يقول في أحد حواراته:

"الخزف أحببته كمهنة، لكن الكاريكاتير ظلّ هاجسي الأول، فهو روحي التي تنبض في الطين واللون والخط."

***

إيمان بكتاش

تواصل موقع صدى أونلاين مع مديرة المهرجان السيدة إيمان بكتاش، وفي هذا الحوار، تتحدث بكتاش عن مسيرة المهرجان الثقافي العراقي، وتحدياته، وأهدافه، ورسائله الموجهة إلى أبناء الجالية العربية في كندا.

بدايةً، نود أن نسأل عن انطلاقة المهرجان وكيف تطوّر على مرّ السنين؟

تأسست الجمعية العراقية الكندية عام 1991، وبدأت بتنظيم المهرجانات منذ عام 2004 تقريبًا. كانت هذه المهرجانات في بدايتها تُقام في مدينة تورونتو فقط، لأن الجمعية حينها كانت تُعرف باسم الجمعية العراقية الكندية في أونتاريو(The Iraqi Canadian Society of Ontario)، وكانت تقتصر أنشطتها على تلك المقاطعة.
لكن مع مرور الوقت توسعت الجمعية وأصبحت مؤسسة قانونية رسمية، فأنشأت فروعًا لها في عدد من المدن الكندية مثل أوتاوا، ومونتريال، ولندن – أونتاريو، وميسيساغا، إضافة إلى فروع أخرى في مدن مثل غولف وواترلو.

في البداية كانت المهرجانات صغيرة الحجم وتُقام سنويًا في تورونتو، ثم تطورت بشكل ملحوظ، لا سيما منذ عام 2016، حيث أصبحت مهرجانات كبرى تمتد على يومين أو ثلاثة أيام، وتتضمن فعاليات فنية وثقافية متنوعة: معارض فنية (Art Gallery)  يشارك فيها عدد كبير من الفنانين العراقيين، عروض مسرحية، فنون شعبية، عروض موسيقية، لقاءات مع شعراء وأدباء، إضافة إلى معارض للكتب.
ومنذ ذلك الحين أصبح من تقاليد الجمعية أن تنظم مهرجانًا كبيرًا يمتد على ثلاثة أيام.
في عامي 2022 و2023 واجهنا بعض الظروف الخاصة، إذ كان من المقرر إقامة المهرجان بالتعاون مع متحف "آغا خان"، لكن تم تأجيله بسبب الأحداث في غزة.
أما هذا العام فقد عدنا بالمهرجان، ولكن بطريقة جديدة شملت كل فروع الجمعية في كندا: في ميسيساغا، ولندن، وأوتاوا، ومونتريال، لتكون جميعها مشاركة في هذه النسخة.

ومتى بدأ المهرجان في مونتريال تحديدًا؟

مونتريال تشهد هذه السنة أول مهرجان متكامل. كانت هناك محاولة أولى عام 2022، لكنها لم تكتمل بسبب الأحداث في غزة، أما هذا العام فهو المهرجان الأول الكامل، ويترافق مع بقية الفعاليات التي تقيمها فروع الجمعية العراقية الكندية الأخرى في المدن الكندية.

ما أهداف المهرجان منذ انطلاقته؟

تأسست الجمعية العراقية الكندية عام 1991 كمنظمة تضم أبناء الجالية العراقية في كندا. ففي تلك المرحلة، وبسبب الحروب والظروف السياسية الصعبة في العراق والمنطقة، ازداد عدد العراقيين الذين اضطروا إلى مغادرة البلاد والوصول إلى كندا.
كان من الضروري وجود كيان اجتماعي وثقافي يجمع العراقيين، ويقف إلى جانبهم، ويساعدهم على الاندماج في المجتمع الكندي الجديد. فالعراقيون لم يكن لديهم تاريخ طويل في الهجرة، ولم يعتادوا الحياة في الخارج، ولذلك احتاجوا إلى منظمة تساعد اللاجئين والمهاجرين الجدد على الاستقرار، وتأمين فرص العمل، وبناء علاقات اجتماعية وثقافية متينة فيما بينهم. وفي الوقت نفسه، كان الهدف الحفاظ على الرابط بين أبناء الجالية ووطنهم الأم، وثقافتهم، وتاريخهم، وحضارتهم، حتى لا تنقطع هذه الصلات.
أما فكرة المهرجان فقد وُلدت عام 2004، بعد أن استقرت الجمعية وأصبحت قادرة على تنظيم فعاليات كبرى. وجاءت الفكرة من رغبة الهيئة الإدارية في تعريف باقي الجاليات المقيمة في كندا - العربية منها والصديقة- بالتراث العراقي الغني، وبالموسيقى والأدب والفنون العراقية. 

كان الهدف أيضًا أن تُظهر الجمعية الوجه الحضاري والثقافي للعراق، وأن تقول إن العراق ليس فقط بلد الحروب والمآسي والدمار، بل هو أيضًا بلد الفكر والفن والإبداع والتراث.
إضافة إلى ذلك، يهدف المهرجان إلى تعريف أبناء الجيل الجديد من أبناء الجالية -الذين وُلدوا في الخارج أو غادروا العراق وهم صغار- بثقافتهم الأصلية، وموسيقاهم، وفنانيهم، وتاريخهم، ليحافظوا على صلتهم بجذورهم الثقافية والحضارية.

حدثينا عن برنامج المهرجان لهذا العام. ما أبرز الفعاليات التي تضمنها؟

المهرجان أُقيم هذا العام في عدد من المدن الكندية: ميسيساغا، ولندن – أونتاريو، وأوتاوا، ومونتريال. الافتتاح كان بحفل موسيقي كبير أحياه الفنان العراقي والعالمي نصير شمه، الذي أطلق رسميًا فعاليات المهرجان.

كما أقيم معرض فني متنقل يُعرض في عدد من المدن، من بينها ميسيساغا، ولندن، ومونتريال، تكريمًا للفنان الكاريكاتيري العراقي الراحل مؤيد نعمة، بمناسبة مرور عشرين عامًا على رحيله. هذا الفنان لا يُعتبر فقط من روّاد الفن العراقي، بل من أبرز الفنانين العرب الذين تناولوا في أعمالهم مآسي شعوب المنطقة: من حروب وقتال ودمار وفساد وخوف، فكانت أعماله شهادة بصرية على معاناة الإنسان العربي.
كذلك يشمل المهرجان عروضًا لأفلام عراقية حازت جوائز في مهرجانات دولية، إضافة إلى معارض كتب تُقام ضمن فعالية شارع المتنبي الشهيرة في بغداد، حيث نُظمت معارض مشابهة في لندن – أونتاريو، وأوتاوا، ومونتريال.

كما تتضمن الفعاليات ندوات ومحاضرات ثقافية وأدبية متنوعة، ومعارض للفنون التشكيلية، وأركانًا للفنون البصرية (Art Gallery) تُقام في ميسيساغا وأوتاوا ومونتريال بالتوازي مع معارض الكتب.

أما معرض الكتاب الرئيسي فسيُقام في أوتاوا يوم 25 من هذا الشهر، ويشارك فيه ليس فقط كتّاب وفنانون عراقيون، بل أيضًا مبدعون من جاليات عربية أخرى.

هل يشارك فنانون أو منظمات من غير العراقيين؟ وكيف ترون التعاون مع الجاليات العربية الأخرى؟

نعم، يشارك في المهرجان فنانون وأدباء من جاليات عربية أخرى. نحن نسعى دائمًا إلى بناء علاقات متينة مع المنظمات العربية العاملة في كندا، لأن الثقافة تجمعنا جميعًا.
وما يميز فرع الجمعية في مونتريال تحديدًا أنه يعمل بتعاون وثيق مع عدد كبير من المنظمات الثقافية العربية الفاعلة في المدينة، وهو ما نراه قليلًا في مدن كندية أخرى مثل تورونتو.

مونتريال، في الحقيقة، مدينة متميزة على هذا الصعيد، إذ تضم منظمات عربية كثيرة وناشطة وذات تأثير ثقافي حقيقي، وهي مصدر فخر لنا جميعًا. أما في بقية المدن الكندية، فعدد المنظمات العربية أقل، وغالبًا ما تفتقر إلى الفاعلية والنشاط.

لذلك فإن فرع الجمعية في مونتريال نموذج نفتخر به، ونقدّر جهوده في مدّ الجسور مع المكونات الثقافية العربية والكندية على حدّ سواء.

ما التحديات التي واجهتموها في تنظيم هذا الحدث هذا العام؟

سأكون صريحة جدًا معك. أكبر التحديات التي نواجهها دائمًا هي التحديات المادية.
نحن نعتمد في عملنا اعتمادًا كاملًا على الجهود التطوعية، فجميع العاملين في الجمعية والمهرجان متطوعون لا يتقاضون أجرًا، وهذا بحد ذاته يضع علينا عبئًا كبيرًا.

نحن نسعى لأن تكون فعالياتنا بمستوى يليق بثقافتنا وأدبنا وفكرنا، وبإبداعات فنانينا الكبار، لكن ضعف الإمكانيات المالية يحول دون الوصول إلى هذا الهدف الذي نحلم بتحقيقه.
وخلال السنوات الأخيرة، ولا سيما في السنتين أو الثلاث الأخيرة، تأثر الوضع الاقتصادي في كندا عمومًا، وهذا انعكس على قدرتنا في إيجاد الداعمين والممولين، كما أدى إلى تراجع حجم الدعم الحكومي للمهرجانات. هذه هي بالفعل أكبر الصعوبات التي تواجهنا. أما من ناحية الكوادر العلمية والثقافية والفنية، فالحمد لله، لدينا عدد كبير من المبدعين والمثقفين العراقيين المتميزين، لكن العائق يبقى ماديًا، إذ لا يمكننا استضافة كل الأسماء التي نرغب بها ضمن حدود الميزانيات المحدودة، وهذه من التحديات المستمرة التي تواجهنا كل عام.

ما التجارب أو القيم الرئيسة التي تأملون أن يستفيد منها روّاد المهرجان، ولا سيما الأجيال الجديدة؟

بصراحة، نحن في المهرجانات نستضيف فنانين كبارًا، مسرحيين وأكاديميين وموسيقيين وإعلاميين، والغاية ليست فقط تنظيم حفلات فنية، بل تعليم الجيل الجديد وتوسيع أفقه الثقافي. 

من الأمور الجميلة التي لفتت انتباهنا خلال حفل الفنان نصير شمه، أن عددًا من العائلات جاء من أوتاوا لحضور الحفل، وكان معهم أطفال صغار فقط ليُعرّفوهم على الموسيقى والفن العراقي. كما جاءت عائلات أخرى مع أبنائهم المراهقين والشباب، ممن تتراوح أعمارهم بين خمس عشرة وثلاث وعشرين سنة، وهؤلاء لا يعرفون الكثير عن الثقافة العراقية أو الفن العراقي أو تراث بلدهم.

هذا المشهد كان مؤثرًا جدًا بالنسبة لنا، لأننا شعرنا أننا نعيد ربط هؤلاء الأبناء بجذورهم الثقافية والحضارية.

الفن الراقي، الفن الملتزم، هو ما نريد أن نقدمه، فنٌّ يُعبّر عن الضمير الإنساني، لا عن الإنسان العراقي وحده، بل عن هموم الإنسان في كل مكان.

هل لاحظتِ تغيّرًا في طبيعة الجمهور أو حجم المشاركة عبر السنين؟

في البداية، حين كنا ننظّم فعاليات مثل المحاضرات أو معارض الكتب، كان الحضور في الغالب من الناطقين بالعربية، من أبناء الجالية العراقية والعربية. لكن عندما بدأنا بتنظيم المعارض الفنية (Art Gallery)، لاحظنا مشاركة متزايدة من الجمهور الكندي ومن جاليات غير عربية، لأن الفن التشكيلي لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة، ويمكن للجميع الاستمتاع بها وفهمها. ومع ذلك، يبقى التركيز الأساسي على الجالية العربية، لكنها الآن أصبحت أكثر انفتاحًا وتواصلًا مع الآخرين بفضل هذه الفعاليات.

ما الدور الذي يلعبه المهرجان في الترويج للفنانين العراقيين والعرب وللتراث العربي؟
المهرجان وسيلة لا غنى عنها للاحتفاء بالفنانين العراقيين والعرب الذين يصعب أن يزوروا كندا في الظروف العادية. الفنانين الذين نستضيفهم هم من مستوى رفيع، وهم أصحاب فكر وفن وتراث حقيقيين.

المهرجان يفتح لهم المجال للحضور والتواصل مع الجمهور الكندي والعربي، كما يتيح للجمهور فرصة نادرة للتعرف على هذه القامات التي ربما لا تُتاح لهم فرصة رؤيتها في أي مكان آخر.

ونحن دائمًا نسعى إلى الاحتفاء بهم وتكريمهم، وإيصال رسالة للأجيال الجديدة مفادها أننا لا ننسى رموزنا الثقافية والفنية، ونحمل لهم كل الاحترام والتقدير.

بهذا المعنى، فالمهرجان ليس مجرد فعالية، بل جسر ثقافي يربط الماضي بالحاضر، ويُعيد تسليط الضوء على وجوه كان لها أثر كبير في الفن والفكر العربي.

مرّ العراق خلال العشرين سنة الماضية بظروف صعبة جدًا، ومنها الطائفية المريرة، هل لاحظتم تأثير ذلك على الجالية العراقية في كندا أو على جمهور المهرجان؟

ما يميز الجمعية العراقية الكندية، ويجعلها تختلف عن كثير من المنظمات الأخرى، هو أنها بعيدة تمامًا عن أي طابع ديني أو مذهبي أو قومي. 

نحن نمثل كل العراقيين الشرفاء الطيبين الذين يؤمنون بالقيم الإنسانية، ولا نسمح بأي حال بأن ننجر وراء النزاعات الطائفية أو العرقية أو السياسية التي مزقت مجتمعنا، سواء في الماضي أو الحاضر. الجمعية، منذ تأسيسها، ترفض استضافة أي شخصية أو جهة تحمل توجهًا طائفيًا أو قوميًّا ضيقًا.

قيمنا الأساسية هي الإنسانية والوحدة الوطنية، ونحن نختار دائمًا شخصيات مثقفة ذات مواقف مشرفة ونظرة إنسانية راقية. لهذا السبب تحظى الجمعية باحترام وتقدير جميع مكونات الجالية العراقية في كندا، لأنها لا تستثني أحدًا، بل تحتضن الجميع دون تفرقة.

كيف تساهم الثقافة في بناء الأجيال الجديدة؟

بصراحة، ما وصلت بلداننا إلى هذا الواقع المأساوي إلا بسبب سياسات ممنهجة لتغييب الفكر والثقافة والفن عن الأجيال منذ الثمانينيات.

لقد كانت هناك حملات استعمارية، وإمبريالية، ودينية متطرفة، هدفت إلى إبعاد الشعوب عن الفكر الإنساني والثقافة الحقيقية، حتى تسهل السيطرة عليها. واليوم نرى أن كثيرًا من الأجيال الجديدة أصبحت بعيدة عن القيم الفكرية، ومنشغلة بالمظاهر والعلاقات الزائفة، وبقيم لا تمتّ إلى الإنسان بصلة. كل ذلك نتج عن تغييب الثقافة والتعليم والفكر النقدي.

الطريق الوحيد لاستعادة وعينا هو العودة إلى الثقافة والفكر والأدب والفن الحقيقي.
في الماضي، كان لكتاب أو مقال واحد أن يحرّك الملايين للمطالبة بالتغيير، أما اليوم فقد تراجعت هذه القوة لأننا ابتعدنا عن القراءة والمعرفة. 

علينا أن نعيد للثقافة مكانتها، في الأدب، في الشعر، في المسرح، في السينما، وأن نجعلها الأداة الحقيقية لتغيير الوعي الإنساني، لا بالحروب ولا بالكراهية، بل بالفكر المستنير والعمل الإنساني الواعي.

هل من رسالة تودّين توجيهها في ختام هذا الحوار؟

رسالتي الأساسية هي دعوة لكل أبناء الجالية العراقية والعربية في كندا إلى دعم هذه المهرجانات الثقافية والفنية.

هذه الفعاليات ليست مجرد مناسبات ترفيهية، بل هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على تراثنا وأدبنا وفنوننا وهويتنا الثقافية.

من دون دعم الجاليات، دعمًا ماديًا ومعنويًا، يصبح من الصعب جدًا الاستمرار. كلما توحّدنا وتكاتفنا، كلما أصبح لصوتنا حضور وتأثير في المجتمع الكندي، وكلما تعرّف الآخرون على حقيقتنا، على تاريخنا، وعلى إسهامنا في الحضارة الإنسانية. 

علينا أن نثبت أننا شعوب مثقفة، متجذّرة، لها تاريخها وفكرها، ولسنا شعوبًا متخلفة كما يحاول البعض تصويرنا.

قوتنا الحقيقية هي ثقافتنا وأدبنا وفكرنا، وهذا هو السلاح الذي يجب أن نحمله للدفاع عن وجودنا وصورتنا.

لذلك، دعوتي ليست فقط للمشاركة المادية، بل للحضور، والمساندة، والتشجيع، والعمل الجماعي.

نحن لا نتلقى دعمًا من حكوماتنا أو من سفاراتنا، بل نعمل باستقلالية تامة، ولهذا يجب أن نعتمد على أنفسنا، على أفرادنا ومنظماتنا، وأن نتكاتف لنكون أحرارًا في قراراتنا وموحدين في رؤيتنا. وبهذا نضمن أيضًا أن نزرع في أبنائنا وأحفادنا حب الثقافة والوطن، ونبني بلادًا عربية جديدة من خلال الثقافة. الثقافة هي الطريق الوحيد لبناء أجيال واعية.

*برمجة المهرجان على الموقع التالي:

https://www.facebook.com/icscoiety/?locale=ar_AR

https://www.facebook.com/profile.php?id=100068848655453

 

معرض الصور