مونتريال- دارين حوماني
في مدينة متعددة اللغات كـمونتريال، يأتي "معرض مونتريال الدولي للكتاب العربي" كجسر ثقافي يجمع الجالية العربية حول اللغة العربية بوصفها وطنًا مشتركًا. ينظّم المعرض الإعلامي حسام مقبل والسيدة علياء شافعي محمد، رئيسة جمعية الخدمات العامة لإدماج المهاجرين SPDI، تحت شعار: "مونتريال تتحدث العربية"، ليعكس أهمية الحفاظ على الهوية واللغة في كندا.
افتتح المعرض يوم الجمعة 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 بكلمات أكدت على أن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي ذاكرة وهوية وانتماء، وأن الاحتفال بالكتاب العربي في المهجر فعل ثقافي ومقاومة في آن واحد. ويستمر المعرض حتى يوم الأحد، متضمنًا فعاليات أدبية وفكرية وفنية متنوعة.
في كلمته، أعرب الإعلامي فكتور دياب عن اعتزازه بالهوية العربية وقدرة الجالية على حمل اللغة والثقافة إلى كندا، قائلًا: "مونتريال تتحدث العربية سنة بعد سنة، وستبقى تحكي العربية، وهذا أجمل وجوه الاندماج". وأكد أن المعرض منصة لتبادل المعرفة والأفكار واحتفاء بالكتاب بوصفه "مفتاح العقول ونافذة على عوالم لا تحصى من التجارب الإنسانية"، مشيرًا إلى تنوع المواد المعروضة بين التراث والتاريخ والأدب والشعر والرواية والسياسة والدين والسينما، إلى جانب كتب مترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية.
وشدّد دياب على أن المعرض ليس مجرد مكان لعرض الكتب، بل تجربة إنسانية وفكرية، مع مشاركة خمسة عشر دار نشر ومكتبة عربية من مختلف المقاطعات الكندية، وأربع عشرة أمسية ثقافية بين ندوات وورش عمل وأمسيات شعرية وتواقيع للكتب، بمشاركة أربعين متحدثًا. وختم بالقول إن القراءة أداة لبناء المستقبل وصقل العقول، داعيًا الجميع للانغماس في جمال الكلمات واستكشاف المعرفة.
من جانبه، أشار القنصل المصري نبيل مكي إلى أن المعرض يهدف ليس فقط لتقريب أبناء الجالية من ثقافتهم، بل لتعريف المجتمع الكندي والعالم بالقيم والأفكار التي تشكّل الثقافة العربية، مؤكدًا دعم القنصلية المصرية واستمرار المعرض في السنوات المقبلة.
وأكدت علياء شافعي محمد أن المعرض جسر للتواصل بين الشعوب، وأن الثقافة والمعرفة أساس لبناء مجتمع متماسك، معربة عن فخرها بمشاركة الجميع في تنظيم هذا الحدث الثقافي، ومؤكدة أنه مصدر إلهام وفرص جديدة للجالية العربية في كندا.
وأشار الملحق الثقافي المصري أحمد جابر إلى أهمية التعاون والتنوع في إنجاح المعرض وتحقيق أهدافه الثقافية، فيما وصف عارف سالم، رئيس حزب المعارضة بالمجلس البلدي في مونتريال، المعرض بأنه جسر يربط جميع أطياف الجالية العربية، معتمدًا على الثقافة كأداة للحفاظ على الهوية وتعزيز الانتماء. وأكد أن النشاطات الثقافية تمنح الشباب فخرًا بانتمائهم العربي، وأن 27% من طلاب المدارس في مونتريال يتحدثون العربية، ما يجعل المعرض منصة مهمة لدعم هذه الجالية.
بهذه الفعاليات، يبرز معرض مونتريال الدولي للكتاب العربي ليس مجرد حدث للكتب، بل تجربة شاملة تعزز التواصل والهوية وتفتح الآفاق للأجيال الجديدة، مؤكدًا أن الثقافة واللغة العربية في المهجر ليست مجرد تراث، بل جسر حي يربط الحاضر بالمستقبل.
***
وقد أجرى موقع صدى أونلاين حديثًا مع كلّ من القنصل العام المصري نبيل مكي، والسيد عارف سالم والسيد حسام مقبل، وعدد من المشاركين في المعرض وعدد من الحاضرين.
نبيل مكي: المعرض منصة حيوية للحفاظ على الهوية العربية
في حديثنا معه، اعتبر القنصل العام المصري في مونتريال، نبيل مكي، أن معرض مونتريال الدولي للكتاب العربي يشكّل منصة حيوية للحفاظ على الهوية العربية وتعزيز التواصل الثقافي بين الجالية العربية والمجتمع الكندي.
وعن أهمية المعرض، أوضح لنا القنصل أن أهميته تكمن في جانبين رئيسيين: أولًا، يذكّر المعرض العرب المقيمين في الخارج بجذورهم وثقافتهم، ويضمن استمرار صلتهم بالهوية الأصلية، خصوصًا للأجيال الجديدة. وقال: "الثقافة جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان، ومن المهم أن تبقى حاضرة في وعي أبنائنا وتربيتهم".
أما الجانب الثاني، فهو تمثيل الثقافة العربية أمام المجتمع الكندي المتنوع، وتعريفه بالقيم والتقاليد العربية: "المعرض ليس مجرد مناسبة للقراءة، بل هو جسر للتواصل الثقافي وتصحيح بعض الصور النمطية والمفاهيم المغلوطة عن العرب. نقول للآخر: اقرأنا لتفهمنا، لتعرف كيف نرى العالم وكيف نربي أبناءنا على القيم والأخلاق".
وأكد القنصل أن الهدف من المعرض يمتد ليشمل جميع الجاليات والثقافات المقيمة في كندا، معتبرًا أنه فرصة للتعرف على طبيعة الثقافة العربية وعمقها الإنساني، مضيفًا: "كندا بلد متعدد الثقافات، ومن الطبيعي أن نتعرف بعضنا إلى بعض".
وحول دور الجالية المصرية في الحفاظ على اللغة والهوية في مونتريال، أشاد القنصل بالمبادرة التي قام بها منظمو المعرض، مشددًا على أهمية نشاط الجالية الثقافي والفني رغم حجمها العددي المحدود. وقال: "القائمون على تنظيم هذا المعرض يقومون بعمل مهم جدًا، ونحن في القنصلية ندعمهم بقدر ما نستطيع. الجالية المصرية نشطة ثقافيًا وفنيًا، وتمثل وجهًا آخر للثقافة المصرية، وهي جزء لا يتجزأ من الثقافة العربية".
وعن أي خطط لدعم الجالية والمبادرات الثقافية، أوضح القنصل أن المكتب الثقافي التابع للقنصلية يعمل على تنظيم أنشطة تعليمية وفنية ومعارض، بهدف تعزيز الحضور الثقافي المصري في كندا وخدمة أبناء الجالية. وأضاف: "عندما يتواصل معنا أحد أبناء الجالية طالبًا الدعم لمبادرة أو مشروع ثقافي، نسعى لتقديم المساعدة الممكنة، سواء من خلال القنصلية أو المكتب الثقافي".
وختم بالقول إن دعم مثل هذه المبادرات يسهم في بناء جسور حقيقية بين العرب وغير العرب، ويضمن نقل الثقافة والهوية العربية إلى الأجيال القادمة، مؤكدًا التزام القنصلية بالمساهمة في استمرار النشاطات الثقافية على مستوى الجالية العربية في مونتريال وكندا.
عارف سالم: كثير مما يقوم عليه الفكر الغربي اليوم يعود إلى التراث العربي
وأشار رئيس حزب المعارضة في المجلس البلدي بمونتريال السيد عارف سالم أن الجالية اللبنانية في مونتريال جالية مهمة جدًا، وتشكل مع الجاليات العربية المقيمة حضورًا ثقافيًا لافتًا بمونتريال، "حتى في مدارس مونتريال، أصبحت العربية اليوم ثاني أكثر اللغات تداولًا بعد الفرنسية".
وأوضح لنا أن أهمية المعرض "لا تقتصر على كونه نافذة يطّلع من خلالها غير العرب على ثقافتنا، بل تكمن أيضًا في أنه جسر يربط الجاليات العربية ببعضها. إذا كان هناك ما يجمعنا كعرب، فهو بالتأكيد الثقافة، والكتاب هو رمز هذا الرابط. فمهما اختلفت لهجاتنا، إلا أننا نقرأ جميعًا الكلمة نفسها، وهذا ما يجعل للمعرض قيمة خاصة ومعنى عميقًا".
وعن سؤالنا عن أن القنصلية اللبنانية غير حاضرة في معارض الكتب مثل القنصليات الأخرى من مصر والمغرب العربي، أشار إلى أنه كانت في الماضي محاولة لتأسيس "جمعية الكتّاب اللبنانيين في كندا"، وهي مبادرة جيدة لكنها لم تتوسع بالقدر المطلوب.
وأضاف: "اللبنانيون هنا يكتبون بلغات مختلفة: بالفرنسية، بالإنجليزية، وبالعربية أيضًا. لا شيء يمنعنا من أن نُعيد تنشيط الحراك الثقافي اللبناني ضمن الإطار العربي الأوسع، خصوصًا أن لدينا طاقات كثيرة لكنها تعمل بشكل فردي. نحتاج إلى تنسيق ودعم أكبر لتوحيد الجهود وتعزيز الحضور الثقافي اللبناني والعربي في مونتريال".
وعن دوره في انتخابات المجلس البلدي اليوم، أشار سالم إلى قرب الانتخابات البلدية المقررة في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر، مؤكدًا أنه يترأس حملة حزب Ensemble Montréal التي تضم أكثر من 103 مرشحين موزعين على 19 دائرة انتخابية (بوروه). وبيّن أن النظام الانتخابي المحلي يختلف عن النظامين الفدرالي والإقليمي، حيث يصوّت المواطن لأربعة أشخاص في دائرته: رئيس البلدية، رئيس الدائرة، عضو المجلس البلدي، وعضو المجلس المحلي، مما يستدعي توعية الجمهور بكيفية التصويت وأهمية المشاركة، "نعمل على توعية الناس بكيفية التصويت البلدي، لأن نسبة المشاركة عادة ما تكون منخفضة رغم أن الخدمات البلدية هي الأكثر تأثيرًا في حياة الناس اليومية، من إزالة الثلوج والنفايات إلى صيانة الطرق والتشجير."
وتناول سالم أبرز القضايا التي يركز عليها الحزب، من بينها أزمة الازدحام المروري الناتج عن سوء تنظيم الطرق، ومشكلات التلوث، بالإضافة إلى ظاهرة هجرة السكان من المدينة، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 200 ألف شخص سيغادرون مونتريال بحلول عام 2030، "هذا رقم مقلق. أنا شخصيًا أعيش في حي سان لوران منذ طفولتي، وأشعر بانتماء كبير له، لكن للأسف لم يعد هذا الارتباط موجودًا لدى كثيرين بسبب الإرهاق الذي تعيشه المدينة في السنوات الأخيرة".
وختم رئيس حزب المعارضة حديثه بتوجيه رسالة للجيل الجديد، داعيًا إلى المحافظة على الثقافة العربية واللغة الأم، وبيّن أن العرب ساهموا بشكل كبير في تأسيس العلوم والفكر الحديث، مؤكدًا أن "كثيرًا مما يقوم عليه الفكر الغربي اليوم يعود إلى التراث العربي".
وقال: "علينا إعادة اكتشاف هذه الجذور، وتشجيع أبنائنا على القراءة بالعربية، مع الاستفادة من الترجمة بين العربية واللغتين الرسميتين في كندا، لضمان تواصلهم مع تراثهم الثقافي الأم".
حسام مقبل: معرض مونتريال للكتاب العربي مشروع ثقافي للحفاظ على الهوية واللغة
بدوره، أكد لنا الإعلامي حسام مقبل، أن مشروع المعرض ثقافي بامتياز، قائلًا: "المعرض أصبح اليوم مشروعًا ثقافيًا قائمًا بذاته… هدفه الأساسي الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز حضورها في المجتمع الكندي".
وأضاف مقبل أن الدورة الأولى كانت تجربة لاختبار مدى اهتمام الجمهور، بينما الدورة الثانية شهدت توسعًا ملحوظًا: "اليوم أستطيع أن أقول إن الإقبال أصبح أكبر، لدرجة أنني اضطررت إلى رفض طلبات مشاركة بعض دور النشر بسبب ضيق المساحة. وهذا بحد ذاته مؤشر مشجع جدًا".
وأوضح منظّم المعرض أن الهدف ليس تجاريًا، بل ثقافيًا بحتًا، قائلًا: "المعرض وُجد ليقرّب الناس من الكتاب، وليعيد إليهم حب القراءة بالعربية. الذي يأتي ليطّلع على الكتب لا يجب أن يدفع تذكرة دخول، المهم أن يدخل ويقرأ ويتعرّف".
ونوّه إلى أن المعرض يضم كتبًا متنوعة بالعربية، إضافة إلى نسخ مترجمة بالإنجليزية والفرنسية، وكتبًا مزدوجة اللغة للأطفال، لتعزيز تعلم العربية بطريقة سلسة ضمن بيئة متعددة اللغات.
وعن الدافع لتنظيم المعرض قال مقبل:
"أنا أعمل في الأساس في مجال الصحافة، وكنت قبل مجيئي إلى كندا أعمل مستشارًا ثقافيًا في مكتبة الإسكندرية وأشرف على البرنامج الثقافي لمعرض الإسكندرية الدولي للكتاب، أي أن لدي خبرة طويلة في تنظيم المعارض والتعامل مع المثقفين والكتّاب. حين وصلت إلى كندا، فوجئت بوجود جالية عربية كبيرة جدًا ومبدعين من مستويات رفيعة، شعراء وروائيون وكتّاب قصة، لكن لم يكن هناك أي إطار يجمعهم أو يُبرز أعمالهم. في الوقت نفسه، لاحظت وجود عدد كبير من الأسر العربية التي تسعى لتعليم أبنائها اللغة العربية وتبحث عن كتب بالعربية".
وأضاف: "من هنا جاءت فكرة إنشاء معرض كتاب عربي في مونتريال، ليكون مساحة تجمع الكُتّاب والمبدعين والقرّاء، وتساعد الأجيال الجديدة على التمسّك بلغتهم وثقافتهم. وأرى اليوم أن المعرض أصبح اليوم مشروعًا ثقافيًا قائمًا بذاته، رغم أنه يُقام تحت مظلة جمعية SPDI، لكنه في جوهره مبادرة مستقلة هدفها الأساسي الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز حضورها في المجتمع الكندي".
وعن التحديات، ذكر مقبل الصعوبات المالية وارتفاع تكاليف القاعات، مما اضطره إلى رفض بعض المشاركات، لكنه أبدى أمله في توسيع المعرض مستقبلًا إلى قاعات أكبر وأكثر احترافية، وقال: "اليوم نقيم المعرض في مركز خدمات مجتمعية لأن أسعاره معقولة، أما القاعات الخاصة فأسعارها مرتفعة جدًا".
وأشار إلى أهمية دعم المؤسسات العربية الكبرى لاستمرارية المشروع، وأضاف: "وجودهم هنا ليس دعمًا لنا فقط، بل هو انفتاح على جمهور عربي واسع في المهجر ربما لا تدركه دور النشر في بلداننا".
ويُبرز المعرض أيضًا أهمية التواصل الثقافي مع المجتمع الكندي، من خلال استقبال كتب مترجمة والمشاركة في فعاليات أدبية وفكرية متنوعة، مؤكدًا أن المعرض يساهم في بناء جسور بين الجاليات العربية المختلفة وبين المجتمع المحلي.
وختم قائلًا: "أطمح أن نرى مؤسسات عربية كبرى، من السعودية والإمارات ولبنان وسوريا وغيرها، تشارك وتدعمنا، لأن وجودهم هنا ليس دعمًا لنا فقط، بل هو انفتاح على جمهور عربي واسع في المهجر ربما لا تدركه دور النشر في بلداننا"، مشيرًا إلى تواصله هذا العام مع دور نشر من مصر وقطر والسعودية والإمارات وغيرها من الدول، "بعضها أرسل كتبًا للمشاركة رغم تعذر الحضور بسبب كلفة السفر والوقت. وآمل في الدورات القادمة أن تتطور هذه الشراكات لتصبح أوسع وأعمق".
من المشاركين في المعرض
كارولين عيد: بعض المدارس الكندية بدأت تطلب منا كتبًا بالعربية لتضعها في مكتباتها المدرسية
قالت السيدة كارولين عيد، صاحبة مكتبة الشرق الأوسط في مونتريال، والمشاركة في المعرض، إن الإقبال على الكتاب العربي لا يزال موجودًا بقوة، خصوصًا في مدينة مونتريال التي تحتضن جالية عربية كبيرة ومتنوعة من مختلف البلدان.
"مونتريال تضم جالية عربية كثيفة ومتشعبة، وهذا التنوع يجعل من الكتاب العربي جامعًا بين الجميع. كثيرون تعبوا من الشاشات، لذلك ما زالوا يحبون لمس الورق واستنشاق رائحته. القارئ الحقيقي لا يمكن أن يتخلى عن الكتاب المطبوع".
وعن أكثر الكتب طلبًا، أضافت: "عادةً كتب التنمية البشرية تحقق مبيعات مرتفعة، لكن في هذا المعرض لاحظت إقبالًا كبيرًا على الروايات الحديثة، خاصة تلك الفائزة بجوائز أدبية مثل ‘البوكر العربية‘، أو التي تُعد من الكتب الأكثر مبيعًا في العالم العربي. الرواية اليوم تتصدر المشهد القرائي بوضوح".
وأكدت صاحبة المكتبة أن المشاركة في المعرض تمنحها ولزملائها فرصة كبيرة للظهور والتعريف بالمكتبات العربية في كندا: "المعرض يمنحنا رؤية واسعة. الناس تتعرّف إلينا أكثر، صحيح أننا مكتبة الشرق الأوسط تعدّ معرضًا دائمًا للكتاب في مونتريال ولكن هذا المعرض بالتأكيد، يمنحنا ظورًا أوسع".
وأشارت عيد إلى انتقال مكان المكتبة إلى عنوان جديد في شارع Decarie، من 877 إلى 817 Decarie على بعد دقيقتين من موقعنا السابق. وضعنا لافتة في المكان القديم حتى لا يضيع الزبائن طريقهم إلينا. أردنا أن نبقى قريبين من الناس".
وعن التحديات التي تواجه توزيع الكتاب العربي في كندا، تشير إلى أن تكلفة الشحن هي العقبة الأبرز: "أسعار الشحن تتغير شهريًا مثل البورصة! نحاول ألا نرفع الأسعار كثيرًا رغم ارتفاع الكلفة، لأننا نريد أن يبقى الكتاب في متناول القرّاء. الناس متفهمة، لكنها تدرك أن نقل الكتب من العالم العربي إلى كندا مكلف جدًا".
وعن أي اهتمام من جهات كندية رسمية أو غير رسمية بالكتاب العربي، لفتت عيد إلى أن الاهتمام بالكتاب العربي لا يقتصر على الجالية فقط: "بعض المدارس الكندية بدأت تطلب منا كتبًا بالعربية لتضعها في مكتباتها المدرسية، خصوصًا للطلاب الجدد الذين لم يتقنوا الفرنسية بعد. الهدف أن يبقوا على تواصل مع الكتاب بلغتهم الأم إلى أن يتمكنوا من القراءة بالفرنسية".
وأوضحت أن هذه المبادرة تتركز في المدارس الثانوية بين الفئات العمرية 12 إلى 16 عامًا، واعتبرها "خطوة إيجابية تُبقي العربية حيّة في الفضاء التعليمي الكندي".
في ختام الحوار معها، تحدثت عيد عن شعور الأهل بالمسؤولية في الحفاظ على اللغة العربية بين أبنائهم:
"تعليم أولادنا العربية ليس واجبًا فقط، بل هاجسًا دائمًا. نعيش في بلد تهيمن فيه لغتان، الإنجليزية والفرنسية، لكن العربية هي جذرنا وهويتنا. أقول لأولادي دائمًا: يجب أن تقرؤوا بالعربية، حتى لو لم تكتبوا الشعر أو تتقنوا الإعراب. المهم أن تفهموا لغتكم، أن تستطيعوا قراءة لافتة في الشارع أو رسالة من العائلة. هذه اللغة ثقافتنا، وذاكرتنا، ولا يمكن أن نخرج منها".
ثراء الجدي: المعرض لا يجب أن يقتصر على بيع الكتب فحسب، بل ينبغي أن يكون فضاءً للتفاعل الفكري والثقافي
تمثّل الشاعرة والناشطة الثقافية ثراء الجدي دار نشر "الدكان" في هذا المعرض، وفي حديثنا معها اعتبرت أن معرض مونتريال الدولي للكتاب العربي يشكل نقلة نوعية للجالية العربية في كندا، وقالت: "نحن نعيش في مجتمع تتعدد فيه اللغات والثقافات، وهذا المعرض يذكّرنا دائمًا بانتمائنا اللغوي والثقافي، ويصقل الروابط العربية بيننا".
وأضافت أن المعرض يُعد مساحة تشجع على التمسك باللغة العربية ونقلها للأجيال الجديدة، مؤكدة: "المعرض يتيح لنا أن نحافظ على هويتنا ونورّثها لأبنائنا وأحفادنا جيلًا بعد جيل". وتابعت: "نشارك بشكل تطوعي، إيمانًا منا بأن اللغة العربية هي أساس هويتنا، وجوهر كل ما نحمله من فكر وثقافة وانتماء".
وأوضحت الجدي: "نسعى في كل دورة إلى أن تكون مشاركتنا خطوة ناجحة نحو الأفضل، وأن يحقق المعرض حضورًا أوسع وتأثيرًا أكبر بفضل القائمين عليه والمهتمين بالكلمة والمعنى الحقيقي للثقافة".
أما عن فعاليات المعرض المرافقة لعرض الكتب، فشدّدت ثراء الجدي على أهميتها البالغة: "المعرض لا يجب أن يقتصر على بيع الكتب فحسب، بل ينبغي أن يكون فضاءً للتفاعل الفكري والثقافي". وأضافت: "الندوات الشعرية أو الثقافية أو الاجتماعية تمنح الزائر تجربة غنية؛ لا يأتي فقط ليشتري كتابًا، بل يجلس ليستمع إلى أفكار ملهمة ويشارك في نقاشات تفتح آفاقه".
وختمت حديثها بالحديث عن أمسيتها الشعرية ضمن فعاليات المعرض: "أدرت أمسية شعرية كانت رائعة بحق، شارك فيها نخبة من الشعراء المبدعين. اضطر بعض الشعراء إلى الاعتذار عن الحضور لأسباب خاصة، لكننا سنستمر في إقامة مثل هذه الأمسيات في المستقبل، وسنعمل على استقطاب شعراء وأصوات جديدة في كل مرة، لتظل هذه الفعاليات حيّة ومتجددة وتمنح الجمهور المتعة والفكر معًا".
لقاءات مع الحاضرين
وليد حديد: معرض الكتاب العربي في مونتريال خطوة ضرورية لتثبيت حضورنا الثقافي
في لقائنا مع الناشط الثقافي الدكتور وليد حديد قال: "في السابق، كنا كجالية عربية نقيم لقاءات أدبية متفرقة، وأحيانًا ندعو بعض الكتّاب لعرض مؤلفاتهم، لكن لم تكن الأمور تُدار بطريقة منظمة. هذه المرة الوضع مختلف تمامًا… الفضل يعود للأستاذ حسام مقبل، فهو إنسان محترف، مؤمن بالكلمة وبالثقافة وبالهوية العربية".
وأوضح أن أهمية المعرض تتجاوز مجرد الاحتفاء بالكتاب: "علينا أن نفكر بطريقة أكثر عمقًا، بما يخدم مصلحة الجالية العربية في كندا. نحن لسنا غرباء؛ نحن أبناء هذا البلد، نساهم في تطوره، وقد اندمجنا فيه نحن وأبناؤنا، لكن ما زال يُنظر إلينا، في بعض الأحيان، كأقلية. لذلك، يجب أن نتحرك لبناء علاقات متينة فيما بيننا أولًا، وأن نطور حضورنا الثقافي والاجتماعي كجالية متجذرة وفاعلة في هذا المجتمع".
حديد أشار إلى أن المعرض يلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على اللغة العربية لدى الأجيال الجديدة: "الجيل الأول من المهاجرين ما زال مرتبطًا بلغته وثقافته، لكن أبناؤنا يمتلكون طاقة وفهمًا للمجتمع الكندي، لكن تنقصهم المعرفة بثقافتنا العربية ولغتنا وتاريخنا. التحدي الأكبر هو إشراك الشباب في هذه الفعاليات، لأنهم يمتلكون أدوات العصر ومعرفة الواقع المحلي أكثر منا".
وعن سبل تطوير المعرض، قال: "النشاط الثقافي في المعرض ما يزال محدودًا نسبيًا… أعتقد أنه يمكن أن يكون أوسع وأكثر تنوعًا. نحتاج إلى ورش عمل وندوات فكرية وعروض أفلام تتناول موضوعات من الوطن العربي، كما يجب أن نفتح المجال للفنانين والشعراء والمبدعين العرب المقيمين هنا في كندا".
وأكد حديد أهمية الانفتاح على المجتمع المحلي، لكنه شدّد على ضرورة تعزيز التفاهم بين العرب أنفسهم أولًا: "يجب أن نتخلص من النزعات الطائفية والحزبية والأنانية. الثقافة الحقيقية لا تنتمي إلى نخبة مغلقة، بل هي إحساس إنساني مشترك وتجربة جماعية. قد يكون الإنسان بسيطًا أو حتى أميًا، ومع ذلك يمكن أن يكون مثقفًا بوعيه وفطرته وحبه للقراءة."
وأضاف: "لهذا السبب أعتبر معرض الكتاب العربي في مونتريال حدثًا ضروريًا، لأنه يذكّرنا جميعًا بأهمية القراءة والكتاب كجسر يجمع بين الأجيال والثقافات".
لطيفة الحاج: هناك حاجة إلى وجود دور نشر عربية داخل كندا لضمان انتشار أوسع للكتاب محليًا
قالت الروائية لطيفة الحاج، التي قدمت إلى كندا مؤخرًا حاملة معها نسخًا من روايتها الأخيرة "المتاهة" الصادرة في بيروت، إن المعرض منحها فرصة للاحتفاء بصدور كتابها في المهجر، والتواصل مع المجتمع الثقافي العربي في مونتريال. وأضافت أن حفل التوقيع الذي أقيم لها حضره عدد من الأساتذة والباحثين، وتم تقديم قراءة تحليلية للرواية من منظور نفسي واجتماعي.
وأكدت لنا الحاج أن المعرض يعكس هويتها الثقافية، ويتيح لها التواصل مع مجتمع يهتم بالثقافة كما كانت تعرفه في لبنان، حيث كانت الأنشطة الثقافية متطورة حتى في القرى الصغيرة. وأضافت: "الثقافة الحقيقية ليست طبطبة، بل شرارة توقظ الإنسان وتشعل الفكر. هي رسالة يوجهها الكاتب للآخرين ليزداد وعيهم ويكبر الإنسان فيها".
وحول أهمية المعارض الثقافية في المهجر، اعتبرت الروائية أن هذه الفعاليات مهمة جدًا لتقوية حضور الكتاب العربي، وإن كانت لا تزال في بداياتها. وأشارت إلى التحديات اللوجستية المتعلقة بصعوبة شحن الكتب من الدول العربية، مشددة على الحاجة إلى وجود دور نشر عربية داخل كندا لتسهيل نشر الأعمال العربية محليًا، وضمان انتشار أوسع للكتاب.
كما تطرقت لطيفة الحاج إلى دور هذه المعارض في ربط الأجيال الجديدة باللغة العربية، مشيرة إلى أن الأحفاد يواجهون صعوبة في القراءة بالعربية بسبب تعلمهم المبكر بالفرنسية أو الإنجليزية. وذكرت أن مسؤولية التربية تقع بالدرجة الأولى على الأهل، الذين يجب أن يزرعوا حب اللغة العربية في أبنائهم منذ السنوات الأولى، من خلال الكلام والقراءة والكتابة.
وأوضحت الحاج أنها شاركت سابقًا في تعليم الأطفال اللغة العربية في كندا، حرصًا منها على دعم الجهود الأسرية للحفاظ على اللغة الأم، مؤكدة أن الأمر يحتاج إلى التزام وتضحية، لكنه يستحق العناء.
وحول مشاركتها في فعالية "تحديات الكاتب العربي في المهجر"، قالت الروائية إن الموضوع قريب إلى قلبها، وقد ناقشته سابقًا في روايتها "مواويل الغربة" (2003)، موضحة الصعوبات التي يواجهها العرب المهاجرون في تربية أبنائهم بين قيم البلد الأم وقيم المجتمع الغربي. وأضافت:
"يأتي المهاجر محمّلًا بتراثه وتقاليده وقيمه، معتقدًا أنه يستطيع أن يحمي أبناءه بها من الانفتاح الكبير الموجود في الغرب، لكنه يصطدم سريعًا بأن الأمور لا تسير بهذه البساطة. ما يُعدّ عيبًا في بلادنا قد لا يكون كذلك هنا، فيجد الأهل أنفسهم أمام تحدٍ كبير: كيف يربّون أبناءهم؟ وعلى أي قيم ومبادئ؟ الحل في رأيي هو التوازن. علينا أن ندرك أن أبناءنا ليسوا لنا وحدنا، كما قال الإمام عليّ عليه السلام: أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أولاد الحياة".
وأضافت: "علينا أن نربيهم بالقيم التي نؤمن بها بالمحبة والإقناع، لا بالإكراه، ليصبحوا جيلًا متوازنًا، منفتحًا، ومتصالحًا مع هويته".
حسان عبدالله: البيئة في كندا لا تساعد على تنمية اللغة العربية
بدوره، أكد الكاتب حسان عبد الله أن حبه للغة العربية كان الدافع الأساسي لحضوره معرض مونتريال الدولي للكتاب العربي، مشيرًا إلى مشاركته بكتاب مكتوب باللغة الفصحى، بالإضافة إلى إلقائه ثلاث قصائد في أمسية شعرية ضمن فعاليات المعرض. وأضاف عبد الله أنه يسعى من خلال المعرض للاطلاع على الإصدارات الجديدة ومتابعة الإنتاج الثقافي العربي في كندا.
وأشار عبد الله إلى أن المعرض يزداد أهمية عامًا بعد عام، موضحًا أنه عند وصوله إلى مونتريال لأول مرة عام 1992، لم يكن هناك أي نشاط ثقافي عربي يُذكر، وأن الوضع لم يتغير حتى عودته إلى كندا عام 2006 بعد حرب تموز في بيروت. وأضاف أن مجموعة صغيرة من الأصدقاء، أسسوا لجانًا تهتم باللغة العربية داخل الجالية، ما ساعد لاحقًا على نمو النشاط الثقافي مع زيادة عدد المهاجرين العرب من لبنان والمغرب العربي وسوريا والأردن وفلسطين، ليصبح المجتمع العربي أكثر حضورًا وتنوعًا.
وحول الحفاظ على اللغة العربية لدى الأجيال الجديدة، قال عبد الله إن لديه أحفادًا صغارًا، وأن ابنته تحرص على تعليمهم العربية، إلا أن البيئة في كندا، سواء في المقاطعات الناطقة بالإنكليزية أو الفرنسية، لا تساعد كثيرًا على تنمية اللغة. وأضاف أن الأطفال يتعلمون بعض العربية شفويًا دون كتابة، موضحًا أن الفعاليات المخصصة للأطفال، مثل الفعالية مع الكاتبة هناء الرملي، تمثل فرصة لجذبهم إلى اللغة العربية من خلال القصص والنشاطات التفاعلية.
243 مشاهدة
05 أكتوبر, 2025
365 مشاهدة
04 أكتوبر, 2025
671 مشاهدة
09 أغسطس, 2025