قراءة نفسية وفكرية في أزمة العرب، وعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم
بقلم: وليد حديد
حين ينظر المرء في ملامح الإنسان العربي، يلمح في عينيه تاريخًا مثقلاً بالأسى، وواقعًا متشابكًا بالتناقضات، ومستقبلًا يترنّح بين الأمل والخذلان. إنّه إنسان يعيش على أرض خصبة بالثروات، لكنّ قلبه مثقل بالجراح؛ يتغنّى بماضي العزة، لكنه يتعثر في حاضر القهر والانقسام. وما يجري في فلسطين اليوم ليس إلا مرآة تعكس هذا المأزق المركّب: مأزق أمة تملك كل مقوّمات النهوض، لكنها عاجزة عن الدفاع عن نفسها أو عن صون كرامتها.
الإحباط الجماعي
منذ قرون، والعرب يعيشون على وقع الهزائم: من سقوط الأندلس، إلى عصور الاستعمار، إلى النكبة والنكسة، وصولًا إلى الانقسامات الراهنة. هذه السلسلة من الانكسارات المتواصلة تراكمت في اللاوعي الجمعي، فكوّنت شعورًا عامًا بالعجز. الفرد العربي لم يعد يصدّق أنّ قراراته قادرة على تغيير مسار الأحداث، بل بات مقتنعًا أنّ مصيره مرسوم من الخارج، وأنه مجرد متفرّج على مسرح لا يملك فيه دورًا حقيقيًا.
الخوف المتجذّر
الأنظمة المستبدة صنعت من الخوف رفيقًا دائمًا للعربي: الخوف من التعبير، من الاختلاف، من العقاب، بل حتى من التفكير بصوت مرتفع. ومع مرور الزمن، لم يعد هذا الخوف مفروضًا من الخارج فقط، بل تحوّل إلى رقيب داخلي يسكن النفس ويشلّ الإرادة. وهكذا أصبح الصمت وسيلة للبقاء، بينما صار الدفاع عن الحق أو الكرامة مغامرة غير مأمونة العواقب.
انكسار صورة الذات
تكرار الإخفاقات، وتهميش دور الإنسان العربي في صناعة مستقبله، رسّخ صورة سلبية عن الذات. الإعلام والسياسة غذّيا هذه الصورة، فصار الفرد يستهين بقيمته ويشكك في قدرته على الفعل. ومع انكسار الثقة بالنفس، بات كثيرون يتنازلون عن حقوقهم قبل أن يُجبروا على ذلك، وكأنّهم يسبقون الهزيمة قبل وقوعها.
التناقض بين القيم والواقع
التراث العربي والإسلامي حافل بمعاني العزة والحرية ونصرة المظلوم. لكن الواقع المعيش يفرض نقيض هذه القيم: صمت على الظلم، وتبرير للهزيمة، وتطبيع مع القهر. هذا التناقض يولّد ازدواجية نفسية خانقة؛ فالفرد يعرف الحق لكنه يُجبر على التصرّف ضده، فيعيش انقسامًا داخليًا بين قناعاته وسلوكياته.
التطبيع مع القهر
الأخطر أنّ الإنسان العربي بدأ يتعايش مع الإهانة وكأنها أمر طبيعي. فالتهميش أصبح مألوفًا، والحرمان من الحقوق صار جزءًا من الحياة اليومية. ومع الزمن، يفقد المرء إحساسه بالغضب، وهو الإحساس الذي يُعتبر الوقود الأول لأي فعل مقاوم. إنها مرحلة الاستسلام الداخلي، حين يصبح القهر اعتيادًا والظلم قدرًا.
فقدان الأمل
غياب المشروع العربي المشترك وانعدام رؤية مستقبلية واضحة جعلا الأمل يتلاشى. وحين يموت الأمل، يموت معه الدافع للفعل. في ظل هذا الفراغ القاتل، ينتظر الناس "الخلاص" من الخارج بدل أن يصنعوه بأيديهم، ويُصبح الانتظار بديلاً عن المبادرة، واليأس بديلاً عن الإصرار.
الخاتمة
إن مأساة الإنسان العربي ليست فقط في مواجهة عدو خارجي يتربّص به، بل في صراعه مع أعداء الداخل المتجذّرين في أعماقه: الإحباط، الخوف، انكسار الذات، والتطبيع مع القهر. وما لم يتحرّر من هذه القيود النفسية، سيبقى عاجزًا عن ممارسة أبسط غرائزه الطبيعية: حماية نفسه وصون كرامته.
إن المعركة الحقيقية تبدأ في الداخل، في استعادة الثقة بالنفس، وكسر جدار الخوف، وبعث الأمل من جديد. عندها فقط يصبح الدفاع عن الأرض والعرض حقًا طبيعيًا، لا بطولة استثنائية.
*ملاحظة : في مقالة لاحقة سيطرح الكاتب الحلول التي يراها
140 مشاهدة
10 سبتمبر, 2025
563 مشاهدة
09 أغسطس, 2025
428 مشاهدة
08 أغسطس, 2025