Sadaonline

خدعة حراجل

تعود قصة قرية حراجل إلى منتصف القرن السادس عشر أي خلال الحكم العثماني للبنان

د. بلال العاملي - مونتريال

تعرض الشيعة مراراً و تكراراً عبر التاريخ لكثير من المؤامرات و الغدر و الخيانة و التنكيل و القتل و التشرد بعد وفاة الرسول (ص) إلى يومنا هذا، مروراً بالأمويين، و العباسيين، و الأيوبيين، و المماليك، و العثمانيين، و الفرنسيين، و أخيراً  صهاينة فلسطين المحتلة. و قد واجه الشيعة تلك الهجمات بقوة و إيمان و عزم، و رفضوا الإنصياع و الخضوع للظلم، فتحملوا الخسائر الجسيمة في الأرواح و الممتلكات، ولكنهم استمروا بينما زال أولئك الطغاة وممالكهم، و ما زال الشيعة يواجهون همجية إسرائيل و الدول الغربية الداعمة لها بالسلاح و المال و الإعلام و الدبلوماسية.

لكن ما أثار حفيظة الشيعة و استغرابهم هو تآمر شركاء الوطن مع أعدائهم طيلة تلك الحقبات الزمنية. فقد تآمر لبنانيون على الشيعة مع المماليك، و العثمانيين، و الفرنسيين، و الصهاينة، للقضاء عليهم و تهجيرهم من مناطق سكنوها طيلة قرون من الزمن. و استخدموا في ذلك الخدعة و الخيانة و التعامل مع أعدائهم، و استغلوا طيبة البيئة الشيعية التي حضنت و آوت الفارين منهم إلى جزين و جبل عامل و بعلبك من جراء الحرب الأهلية عام 1860. و قد يقول البعض أن تلك الطيبة هي  ضرب من الغباء، فكيف يسمح شيعة لبنان بلدغهم من نفس الحجر عدة مرات؟ و الجواب أن الشيعة أصحاب مبدأ تأسياً بسيرة الرسول الأعظم و أئمة أهل البيت الكرام، و خصوصاً سيد الشهداء الإمام حسين بن علي، فهم لا يبيعون مبدأهم مقابل المال و السلطة، كما يفعل الآخرون من أبناء الوطن اليوم.  فاتباع الحق و مقارعة الظالم و الوقوف مع المظلوم كلفت الطائفة الشيعية ثمناً باهظاً  عبر العصور، كما حدث لشيعة حراجل في الزمن العابر. و تعتبر قضية قرية حراجل نموذجاً عن الغدر بشيعة لبنان.

تعود قصة قرية حراجل إلى منتصف القرن السادس عشر أي خلال الحكم العثماني للبنان. و حراجل هي قرية صغيرة في جبل لبنان، جنوب منطقة كسروان. و كان الأمراء الحماديون، حكام جبل لبنان حينها، قد اشتروا تلك القرية عام 1505 ميلادية، و أسكنوا فيها 370 عائلة شيعية. و كغيرها من القرى اللبنانية، إسلامية أو مسيحية، كانت تتعرض إلى نهب محاصيلها الزراعية و مؤنها من قبل الدوريات العثمانية، فيُترك أهلها دون مواد غذائية لإطعام عيالهم.

و في يوم من الأيام حضر إلى القرية المدعو أبو نادر الخازن، و هو من المتنفذين في طائفته، و اجتمع بأهالي قرية حراجل و أخبرهم بأن دورية عسكرية عثمانية في طريقها إلى قريتهم لجمع الضرائب و الإستيلاء على محاصيلهم الزراعية، و وعدهم بأنه هو و قوة مسيحية سينضمون إليهم للهجوم على الدورية. فقام سكان حراجل الشيعة بمهاجمة الدورية و قتل أعضائها لوحدهم، و لم يفِ أبو نادر بوعده، بل قام بإبلاغ السلطات العثمانية بما حصل و حرضهم على شيعة حراجل. عندها تحركت قوة عسكرية عثمانية باتجاه القرية و عندما علم سكانها الشيعة بقدوم حملة عسكرية فروا من القرية تاركين بيوتهم و أملاكهم و لجأوا إلى الجبال. فدخلت القوة العثمانية القرية و دمروا بيوتها و أحرقوا سهولها و كرومها و نهبوا محاصيل الزراعة و المؤن التموينية. و بعد رحيل القوة العثمانية، عاد سكان القرية إليها ليجدوا بيوتهم و مزارعهم مدمرة كلياً، و نظراً لعدم قدرتهم المادية لإعادة البناء، اضطروا لبيع أراضيهم و أملاكهم لأبي نادر الخازن بأبخس الأسعار، و رحلوا عن القرية. فقام أبو نادر الخازن بتوزيع أراضي قرية حراجل على عوائل مسيحية التي أعادت بناءها و استيطانها منذ ذلك الحين و حتى يومنا هذا.


المرجع: تا ريخ الشيعة و الطوائف في لبنان: من العصر النبوي إلى الإنتداب الفرنسي، الجزء الثالث، صفحة 88، من تأليف المؤرخ العلامة الشيخ كاظم ياسين، مطابع شركة المريم، سنة 2015.